مصر تستنسخ تجربتي الإمارات وتركيا لنجاح مناطقها الحرة

ضرورة تغيير هيكل الاستثمار وزيادة الإنتاج والتصدير لتحقيق الفاعلية.
الاثنين 2024/06/03
ترك بصمتك الصناعية ليس سهلا

يجمع أصحاب الأعمال على ضرورة استنساخ مصر للتجربتين الناجحتين في كل من الإمارات وتركيا لتطوير مناطقها الحرة، وتعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، لتحقق الهدف المرجو منها بزيادة موارد النقد الأجنبي عبر تنمية الصادرات وإحلال الواردات.

القاهرة - تسعى القاهرة إلى استنساخ تجربة كل من الإمارات وتركيا لتطوير مناطقها الحرة وإصلاح التشوهات، التي تسببت في عدم جذب مشاريع ذات تقنيات حديثة وضآلة التصدير وعدد العمالة فيها لغياب منظومة تضمن النهوض بتلك المناطق.

ويعد النموذجان هما الأقرب للتكرار في مصر، فالبلد الخليجي مرجع لدراسة الاستفادة من التجارب المختلفة فيها وتقديم رؤية جديدة للمناطق الحرة، إذ نجح في أن يحول مناطقه الحرة إلى مركز للتجارة وإعادة التصدير مع توفير بيئة مواتية جذبت الاستثمارات الأجنبية بقوة.

أما بالنسبة إلى تركيا فهي تتشابه مع مصر في البدايات، وتمكنت من تحديث المناطق الحرة وأصبحت لاعبا في اقتصادها.

وكشف رئيس مصلحة الجمارك الشحات غتوري أن نظرة الجمارك للمستثمرين الأجانب في المناطق الحرة الخاصة بالبلاد تغيرت، ففي الماضي اعتبرهم البعض يستفيدون لمدة مؤقتة ثم يغادرون في مرحلة لاحقة، ولذلك لا يتم التعامل معهم بزيادة الرسوم.

وتُعرف المنطقة الحرة بأنها جزء من إقليم الدولة يدخل ضمن حدودها ويخضع لسلطتها الإدارية، ويتم التعامل فيه وفقا لأحكام ضريبية وجمركية ونقدية خاصة.

وهناك نوعان من المناطق، الأولى حرة عامة والثانية حرة خاصة، ويقوم قطاع المناطق الحرة بالهيئة العامة للاستثمار بالإشراف عليهما.

فاروق بركات: زيادة التكاليف تقوّض الاستثمار في المناطق الحرة
فاروق بركات: زيادة التكاليف تقوّض الاستثمار في المناطق الحرة

وطالب غتوري أن تلتزم المناطق الحرة بالتصدير بنسب مرتفعة إلى الخارج حتى تعزز تدفق الدولار، ويتم التركيز على زيادة إشغال المناطق الحرة غير المستغلة بالكامل، موضحًا أن مصر يمكن أن تحوّل المناطق الحرة لمراكز للتصدير والصناعة.

وقدمت الحكومة حزمة من الحوافز لدفع الاستثمارات الأجنبية في الصناعة المحلية، مثل التسهيلات الضريبية وتبسيط إجراءات تخصيص الأراضي، ودعم تدشين المناطق الحرة، ومع ذلك تواجه تحديات جعلتها في مرتبة أقل مقارنة بنظيرتها في كل من تركيا والإمارات.

وتتفاءل القاهرة بمستقبل المناطق الحرة، لكن القطاع الخاص يرى أن ثمة عقبات ينبغي علاجها لتوفير مناخ أفضل للاستثمار وتعزيز نمو المناطق الصناعية.

وبدأ نشاط المناطق الحرة في مصر قبل تركيا والإمارات، ويرجع إلى عام 1973 في كل من الإسكندرية ومدينة نصر بالقاهرة، وتمتلك مصر الآن نحو 218 منطقة.

ويبلغ متوسط القيمة التصديرية للمنطقة الحرة الواحدة بالبلاد نحو 100 مليون دولار سنويا، وفقا لإحصائيات رسمية، وهي نسبة تقل عن مثيلتها في كل من الإمارات، والتي تبلغ 2.3 مليار دولار، بنحو 950 مليون دولار.

وبحساب متوسط معدلات النمو السنوية للمناطق الحرة منذ عام 2017 وحتى 2022، ارتفع متوسط نمو الصادرات المصرية بنحو 7 في المئة، بينما سجلت الصادرات في الإمارات نحو 12 في المئة وفي تركيا بنحو 8 في المئة.

ومن أسباب ضعف المناطق الحرة في مصر، عدم تركيزها على التصدير، إذ تُخصص نسبة كبيرة من إنتاج المناطق الحرة لتلبية احتياجات السوق المحلية.

ويبلغ نصيب الصادرات للأسواق الأجنبية أقل من النصف أو نحو 42 في المئة، بالمقارنة مع 92 في المئة في الإمارات و65 في المئة في تركيا.

وتركز مصر على تخصيص الجزء الأكبر لصالح المناطق الحرة الصناعية تليها المناطق الحرة الخدمية والمعنية بالتخزين، وتشكل المشاريع الصناعية نحو 47 في المئة.

وفي حين بلغت قيمة الصادرات الصناعية نحو 48 في المئة من قيمة صادرات المناطق الحرة، يستحوذ قطاع الصناعات التحويلية في تركيا على النسبة الأكبر من حجم تجارة المناطق الحرة بنسبة تصل إلى 96 في المئة.

