مبادرة عمانية واعدة لتعزيز دور السياحة الداخلية

الحكومة تشجع المحافظات على تقديم مشاريع تنافسية في القطاع لتحفيز مسار تنويع الاقتصاد.
الاثنين 2024/06/03
هيا استعدوا لاستكشاف معالم الصحراء

كثفت الحكومة العمانية جهودها لتعزيز دور السياحة في الاقتصاد من خلال مبادرة جديدة واعدة تستهدف محافظات البلاد، للرفع من نسبة مشاركتها في تنويع مصادر الدخل مع توفير المزيد من الوظائف، بما يخدم إستراتيجية التنمية الشاملة على أسس مستدامة.

مسقط- دشنت سلطنة عمان مبادرة يتوقع أن تساعد في تحقيق أهداف الحكومة ضمن ضخ دماء جديدة في الاقتصاد، من خلال التركيز أكثر على السياحة الداخلية، والتي تشكل أحد محددات نمو هذه الصناعة، التي باتت من محاور تنويع الإيرادات.

وتسعى الحكومة من خلال إصلاحاتها المتواترة لجني ثمار برامج دعم الاستثمار من أجل النهوض في هذا المجال الحيوي ضمن برنامج التحول الموسع لتنويع مصادر دخلها، والذي يمتد حتى 2040. وأطلقت وزارة الاقتصاد السبت الماضي، مبادرة تحت اسم “سياحة المحافظات”، بهدف تنشيط ودعم السياحة في محافظات السلطنة، وتمكين القطاع من تنمية اقتصاداتها.

ومن المفترض أن يتم ذلك عبر دعم المشاريع، التي تستغل الميزات النسبية لكل محافظة وتحقيق جدوى ملموسة في تنمية المجتمعات المحلية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإيجاد فرص عمل جديدة لأبناء المحافظات.

ناصر المعولي: من أهداف المبادرة، التنافس وتوفير وظائف للعمانيين
ناصر المعولي: من أهداف المبادرة، التنافس وتوفير وظائف للعمانيين

وأوضح وكيل وزارة الاقتصاد ناصر المعولي أن المبادرة تأتي ضمن سياق مرحلة طموحة من التحولات في الاقتصاد العُماني لتعزيز البعد المكاني للتنمية وتحقيق تنمية شاملة متوازنة في المحافظات لوضع كلّ المحافظات في العملية التنموية.

ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية عن المعولي قوله إن الخطوة هي “عبارة عن تنافس بين المحافظات لتقديم مشاريع ومبادرات سياحية تخدم تنمية القطاع عبر استثمار آلية التنافسية لكل محافظة، كما ستعمل على تحسين الوجهات السياحية في كافة المحافظات”. وأضاف أن “من أهداف المبادرة أيضا تعزيز جهود التنويع الاقتصادي والمحتوى المحلي وتوفير فرص عمل للعُمانيين تكون محفزة للإمكانات الاقتصادية وتعزيز القدرة التنافسية ضمن المحافظة”.

وتزخر العديد من محافظات البلاد وولاياتها بمقومات سياحية متنوعة وبمناطق ذات تنوع جيولوجي، تتراوح بين الصحاري الشاسعة والسهول المنبسطة والأودية العميقة، إلى جانب الجبال الشاهقة والسواحل والشواطئ الممتدة.

وتؤهل هذه المقومات التاريخية والطبيعية البلد ليصبح مركزا سياحيا واعدا وتنافسيا في منطقة الشرق الأوسط، حيث يمثل القطاع أحد أهم روافد الدخل في الرؤية المستقبلية للدولة. وترمي السلطات من وراء خططها إلى زيادة الاستثمارات السياحية سواء محليا أو دوليا، بحيث تكون مؤشرا على نمو القطاع، مع تنويع المنتجات الموجهة للزوار المحليين والوافدين.

وسنة تلو الأخرى يفتح البلد الخليجي أبوابه للسياحة الدولية، ويأمل المسؤولون أن تصبح سلطنة عمان بما لها من تاريخ ومناظر طبيعية خارقة، الوجهة المفضلة لدى السياح الأجانب، وذلك دون التفريط في أصالتها والمبالغة بالانفتاح، وهي معضلة يقول خبراء إنها شائكة.

