برلين مربط خيلنا

لم تعد باريس مربط خيل السوريين، اليوم برلين هي مربط خيلهم، والوجهة التي يعتبرون أنفسهم ناجحين عندما يحطون الرحال بها.
الجمعة 2024/06/07
برلين تنتفض من بين الركام

ما أن تضع قدمك على رصيف محطة هابطا من القطار حتى تهب عليك روائح منبعثة من الشيشة (النارجيلة). أنت الآن في نيوكولن المعروفة باسم منطقة العرب في برلين، وكانت تعرف حتى وقت قريب بمنطقة الأتراك.

لشدة تميزها وفرادتها يمكن أن توصف المنطقة بعاصمة ضمن عاصمة، بعد أن أزاحت العاصمة الفرنسية باريس والعاصمة البريطانية لندن عن مكانتهما الأولى باستضافة الجاليات العربية.

شارع إدجوار رود في لندن الذي طالما عرف بأنه منطقة تستقطب العرب تتضاءل مكانته عندما يقارن بمنطقة نيوكولن. الفرق واضح بين إدجوار رود الذي يستضيف عددا من المطاعم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وتتميز بارتفاع الأسعار، واستقطاب السياح العرب الأثرياء، وبين منطقة نيوكولن التي أصبحت مخيما للاجئين وفي مقدمتهم السوريون الهاربون من حرب أودت بحياة الملايين وشردت أكثر من 5 ملايين.

هناك أيضا أعداد من العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين الذين استجاروا ببرلين لأسباب ودوافع مختلفة فأجارتهم.

المحلات والمطاعم في نيوكولن لا تتنافس فقط على جودة طعامها وخدماتها، بل على الأسعار التي هي في متناول الجميع.

لم تعد باريس مربط خيل السوريين، اليوم برلين هي مربط خيلهم، والوجهة التي يعتبرون أنفسهم ناجحين عندما يحطون الرحال بها.

قصص نجاح المهاجرين السوريين واضحة، لا تحتاج إلى من يحدثك عنها. في مقدمة هذه النجاحات تجارة التجزئة وخدمات المطاعم. في برلين ستجد ما لا تجده في عواصم عربية كبيرة وعريقة، مثل القاهرة ودمشق وبيروت وتونس..

اطلب لبن العصفور سيجلبونه ويضعونه أمامك، أو على الأقل يقنعونك أن لبن الماعز هو لبن العصفور. لتخرج من محلهم فرحا مسرورا.

قد لا تكون منطقة نيوكولن هي المنطقة المفضلة للسكن والإقامة بضجيجها وازدحامها ورائحة الدخان وزيوت القلي، ولكن الرحلة إلى برلين لا تكتمل إلا بزيارتها ولأكثر من مرة.

برلين معروفة باتساع شوارعها وحدائقها المنتشرة على جانبي الطرقات. بينما منطقة العرب في العاصمة الألمانية، ضيقة بزحمة المرور وبسطات الباعة وكراسي المقاهي والمطاعم وطاولاتها.

ومهما عاهدت نفسك على عدم العودة إليها، ستجد نفسك تزورها ثانية، وثالثة، ورابعة.. وربما للمرة الألف.

في هذه المنطقة تجد كل ما تحتاج إليه تحت سقف واحد. عندما تشتهي الفلافل والحمص والكسكسي والطاجين والحلاوة الحمصية والكنافة النابلسية والملوخية بمختلف أصنافها (المصرية والسورية والتونسية) ما عليك إلا أن تتجه إلى نيوكولن.

في البداية ضجّ الألمان ذرعا بما رأوا فيه مدينة للعجائب والغرائب نهضت فجأة ضمن مدينتهم، وكسرت كل القواعد المتعارف عليها والمعمول بها، لكنهم سرعان ما اكتشفوا مزاياها، لقد تحولت برلين من مدينة لا لون ولا طعم ولا رائحة لها، إلى مدينة متعددة الثقافات تضجّ بالحياة.

بعد أن كانت برلين فاقدة للجاذبية والحيوية والحياة انتفضت من بين الركام وغدت مدينة كوزموبوليتانية متعددة الثقافات تضاهي مدنا مثل لندن وباريس وروما.

المهاجرون بمختلف تنوعاتهم الثقافية أضافوا إلى برلين أكثر بكثير مما أخذوا منها. وسيذكر التاريخ قريبا فضل رئيسة وزراء ألمانية أنجيلا ميركل التي دامت فترة حكمها 15 عاما بين 2005 و2021، وامتلكت الجرأة على فتح أبواب ألمانيا لاستقبال السوريين الذين استجاروا بها فأجارتهم.

18