100

مليون دولار صادرات كل منطقة مقارنة مع 2.3 مليار دولار في الإمارات و950 ألف دولار بتركيا

ويستحوذ قطاعا تكرير النفط والملابس الجاهزة والمفروشات على النسبة الأكبر من صادرات المنطقة الحرة في مصر بنسبة 66 في المئة، مقابل قطاعي الآلات والمعدات الكهربائية والمركبات والسيارات في الإمارات بنسبة 65 في المئة عام 2022.

وشهد قطاع النفط تغيرا كبيرا خلال عام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه، وارتفعت مساهمته في الصادرات من 37 في المئة إلى 52 في المئة.

وأما قطاع الآلات والمعدات الكهربائية فيعاني من ضعف في الأداء على مستوى صادرات المناطق الحرة في مصر، فلم تتعد صادراته 6 في المئة من إجمالي صادراتها.

وتجتذب السوق المصرية حصة أصغر من الاستثمارات الأجنبية، والتي تمثل حوالي 20 في المئة فقط من إجمالي استثمارات المناطق الحرة، مقارنة مع تركيا التي تبلغ 80 في المئة و26 في المئة في دولة الإمارات.

وتستقطب المنطقة الحرة في جبل علي بالإمارات منفردة ما يصل إلى 24 في المئة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دبي.

ورغم أن المناطق الحرة تسهم بنحو 47 في المئة من حجم الصادرات المصرية، لكن لا يتجاوز حجم العمالة التي توظفها 200 ألف عامل، أي 1.3 في المئة من إجمالي حجم المشتغلين في مصر.

وفي الإمارات بلغ حجم العمالة بمنطقة جبل علي نحو 450 ألفا لتستحوذ على 16.2 في المئة من إجمالي العمالة في دبي.

ومن التحديات التي تقوض فعالية المناطق الحرة في مصر، ضعف الصناعات عالية التقنية، وانخفاض القيمة المضافة من الصادرات مقارنة بتركيا، وتبلغ نسبة الصناعات عالية التقنية بالمناطق الحرة المصرية نحو واحد في المئة من حجم الصناعات.

وأشار نائب رئيس جمعية مستثمري المناطق الحرة الخاصة فاروق بركات إلى وجود عراقيل تقوض فعالية المناطق الحرة بمصر، تصعّب اللحاق بنظيرتيها في الإمارات وتركيا.

وضرب بركات مثالا على ذلك يتمثل في عمولة الشركات الوسيطة للاستيراد من داخل مصر حال الحاجة من أجل استخدام أو شراء أي مستلزمات من مصنع يتبع الاستثمار الداخلي.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك تكاليف أخرى تتسبب في زيادة الإنتاج، مثل رسوم التسجيل على منصة نافذة المتعلقة بالتكامل وتنسيق الإجراءات والمعلومات بين الجهات المعنية بالتجارة الخارجية في مصر، وإجراءات غير مبررة تُضعف تنافسية المنتجات”.

وتسعى القاهرة إلى تدشين المزيد من المناطق الحرة مع توفير الحوافز، حيث منح رئيس الحكومة مصطفى مدبولي الضوء الأخضر لإنشاء أربع مناطق حرة جديدة في قطاعات مختلفة.

فؤاد ثابت: مصر تضم أكبر عدد من المناطق الحرة إقليميا دون جدوى كبيرة
فؤاد ثابت: مصر تضم أكبر عدد من المناطق الحرة إقليميا دون جدوى كبيرة

وإلى جانب ذلك، القيام بالتعديلات المخطط تطبيقها على برامج الحوافز بالتركيز على الحوافز المخصصة لقطاعات بعينها بهدف تعزيز العروض الصناعية.

وأكد خبير الاستثمار المصري فؤاد ثابت أن مصر من أكبر الدول بها مناطق حرة في المنطقة، وتزداد جدواها باشتمالها على صناعات ذات تقنيات وتكنولوجيا عالية، حتى تمنح الصادرات تنافسية كبيرة، وتسهم في تشغيل أكبر عدد من الأيدي العاملة.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن قطاع الملابس الجاهزة يشكل النسبة الأكبر من الاستثمارات في المناطق الحرة في مصر، مطالبا بزيادة إشغال المناطق الحرة العامة غير المستغلة بالكامل بدلا من إنشاء أخرى جديدة.

ولفت إلى أن المناطق الحرة الخاصة لها مزايا في آلية العمل، وأحدثت طفرة في الاستثمار والصادرات بمصر في السنوات الماضية، لكن ينبغي تجهيز المناطق الحرة بشكل أفضل، خاصة في المناطق البعيدة عن القاهرة.

ويحبذ مستثمرو المشاريع التي لا تستغرق وقتًا طويلاً لتنفيذها تعظيم فترة الإعفاء الضريبي الحالية البالغة سبع سنوات، لكن بعض المشاريع الصناعية والتعدين مثل الحديد والصلب والآلات والمعدات تحتاج من عامين إلى ثلاثة أعوام قبل بدء الإنتاج.

والمناطق الحرة إجراء مؤقت، لأن الاستثمار الداخلي أمر بالغ الأهمية، وتكمن أهمية المناطق الحرة في ما توفره من سهولة الإجراءات وإمكانية الوصول للأسواق، وحال سهلّت السلطات الاستثمار داخل مصر سيتم تقليص مهام المناطق الحرة تدريجيا.

وتعد سهولة ممارسة الأعمال التجارية أكثر أهمية بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب من المخاوف والتحديات الضريبية، لذلك ينبغي تطبيق إجراءات مبسطة أكثر لتسريع عملية تسجيل الشركات وتقديم الإقرارات الضريبية.

11