وتواجه صناعة السياحة في عُمان منافسة من دول المنطقة، مثل الإمارات والسعودية، حيث عزز أكبر اقتصاد عربي أشكال السياحة الأخرى غير الدينية، بضخ استثمارات فوق 50 مليار دولار منذ 2016، لتحقيق “رؤية 2030”. ولتحفيز هذا المسار، رصدت وزارة الاقتصاد مكافأة بقيمة نحو 15 مليون ريال (39 مليون دولار)، كنوع من التشجيع لمن يقدم أفضل مشروع سياحي في المحافظات.

ومن المتوقع أن تتقدم المحافظات بمشاريعها ليتم اختيار الأفضل عبر لجنة فنية بناء على معايير محددة بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة، وقد تمنح الجائزة لمحافظة واحدة أو عدة محافظات بما لا يتجاوز قيمة الجائزة.

وسيبدأ التقدم للجائزة ابتداء من هذا العام على أن يتم إعلان النتائج وطرح المشاريع في 2025، والتركيز على مشاريع الشق السفلي في قطاع السياحة عبر تطوير المزارات والعيون والأودية والأحياء القديمة بما يخدم التنمية المحلية للمحافظات.

ويؤكد المعولي أن هذه المشاريع ستسهم في زيادة إعداد الزوار المحليين أو الأجانب ما سيعمل على رفع إسهام القطاع في الناتج المحلي الإجمالي وتطوير السياحة في المجتمعات المحلية وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز تنافسية في المحافظات. وتظهر بيانات مركز الإحصاء الحكومي أن إجمالي الإنتاج السياحي في البلاد سجل بنهاية العام الماضي، 5 مليارات دولار، ارتفاعا بنسبة 47 في المئة بمقارنة سنوية.

5

مليارات دولار حجم مساهمة هذه الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال 2023

ويشكل تحديث التشريعات، التي أعلنت عنها مسقط العام الماضي، للنهوض بالسياحة تحولا جذريا نحو ترسيخ دور القطاع في خطط الإصلاح ما سينعكس على مجمل الاقتصاد، وسط ترجيحات بأن يزيد زخمها بينما ستكون البلاد على أعتاب طفرة في الاستثمار.

وتضمن القانون الجديد، الذي تم الكشف عنه في أكتوبر 2023 خمسة فصول تشمل 21 مادة توفر الأدوات والممكنات التشريعية للارتقاء بجودة الخدمات السياحية، وتنظيم الأنشطة وتبسيط الإجراءات المنظمة لها. كما تتطرق إلى توفير الأُطر المناسبة لاستغلال المناطق والمواقع السياحية والأراضي الحكومية السياحية واستثمارها بما يكفل الحفاظ على موارد البلاد وضمان استدامتها.

وخصص القانون كذلك جانبا لشرح الأدوات التشريعية لتعزيز جودة الخدمات والمنتجات السياحية، بما يواكب التطورات والمتغيرات التي يمر بها القطاع السياحي على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

وفعليا، تشهد السياحة العمانية تحولات كبيرة من شأنها الارتقاء بالقطاع نحو آفاق أوسع لتعزيز البنية الأساسية عبر جذب رؤوس الأموال الأجنبية وإيجاد فرص استثمارية سياحية متكاملة مع القطاع الخاص وتعزيز فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة.

واتجه البلد وهو الأضعف اقتصاديا بين جيرانه الخليجيين، منذ سنوات لتنويع اقتصاده، مركزا على السياحة كبديل واعد لقطاع الطاقة، الذي شكل في الأعوام، التي سبقت ظهور الوباء 86 في المئة من العوائد، فيما ارتد تراجع أسعار النفط سلبيا على الموازنة.

وتبذل وزارة السياحة منذ فترة جهودا كبيرا بالتعاون مع الجهات المختصة من القطاعين الحكومي والخاص لتطوير وجهات سياحية مربحة ومستدامة لتحقيق النمو الاقتصادي. وكانت مسقط قد أطلقت في أبريل 2023، حوالي 18 فرصة استثمارية بإجمالي تمويلات تصل إلى 3.9 مليار دولار، وتتوفر لبعضها دراسات الجدوى ودراسات تقييمية للسوق.

كما تراهن السلطنة، أسوة بجيرانها في الخليج، على نظام التأشيرة السياحية الموحدة، لتعزيز جاذبية سوقها المحلية، لاسيما، في ظل طفرة التحول الاقتصادي الجارية على مستوى كل بلد رغم التباين في ترجمتها واقعيا بين بلد وآخر.

10