المعارضة المغربية تستثمر سياسيا في الأزمة بين الحكومة ومهنيي الصحة

النقابات تلوح بالتصعيد في ظل أزمة اتصالية مستحكمة مع الحكومة.
الأربعاء 2024/06/26
ضغوط من كل صوب

تتخذ الأزمة في قطاع الصحة بالمغرب بعدا جديدا مع دخول قوى المعارضة على الخط، ويقول متابعون إن المعارضة تسعى لاستغلال الفجوة الاتصالية التي خلفتها الحكومة للنفاذ وزيادة الضغوط عليها.

الرباط- دخلت المعارضة المغربية على خط الأزمة المتصاعدة بين الحكومة ومهنيي قطاع الصحة، فيما بدا الغرض من ذلك تسجيل نقاط سياسية على حساب ائتلاف الأغلبية.

ويشهد القطاع الصحي في المغرب احتجاجات متواصلة منذ أسابيع، ردا على ما تعتبره الفعاليات النقابية تجاهلا من قبل الحكومة في تنفيذ التزامتها، وإدارة ظهرها للحوار.

وتنفي مصادر حكومية الاتهامات الموجهة مؤكدة أنها تعكف على البحث عن حلول للأزمة، وأن تنظر بجدية لمطالب أهل القطاع.

واتخذت المعارضة من مجلس النواب المغربي، منبرا لمسائلة الحكومة حول القرارات التي سوف تتخذها من أجل نزع فتيل التوتر والاحتقان في قطاع الصحة العمومية، وحول التدابير التي يتعين عليها اتخاذها من أجل تنفيذ ما اتفقت عليه الحكومةُ ووقَّعت عليه مع ممثلي الشغيلة الصحية.

◄ هناك أزمة اتصالية بين الأطراف النقابية والحكومة، وهو ما تعمل المعارضة على استغلاله سياسيا لإحراج موقف الأخيرة

وانتقد رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية المعارض، رشيد حموني، “التنكر للمطالب العادلة والمشروعة للشغيلة الصحية والتملص من تنفيذ مُخرجات الحوار الاجتماعي القطاعي والاتفاقات الموقَّعَة منذ عدة شهورٍ مع جميع النقابات التي تمثل مهنيِّــــي الصحة، بحضور القطاعات الحكومية المعنية، وهي الاتفاقات التي استغرق التوصل إليها جهداً كبيراً وزمناً طويلاً من الحوار والمفاوضات”.

واعتبر حموني أن هذا “التنكر الحكومي هو الذي أفضى، اليوم، إلى احتقانٍ يتصاعد بقطاع الصحة، بصورةٍ تذكر بسوء تدبير الحكومة وارتباكها في التعاطي مع ملف نساء ورجال التعليم”.

ووجه الفريق البرلماني لحزب الاتحاد الاشتراكي المعارض، الاثنين سؤالا لخالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، حول الانعكاسات السلبية للإضرابات المتكررة بالمؤسسات الصحية على الخدمات المقدمة للمواطنين، وعدم إعادة فتح قنوات الحوار مع النقابات لأجل وضع حد للتوترات الاجتماعية بقطاع الصحة، وكذلك التدابير وبرامج الوزارة للتوصل لحلول مع العاملين بقطاع الصحة لأجل تجاوز الاضطرابات التي يعرفها سير العمل بالمؤسسات الصحية.

من جهته حمل التنسيق النقابي لقطاع الصحة رئيس الحكومة عزيز أخنوش آثار الاحتقان الذي يعرفه القطاع على صحة المواطنين، مؤكدا أن قرار التصعيد جاء أمام استمرار التنكر غير المفهوم لرئيس الحكومة لما وصفها بالمطالب العادلة والمشروعة للشغيلة الصحية واستهتاره بمخرجات الحوار الاجتماعي القطاعي وتبخيسه للاتفاقات المبرمة والموقعة مع كل النقابات الممثلة بوزارة الصحة.

وفي وقت أكدت التنسيقية على إمعان رئيس الحكومة في صمته المريب تجاه مطالب الشغيلة الصحية وتثمينها باعتبارها الركيزة الأساسية لأي إصلاح، شدد كريم بلمقدم، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للصحة العمومية، إن صمْت الحكومة غير مبرر وخطير، فلأول مرة في التاريخ تمرّ ستة أشهر دون تنفيذ اتفاقٍ وقعه الفرقاء الاجتماعيون مع الحكومة”.

وأكد علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، أن الحكومة تتحمل مسؤوليتها على التداعيات السلبية للاحتجاجات التي تعرفها المستشفيات العمومية والتي ستحرم المواطنين من حقهم الدستوري في الاستفادة من الخدمات الصحية، مما سيعطل العمليات الجراحية ويؤخر مواعيدهم.

