المخرج عز العرب العلوي: الثورة الرقمية ساهمت في انتشار الفيلم الوثائقي

في كتابه “المرشد في صناعة الفيلم الوثائقي” يقدم المخرج والكاتب المغربي عز العرب العلوي، خلاصة تجربته المهنية في الفن السابع، موضحا تقنيات إنجاز الفيلم، وجميع المراحل التي تمر بها هذه الصناعة، عله يكون دليلا توجيهيا لكل مخرج مبتدئ أو هاو ويختصر عليه الكثير من الوقت.
الرباط - يتطلب تأليف أيّ كتاب أكاديمي في صناعة الفيلم الوثائقي تركيزًا دقيقًا على عدة جوانب أساسية تشمل البحث الشامل والتحليل النقدي، وتقديم المعلومات بطريقة منهجية، كما يجب أن يتضمن الكتاب إرشادات مفصلة حول جميع مراحل إنتاج الفيلم الوثائقي، بدءًا من تطوير الفكرة وصولا إلى التوزيع.
وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” لقاء مع المخرج والكاتب المغربي عز العرب العلوي حول كتابه “المرشد في صناعة الفيلم الوثائقي”.
يقول العلوي عن الدافع وراء تأليفه كتابا يركز على صناعة الأفلام الوثائقية “بعد سنوات من التجربة الأكاديمية في جامعات المغرب والمدارس العليا، والعمل الميداني في مجال الإخراج الوثائقي مع قنوات وطنية وأخرى عربية، والقرب من الطلبة والمهتمين بمجال السمعي البصري، كان لا بد من وضع كتيبات ترشد الطالب بشكل خاص وتوجهه فارتأيت أن أضع منهجا تعليميا على شكل كراسات متخصصة، تُيسر للطالب تلقي معرفة الصورة وتضعها في نفس مرتبة المعارف الأخرى”.
ويوضح “لذلك كانت الخطوة الأولى هي وضع كراسة تعليمية حول صناعة الفيلم الوثائقي تضم الأبجديات الضرورية لإنجاز الوثائقي انطلاقا من الفكرة إلى السيناريو، مرورا بطلب الدعم الوطني والدولي، والإنتاج وما بعد الإنتاج والتسويق، ككراسة لم ولن تكون الوحيدة حيث ستليها كراسات أخرى حول الإخراج السينمائي ومحاور أخرى، تساعد المتعلم على الفهم والاستيعاب في مجال معرفة الصورة كعلم قائم بذاته صار يحتل موقعا مهما داخل الجامعة”.
ويضيف أن “نجاح العملية التعليمية وتبسيط المعرفة لن يتأتى إلا بدمج الجانبين النظري والتطبيقي، وبما أن السينما، بشقيها التخييلي والوثائقي، هي عِلم وتكنولوجيا تقنية في ذات الآن، لذلك كان لزاما أن أبسط صناعة الفيلم الوثائقي وأقدمه وفق مراحل تطوره عبر التاريخ وحسب نظريات وتيارات مدارس إخراجية دولية، مع تقديم نماذج لأفلام منذ اختيار الفكرة وجمع المعلومات وتحليلها ووضع السيناريو مرورا بمراحل الإنتاج وما بعده من توليف (مونتاج) وتوضيب”.
ويشرح “هذا النهج البيداغوجي كان الغرض منه تبسيط وتوضيح المعلومة عبر التدرج في عرضها وإشراكها بالتجربة لمساعدة المبتدئين على تلقي المعرفة السمعية البصرية وولوج مجال صناعة الفيلم الوثائقي بنفس الطريقة التي يتلقى فيها طالب العلم بقية العلوم الجامعية الأخرى، وفق منهج علمي أكاديمي. ولا ننسى أن ما يواجه أيّ مخرج مبتدئ في مجال صناعة الأفلام الوثائقية هي المعوقات المادية بشكل خاص، فأيّ عمل وثائقي يتطلب تمويلا لإنجازه وإنتاجه، في ظل قلة المؤسسات الإنتاجية في بلادنا وعدم وجود قطاع خاص مهتم بهذا الجنس الإبداعي، كما أن التوزيع والتسويق من أهم المعيقات التي يصادفها المخرج المبتدئ”.
وينوه بأنه “من المعيقات الرئيسة أيضا الشروط والقيود التي تمليها شركات الإنتاج والتي تضيق حرية المخرج”.
