إنتاج درامي يواكب صناعة الفن الرقمي بمصر

توجه نحو تقديم مسلسلات قصيرة على مواقع التواصل لجذب الجمهور.
الخميس 2024/06/13
أعمال دعمتها جهات خاصة

في محاولة منها لمواكبة التطور التكنولوجي وتأثيره على سوق الدراما، تتجه شركات الإنتاج المصرية نحو إنتاج مسلسلات قصيرة تراعي ضوابط المنصات وتمنح الشباب فرصا أكبر، رغبة في مجاراة تغيرات السوق وتحقيق انتشار جماهيري وأرباح أكبر.

القاهرة - دفع تعدد المحتوى الفني الذي تقدمه مجموعات شبابية على منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن أنفسها بعض شركات الإنتاج في مصر إلى انتهاج الطريق ذاته والسعي لزيادة معدلات المشاهدة، واستثمار الأعمال الدرامية والسينمائية القصيرة التي حققت نجاحات أتاحت الفرصة لوجود أسواق تبدي اهتمامًا بعرض هذه النوعية من الأعمال، خاصة منصات الترفيه الرقمية.

واستجاب المنتج المصري جمال العدل لهذا التطور مع إعلان نيته التوجه لتقديم أعمال درامية قصيرة تعرض في دقائق وتتماشى مع جمهور المنصات، بعد أن تراجعت شركته عن تقديم أعمال درامية طويلة اعتادت عليها منذ سنوات طويلة، ويفتح بذلك الباب أمام شركات أخرى لتبدي اهتماما بالإنتاج المقدم عبر منصات التواصل كأحد أشكال تطور صناعة الفن الرقمي ليكون بجانب الإنتاج التقليدي المتاح.

المنتج المصري جمال العدل استجاب للتطور مع إعلان نيته التوجه نحو تقديم أعمال درامية قصيرة تتماشى مع جمهور المنصات
المنتج المصري جمال العدل استجاب للتطور مع إعلان نيته التوجه نحو تقديم أعمال درامية قصيرة تتماشى مع جمهور المنصات

وتهدف شركة “العدل جروب” إلى تطوير المحتويات التي تقدمها “العدل ديجيتال” وهي إحدى فروعها التي تمتلك قناة على موقع يوتيوب وقنوات أخرى على منصات رقمية مختلفة، تقدم من خلالها اسكتشات قصيرة وحلقات بودكاست وبرامج نقاشية.

وتشي الخطة بأن القناة قابلة للتحول إلى منصة إنتاج درامي، تقدم مسلسلات قصيرة للغاية أو ما يُسمى بالـ”شورت دراما” التي تحقق نسب مشاهدة عالية، ودائما ما تقوم على فكرة الإنتاج العشوائي من قبل عدد من الشباب المهتمين بالفنون.

وقال جمال العدل في بيان أصدره أخيرا إن فكرته حاضرة في ذهنه منذ 15 عامًا وكان من المفترض تقديم مسلسلات مدتها ثلاث دقائق بالتعاون مع إحدى شركات الاتصالات بمصر لتواكب اهتمامات مستخدمي الهواتف المحمولة، لكن الاتفاق لم يكتمل وهناك فرصة لإعادة تقديمها من خلال “العدل ديجيتال” والاستعانة بنجوم من الوسط الفني ومعهم شباب من الوجوه الجديدة وتقديم مواهبهم في مجال التمثيل أو تأليف المحتوى والقصص المعالجة دراميا التي تصلح لكي تقدم في دقائق.

وتعتمد شركات اكتشاف المواهب أو “الكاستينج” على فيديوهات تمثيلية يقدمها عدد من الشباب لاختبار قدراتهم، ما يشير إلى أن شركات الإنتاج يمكنها تحقيق أهداف عديدة في آن واحد عبر الديجيتال لأنه يسهل عليها مهمة تقديم وجوه جديدة ليست بحاجة إلى تكاليف إنتاجية ضخمة، وتفتح نافذة لها على جمهور مواقع التواصل، وهؤلاء يشكلون قطاعا يفوق ما تستهدفه المنصات الرقمية ومن يحافظون على مشاهدة التلفزيون، وهذا الإنتاج يتنوع فنيا بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية الحديثة.

شركات الإنتاج يمكنها تحقيق أهداف عديدة في آن واحد عبر الديجيتال لأنه يسهل عليها مهمة تقديم وجوه جديدة

ويشكل الإنتاج الذاتي الذي تقدمه مجموعات شبابية تبدي اهتمامًا بصناعة الأفلام القصيرة فرصة مواتية لتكرار ذلك في الدراما، خاصة أن المسلسلات التي قد تبقى في حيز زمني لا يتجاوز دقائق معدودة مناسبة لليوتيوب وغيره من مواقع التواصل.

ويمكن خلق حالة ارتباط مع الجمهور عبر تنويع عروض الحلقات بما يحقق نسب مشاهدة مرتفعة تحقق عوائد مالية وتساعد على تقديم المحتوى المدفوع بتدشين منصات تهتم بعرض إبداعات شباب قد لا تتوفر فيها معايير العمل الفني الكامل.

وأكد الناقد الفني أحمد النجار أن الإنتاج الفني أخذ طريقه نحو مواقع التواصل ومنصات البث الترفيهية، وأن طبيعة اهتمامات الجمهور تدفع شركات الإنتاج بمصر إلى التفكير في ما يضمن لها تحقيق أرباح تساعدها على التطور، وأن شركة العدل في مرحلة متقدمة من بين شركات عدة في منطقة الشرق الأوسط قررت الاتجاه إلى الوسائط الرقمية لتقديم برامج واسكتشات ومحتويات يغلب عليها الجانب الترفيهي.