وشدد علي لطفي في تصريح لـ”العرب”، على أن لجوء النقابات إلى الاضراب كان بعدما سُدت أمامها جميع الأبواب واستنفذت كل السبل أمام امتناع مدبري الشأن العام عن الاستجابة إلى ملفها المطلبي، وفي المقابل لابد من حماية حق المواطنين في الولوج إلى العلاج حينما يقصدون الفضاءات الصحية.

وطالب الحكومة بالتدخل في أقرب وقت ممكن لفتح قنوات الحوار مع النقابات والعمل على نزع فتيل الاحتقان المتصاعد في قطاع حيوي من حجم الصحة، تفاديا لما يقع من حرمان مئات الآلاف من المغاربة من حقهم في التطبيب.

وفي هذا السياق أكد المكتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، أن الجلسات الماراطونية التي جمعت النقابات الصحية بالوزارة الوصية باءت بالفشل بسبب غياب الجدية وتهرب المسؤولين من الالتزام بتعهداتهم، وهذا أمر غير مقبول في مرحلة استثنائية وفيصلية تعرف إصلاحات في قطاع الصحة.

وقال التنسيق النقابي إنه أمام تعنت الحكومة يجد نفسه مضطرا مرة أخرى للإعلان عن المزيد من التصعيد وتسطير برنامج نضالي جديد يشمل إضرابا وطنيا لمدة 3 أيام كل أسبوع (25-26-27 يونيو 2024) ما عدا أقسام الاستعجالي والإنعاش، إلى جانب مقاطعة الوحدات المتنقلة والقوافل الطبية.

علي لطفي: الحكومة مسؤولة عن التداعيات السلبية للاحتجاجات
علي لطفي: الحكومة مسؤولة عن التداعيات السلبية للاحتجاجات

ويرى متابعون أن هناك أزمة اتصالية بين الأطراف النقابية والحكومة، وهو ما تعمل المعارضة على استغلاله سياسيا لإحراج موقف الأخيرة.

ويشير المتابعون إلى أن دخول قوى المعارضة على خط الأزمة من شأنه أن يفرض المزيد من الضغوط على حكومة أخنوش التي ليس من صالحها بقاء الأزمة مفتوحة، وتجد نفسها مجبرة على استعجال الحلول.

ونبه حزب التقدم والاشتراكية إلى أن التعنت الحكومي، جعل مواطنين أمام وضعيةٍ مقلقة من حيث ما يتعرضون له، وما سيتعرضون له، من حرمانٍ من معظم الخدمات الصحية، بعد أن اضطرت نقاباتُ القطاع الصحي، على اختلاف مشاربها والفئات التي تمثلها، إلى الاتجاه نحو خوض سلسلة من الخطوات النضالية المشروعة، في شكل إضرابات متتالية، من أجل تذكير الحكومة بالاتفاقات المبرمة مع الحكومة ودفعها إلى الوفاء بها.

ولفتت المعارضة بالبرلمان أن الإنجاح الفعلي لإصلاح منظومة الصحة الوطنية وتحقيق هدف التعميم الفعلي للحق في الخدمات الصحية يظلان رَهِينيْن بمدى التزام الحكومة بالارتقاء بالأوضاع المهنية والاجتماعية والمادية والاعتبارية لكافة نساء ورجال قطاع الصحة العمومية على اختلاف فئاتهم ومهامهم ووظائفهم، وأنه من دون الاهتمام الكافي بأوضاع الشغيلة الصحية سيبقى إصلاح الصحة، الذي هو موضوع إستراتيجي بالنسبة لحاضر ومستقبل البلاد، مجرد حِبرٍ على ورق.

وستشمل الاجراءات التي تهدد بها النقابات الصحية مقاطعة البرامج الصحية وتقاريرها وللوحدات المتنقلة والقوافل الطبية وللعمليات الجراحية المبرمجة غير المستعجلة وللفحوصات المتخصصة بالمستشفيات ولتحصيل مداخيل الفواتير وللمداومات الإدارية ولكل الاجتماعات مع الإدارة بكل أنواعها.

وقد ندد الكتّاب العامون وممثلوا النقابات الثماني الأكثر تمثيلية بـ”تنكُّر الحكومة لخلاصات الجولات الماراثونية للحوار، والمفاوضات الشاقة”، و”تنكّرها لمجهودات ومعاناة وتضحيات العاملين بقطاع الصحة، الذين يُعتبرون الحجر الأساس لإنجاح أي إصلاح للمنظومة الصحية”، محذّرين من أن استمرار الغموض الذي يلفّ مصير اتفاق 29 ديسمبر 2023 سيعيق تنفيذ ورش إصلاح قطاع الصحة العمومية، كما أنه سيُفقد الثقة للمهنيين في القطاع، ومن ثم تفاقم هجرة الأطر الصحية إلى الخارج.

4