ويشير المخرج المغربي إلى دور التطور التكنولوجي الحديث في دور صناعة الأفلام الوثائقية والفرص والتحديات التي يمكن أن يفتحها هذا المجال بالقول “عندما نتحدث عن التطور التكنولوجي فنحن نقصد الثورة الرقمية الضخمة التي أحدثها تطور الكمبيوتر وكل العلوم المرتبطة به مما شكل نقطة انتقال مهمة في مجال صناعة السينما عموما وصناعة الأفلام الوثائقية بشكل خاص حيث ساهمت في توطيد الاتصال الثقافي بين الشعوب وتبادل المعلومات وتخزينها عبر مختلف الوسائط الممكنة. كما نقلت المحتوى الإعلامي، الذي يشمل أيضا الأفلام الوثائقية، من أقبيته التقليدية المتمثلة في وسائل الإعلام السمعية البصرية القديمة إلى بيئة رقمية مثل المنصات الرقمية والتطبيقات الكثيرة التي تتيحها شبكة الإنترنت، فصار الوثائقي حاضرا بقوة عبر مواقع متخصصة مثل أفضل الأفلام الوثائقية، وتطبيقات مثل اليوتيوب وفييمو، بل حتى القنوات التلفزيونية التقليدية أنشأت مواقع لها وصارت تعرض أفلامها الوثائقية”.
ويوضح أن “الثورة الرقمية ساهمت كثيرا في تسهيل صناعة محتوى وثائقي مختلف عن التقليدي، سواء من حيث العرض أو البناء والأسلوب والجمهور أيضا، حيث يسرت انتشار الفيلم الوثائقي وإمكانية الوصول إليه، وعرضه على المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصة لدى الشباب الذين هجروا بشكل شبه تام الإعلام التقليدي وفضلوا التفاعل مع الإنتاج الوثائقي بشكل فوري على مواقع التواصل”.
على المخرجين الشباب اختيار مواضيع بعناية كبيرة وأن تكون ذات علاقة قوية بالمحيط العام والمعيش اليومي
ويتابع “لعل أبرز الفرص التي أتاحتها التكنولوجيا هي تسهيل المراحل التقنية لعملية التصوير، وتخزين المعلومات ونقلها وتركيبها وتوضيبها، وإمكانية العرض في حالة إغلاق أبواب القنوات التقليدية، وغياب الميزانيات الضخمة والأستوديوهات، فوجود كاميرا هاتف ذكي يتيح لمخرج مبتدئ محترف أو هاوٍ، إنجاز فيلمه الوثائقي خاصة مع غزارة المادة العلمية التي توفرها محركات البحث الرقمية، وبرامج المونتاج وتركيب الصوت، فالتطور التكنولوجي حرر مخرج الفيلم الوثائقي من القيود وجعل من الإنترنت سوق توزيع مفتوحة للجميع وتوفر الملايين من المشاهدين”.
أما التحديات التي تواجه صناعة الأفلام الوثائقية بسبب التطور التكنولوجي، فيرى العلوي أنها تتمثل في “فقدان جمهور عريض في حالة لم يواكب صناع الأفلام الوثائقية التطور السريع خاصة في عصر الذكاء الاصطناعي. ثم إن الصدق والموضوعية في نقل الواقع هما أهم ما يميز صناعة الفيلم الوثائقي، لذلك فطرح هموم الناس يجب أن يتسم بالكثير من الصدق والموضوعية من جهة المخرج، حتى وإن كان يعكس وجهة نظر ورؤية للحياة مختلفة عن المألوف”.
وفي حديث عن كيفية التعامل مع مشاريع دعم الأفلام الوثائقية، يقول عز العرب “لجذب الاهتمام والدعم للمشاريع الوثائقية، يتعين على المخرجين الشباب اختيار المواضيع بعناية كبيرة وأن تكون ذات علاقة قوية بالمحيط العام والمعيش اليومي، وطرحها من زوايا جديدة، فالجدية في الطرح هي ما يلفت نظر المنتج الممول. كما يجب أن يُقدم المشروع في صفحات قليلة حتى لا تضيع الفكرة من خلال سرد غير مضبوط، وفي هذا السياق يقول المخرج ستيفان ميلر إن الفيلم الجيد يُختزل في جملتين، أي مكونات الفيلم يتمكن المخرج الناجح في ضبطها في جملتين تفيدان الفكرة العامة ونوايا المؤلف أو المخرج والمحاور الأساسية للحكي وتطوره”.
