هواجس تأمين الحدود الشرقية تخيم على الحوار الوطني في مصر

القاهرة - عاد الحوار الوطني إلى الواجهة السياسية في مصر مع تزايد وتيرة التوترات الأمنية على الحدود مع قطاع غزة بعد إعلان القوات الإسرائيلية سيطرتها على محور فيلادلفيا، وتغولها في مدينة رفح من الشرق إلى الغرب.
وأكد مجلس أمناء الحوار الوطني الأحد على دعم ومساندة الموقف المصري الذي “تميز بالصلابة والجدية، وأن الرئيس عبدالفتاح السيسي أكد مرارًا وتكرارًا أن القضية الفلسطينية تعتبر قضية القضايا، ولا حل لها سوى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رافضًا التهجير وتصفية القضية، وأي مساس بالأمن القومي المصري”.
وأشار المجلس في بيان له إلى ضرورة استمرار الاصطفاف الشعبي حول القيادة السياسية ومواقفها المبدئية والعملية الثابتة والحاسمة في ظل الأوضاع الدقيقة الراهنة.
ودعا رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني ضياء رشوان إلى عقد اجتماع لقوى سياسية عديدة، يتضمن إدخال ملف الأمن القومي والسياسة الخارجية في أجندته، “نظرا للأوضاع الخطيرة التي خلقها العدوان الإسرائيلي على غزة، والتوصل إلى مقترحات تدعم مواقف مصر الثابتة في مواجهته، وحماية أمنها القومي”. وأكد رشوان بعد انطلاق جلسات الحوار الوطني منذ أكثر من عام أن موضوعات الأمن القومي “لن تكون” ضمن محاوره الثلاثة الرئيسية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ما أثار جدلاً واسعًا من جانب المعارضة آنذاك، والتي اعتبرت أن القرار “ينتقص من قيمة الحوار وجديته، وإشارة سلبية مبكرة”.
وتأتي الدعوة إلى تضمين الأمن القومي والسياسة الخارجية في الحوار الوطني لتؤكد أن بعض الجهات قد تكون لها توجهات لا تتماشى مع الرؤية العامة للدولة، وبدت الدعوة التي جاءت من قبل السيسي في أثناء إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي كأنها انتقاد لآليات الحوار الذي لم يحقق المأمول منه، ومازالت توصيات مرحلته الأولى مجمدة، على الرغم من إحالتها إلى الحكومة والبرلمان.
وقلل متابعون من قدرة الحوار الوطني على إحداث حالة من الحشد الشعبي والسياسي بشأن التعامل مع تحديات الأمن القومي التي لا تشهد تباينًا تقريبا في وجهات النظر، وهناك اتفاق كبير بين جميع التيارات المشاركة في الحوار.
وتراجع الرهان على الحوار لإحداث تغيير ملموس في الحياة العامة، وتقلصت فرصه في تحقيق الحشد الداعم للدولة في مواجهة أزمات صعبة على الحدود الشرقية، مع تعقيدات العلاقة مع إسرائيل والمستقبل الغامض لقطاع غزة.
وأكد المتابعون أن عدم مشاركة عدد كبير من أحزاب المعارضة في المرحلة الثانية من الحوار الوطني يؤثر على قيمة ما يصدر عنه من توصيات وقد ينظر البعض إليها كاجتهاد لقوى قريبة من الحكومة أو محسوبة عليها.
وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع لـ”العرب” إن “الحوار يناقش سيناريوهات التعامل مع الوضع القائم على الحدود مع غزة، والبدائل التي يمكن أن تنتهجها الدولة لمواجهة أي خطر بشأن تهجير الفلسطينيين، ومستقبل القطاع، ودعم جهود التوقيع على اتفاق هدنة يشمل تسليم الأسرى من الجانبين”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تضمين محاور الأمن القومي جاءت بتكليف من رئيس الدولة، وكانت في المحاور الرئيسية للحوار قبل أن يتم إلغاؤها بشكل مفاجئ، وهناك رغبة من النظام المصري في أن تكون هذه القضايا حاضرة في النقاشات بين القوى السياسية، مع أنها محل توافق كبير، ويتمثل المستهدف في التأكيد على وجود رؤية موحدة بين الدولة والقوى الوطنية المختلفة تجاه التعامل مع التهديدات القائمة.
واستدعت الحكومة الحوار الوطني في دعم توجهات رافضة لمسألة التهجير بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب في غزة، ودعا الحوار آنذاك إلى التظاهر لرفض مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بعدما هدد السيسي في مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتس بخروج المواطنين لدعم الموقف المصري.
عدم مشاركة عدد كبير من أحزاب المعارضة في المرحلة الثانية من الحوار الوطني يؤثر على قيمة ما يصدر عنه من توصيات وقد ينظر البعض إليها كاجتهاد لقوى قريبة من الحكومة أو محسوبة عليها
وأكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي اللواء يحيى كدواني أن التطورات في غزة وتزايد وتيرة التهديدات يتطلبان قيام القوى السياسية بتقديم رؤاها ودعم سياسة الدولة في مواجهة التحديات الراهنة.
واعتبر في تصريح لـ“العرب” أن غالبية الرؤى متفق عليها وتتعلق بالتزام مصر برفض التهجير والالتزام بمبدأ حل الدولتين وفتح جميع المعابر لتوصيل المساعدات إلى الشعب الفلسطيني ورفض التدمير الممنهج لغزة ومحاسبة إسرائيل على جرائمها.
وتقلل الاستعانة بالحوار الوطني في وجود البرلمان من أهمية الأخير المؤسسية، وتنطوي على اعتراف بأن مجلس النواب لا يحقق التمثيل الأشمل للأحزاب والتيارات.وذكر رئيس حزب التجمع اليساري سيد عبدالعال لـ“العرب” أن تسليط الضوء على المشكلات المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها المواطنون أكثر فاعلية، في حال وجد القدرة على تغيير السياسات الحالية للحكومة واستبدالها بأخرى تستنهض القطاعات الصناعية والزراعية بما ينعكس على نمو الاقتصاد الذي يدعم قوة الدولة في مواجهة الأخطار الخارجية، وهو أحد أشكال الدفاع عن الأمن القومي.
وأشار إلى أن عملية تحصين الجبهة الداخلية ومساندة الجيش ودعم الدولة تتطلب تحقيق المزيد من التوافق الشعبي من خلال مضي الحكومة نحو الاتجاه السليم اقتصاديًا، وعلى الحوار الوطني التعرف على مصير أكثر من 140 توصية و7 مشاريع قوانين أحالها الرئيس السيسي إلى الحكومة ومجلس النواب قبل التطرق إلى ملفات جديدة.
ويتطرق الحوار الوطني بعد أن استأنف اجتماعاته السبت إلى مناقشة تنفيذ مخرجات المرحلة الأولى، ووضع ضوابط وآلية عمل اللجنة المنبثقة عن مجلس الأمناء للمتابعة، بالتنسيق مع الحكومة، ما يضمن التنفيذ الفعلي والسريع للمخرجات، إلى جانب متابعة وتقييم لجان وموضوعات الحوار التي لم تناقش حتى الآن، أو لم تناقش أجزاء منها، واقتراح الجدول الزمني المناسب لمناقشتها.