أحمد النجار: الوسائط الرقمية تمنح الأعمال انتشارا أكبر وتزيد أرباح المنتجين
أحمد النجار: الوسائط الرقمية تمنح الأعمال انتشارا أكبر وتزيد أرباح المنتجين

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “اتجاه المنصات ووسائل التواصل ذو أبعاد تجارية، فما تحققه من أرباح يفوق ما تحصل عليه المسلسلات نظير العرض التلفزيوني الذي قد يرتبط بتأخير دفع قيمة البث مع توالي الأزمات التي تعانيها بعض الفضائيات، وهناك أهداف لدى المنتجين تتمثل في الحصول على قيمة البث مبكرا لتوظيفها في تقديم أعمال أخرى، كما أن قدرة مواقع التواصل على توجيه الأنظار إلى نجوم بأعينهم على القمة تشي بأن حركة تطور الممثلين الشباب أسرع من خلالها”.

وذكر النجار أن تقديم مسلسل لا يتجاوز وقته دقائق معدودة أمر يحقق مشاهدات كبيرة على المنصات الرقمية، ويتسق مع زيادة معدلات الجلوس أمام شاشات الموبايل، وقد لا يكون من المناسب مشاهدة مسلسل تصل مدة حلقاته المجمعة إلى خمس أو سبع ساعات، لكن من المناسب مشاهدة محتوى سريع لا يتجاوز بضع دقائق، مع ضمان غياب المط والالتزام بكتابة بسيطة تصل رسالتها إلى الجمهور بسهولة، ما يعزز النجاح.

وخرجت إلى النور منذ ثلاثة أعوام منصة “كايرو تايم” ويمتلكها عدد من المنتجين وتعمل على تقديم اسكتشات قصيرة، تأتي في شكل حلقات درامية تعمل على توصيل رسالة معينة إلى الجمهور في مدة لا تتجاوز ثلاث دقائق وتستمر حاليًا في تقديم محتويات تتضمن برامج ترفيه وتعليم، كما تسلط الضوء على الأعمال الفنية المعروضة لكن يغيب عنها الإنتاج الدرامي الخالص.

ويتفق البعض من النقاد على أن تحقيق نسب مشاهدة عالية للأفلام القصيرة التي يتم عرضها على المنصات المختلفة يدفع نحو تكرار الأمر مع الدراما عبر تقديم محتويات تعتمد على فكرة حاضرة في ذهن مجموعات شبابية لديها اهتمام بالفنون، والتعاون مع أحد المخرجين ممن لديهم تحمّس لتلك الأفكار ومشاركة شركات إنتاج تسهم في التمويل المطلوب لترى النور، خاصة أن تلك الوصفة التي نجحت على مستوى الأفلام القصيرة حققت عوائد مادية عبر استقطاب المنصات الرقمية لها.

محمد سعدون: صناعة المحتوى القصير صعبة لكنها تمنحنا محتوى مبتكرا
محمد سعدون: صناعة المحتوى القصير صعبة لكنها تمنحنا محتوى مبتكرا

ويمكن ملاحظة تطور المحتويات الفنية القصيرة للغاية من خلال المهرجانات الفنية التي تولي عرضَ هذه الأعمال اهتمامًا، ومن بينها المهرجان الدولي للفيلم القصير جداً الذي انطلق قبل أيام ويستمر حتى 16 يونيو الجاري، وهو أول مهرجان خاص بالأفلام القصيرة التي لا تتجاوز مدتها خمس دقائق، ويتضمن مسابقات للأفلام الروائية والوثائقية والتسجيلية والتحريك، ومهرجان “الفيمتو آرت” الذي عقدت دورته الثالثة في مايو الماضي ويحوي مسابقات لأفلام الموبايل ومسابقة الفيديو الإبداعي.

وقال مدير مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير المخرج محمد سعدون إن الإنتاج الدرامي على منصات التواصل يفتح الباب لتقديم المزيد من الممثلين والكتاب والمخرجين الجدد، بما يسهم في تحريك عجلة الإنتاج الفني مع وجود منصات على الإنترنت تصلح لأن يتابعها المشاهدون على الموبايل أو التلفزيون. ويعد ذلك فرصة لمواكبة التطور في الإنتاج الرقمي، ويشجع دخول شركة العدل جروب هذا المجال شركات أخرى على سلْك الطريق نفسه، وإذا لم تحقق الأعمال المعروضة عليها نجاحات حاليا فعلى أية حال سيكون لها جمهور غفير في المستقبل.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الكثير من الشباب الذين لم يتوقعوا الوصول إلى الشهرة عبر فيديوهات يقدمونها على مواقع التواصل استطاعوا تحقيق ذلك، وعدد المشاهدات على الفيديوهات التمثيلية القصيرة بات كبيرا للغاية، ويتعامل الجمهور مع هذه المقاطع على أنها أحداث حقيقية ولا يعرفون الأشخاص الذين يقومون بالتمثيل”.

وشدد سعدون على أن صناعة المحتويات القصيرة صعبة وتعتمد على جودة الفكرة القابلة للتنفيذ بلا حدود تقيد حريتها، ما يساعد على تقديم فكرة مبتكرة في فترة زمنية تتراوح بين خمس إلى ثلاثين دقيقة بالنسبة إلى الأفلام القصيرة، وهو ما ينطبق أيضا على الدراما.

كما أكد على أن قدرة هذه الأعمال على تحقيق نجاحات ترجع إلى كونها تخرج عن المألوف، لكن دخول شركات الإنتاج سوق الأفلام القصيرة مازال ضعيفًا في مصر، والأفلام التي تحصل على جوائز دولية مثل “عيسى” و”رفعت عيني للسما” تأتي تحت رعاية جهات إنتاجية لتقديم التمويل اللازم للحصول على جودة عالية.

14