ويؤكد أن “حضور بصمة المخرج الخاصة داخل النص وفي الرؤية الإخراجية وطرق المعالجة والطرح من أهم ما يجب أن يتوفر عليه مشروع أيّ مخرج، فحين قراءة النص يجب أن يشعر الممول للعمل بقوة الفكرة وألا يشعر أعضاء لجنة اختيار الأفلام الوثائقية بكونها غريبة عن صاحبها حتى لا يكون مصير العمل الرفض. وفي ملحق الكتاب سيجدون لائحة لصناديق الدعم الوطنية والدولية للأفلام الوثائقية وكيفية كتابة السيناريو والنماذج وكيفية التقديم”.
ويوضح “التلفزيون أيضا مهم في صناعة الأفلام الوثائقية، حيث تجاوز دور وسيط للعرض ليصبح منتجا ومروجا له وساهم في ازدهاره وانتشاره محليا وعالميا، إذ أن هذا الدور تزايد بشكل خاص مع إنشاء قنوات متخصصة في هذه النوعية من البرامج على المستوى العالمي والعربي، ليصبح التلفزيون أول منصة أسهمت في توصيل الفيلم الوثائقي إلى المُشاهدين. لكن بوجود منصات ووسائط جديدة صار أمام المخرجين حيز للهروب من التحديات التي تخلقها سلطة البث والتوزيع، وعرض أعمالهم الوثائقية لجمهور واسع ممتد وعابر للحدود، إضافة إلى وجود قنوات متخصصة من دول عربية ودولية تساهم في تمويل وإنتاج مشاريع وثائقية لمخرجين مبتدئين ومعروفين. ويتأتى ذلك عبر تسليط الضوء على القضايا المسكوت عنها، وتناولها وفق فلسفة واضحة ورؤية خاصة للمخرج، بعيدا عن السطحية والنمطية في المعالجة. فهذه القضايا الاجتماعية والثقافية تتطلب بحثا وتدقيقا وجمعا للمعطيات وترويا في الاختيار وتوقيت الإنجاز والجمهور المستهدف وطبيعته”.
ويوضح أن “دور المخرج ليس أن يخلق تغييرا بقدر ما يجب عليه أن ينير الزوايا المعتمة في مجتمعه ويقرب الواقع من المُشاهد ويولد لديه السؤال والرغبة في البحث أكثر في ما تم طرحه من إفادات الضيوف وآرائهم ويجعل منه متلقيا متفاعلا يصنع بنفسه التغيير في محيطه ومجتمعه”.
ويضيف للشباب “بداية لا بد من اختيار جيد لفكرة الفيلم الوثائقي وأخذ الوقت الكافي في صياغة موضوعه، والبحث والتمحيص والتدقيق في المعطيات والمقارنة بينها وبين الوثائق المتاحة، حيث كل ذلك يتطلب صبرا كبيرا ووقتا قد يصل إلى سنوات من العمل، خاصة وأن هذا النوع الإبداعي غير تجاري ولا يلقى نفس الإقبال مثل الأعمال السينمائية التخييلية خاصة في الدول العربية. فتناول أيّ موضوع يجب أن يكون بعمق وجدية وجِدة ومصداقية كبيرة، فالعمل الوثائقي هو أشبه بمقالة نقدية مصورة وأقرب في التحضير له لمناهج علم الاجتماع، لذلك يجب أن ينهج مخرج الفيلم الوثائقي نفس مسلك الباحث العلمي الأكاديمي”.
ويتابع “يتطلب إخراج الفيلم الوثائقي التوفر على فلسفة خاصة متفردة لدى المخرج تميزه عن باقي المخرجين، فحتى وإن كان الموضوع المطروح ليس جديدا، يجب أن تكون بصمة المخرج وطريقة تناوله جديدة ووفق رؤية خاصة تنير على زوايا لم يسبقه إليها أحد. وهناك العديد من الأسماء التي تميزت وتفردت في أسلوب إنجاز الأعمال الوثائقية، مثل أسماء المدير وعلي الصافي والمخرج أحمد المعنوني الذي يعد من الرواد الذين تركوا بصمتهم في تاريخ الفيلم الوثائقي المغربي”.