الأفلام الطويلة لا تسير على خطى الفيلم القصير في مصر

بينما تخضع الأفلام الطويلة لضوابط السوق التجارية وجهات الرقابة، تحقق الأفلام القصيرة التي تمولها المهرجانات الكبرى وجهات مستقلة نجاحات كبيرة، شجعت على توسيع الاهتمام بهذا النوع من الأفلام عبر مهرجانات متخصصة.
القاهرة - حققت الأفلام المصرية القصيرة نجاحات خلال السنوات الماضية وضعتها على منصة التتويج في العديد من المهرجانات، وأصبح هناك اعتماد عليها باعتبارها قادرة على تعويض غياب الأفلام الروائية الطويلة التي لم تحقق نجاحا دوليا منذ إنتاج فيلم “ريش” قبل ثلاث سنوات، وبدا أن ما أحدثه من ضجة بسبب موضوعه أثر سلبا على نوعية الأفلام التي تغوص في المشكلات الاجتماعية للمصريين.
حصد الفيلم المصري "عيسى" جائزة أفضل فيلم قصير في المسابقة التي أقامها مركز السينما العربية، على هامش مهرجان "كان"، وتتعلق بجوائر النقاد للأفلام العربية وكان العمل الوحيد الذي مثّل مصر في المسابقة وسط أفلام عدة من تونس ولبنان والأردن وفلسطين، وفاز الفيلم بجائزة “رايل الذهبية” في الدورة السابقة، وحصل على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان “ملبورن” السينمائي الدولي في أستراليا.
تدور أحداث الفيلم حول مهاجر أفريقي يعيش في مصر، يبلغ من العمر 17 عاما، يحاول أن يسابق الزمن لإنقاذ أحبائه مهما كلفه الأمر، وهو من بطولة عدد من الوجوه الشابة، بينهم كيني مارسلينو وكنزي محمد، وأخرجه مراد مصطفى الذي شارك في كتابة السيناريو مع سوسن يوسف.
ويعد فيلم "عيسى" امتدادا لمجموعة من الأفلام المصرية القصيرة التي حصدت جوائز عالمية مؤخرا، أبرزها فيلم "ستاشر" الذي حصد جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان في العام 2020 من إخراج سامح علاء، وإنتاج مصري – فرنسي - بلجيكي، وهو أول فيلم مصري يشارك في مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان "كان"، بجانب أفلام مثل “حنة ورد" و"ما لم تعرفه عن مريم" و"خديجة".
انعكست النجاحات التي حققتها هذه الأفلام على حجم ونوعية المهرجانات التي تولي اهتماما بالفيلم القصير، ولم يعد الأمر يقتصر على مهرجان الإسماعيلية للفيلم التسجيلي والقصير، أو مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، فهناك مؤسسات مختلفة تهتم بالفنون لديها رغبة في رعاية هذه الأفلام.
وقد دفع ذلك إلى تأسيس مهرجانات جديدة، مثل مهرجان “الفيمتو آرت”، الذي اختتم أعماله منذ فترة قصيرة ويسلط الضوء على الأفلام القصيرة جدا، لا تزيد مدتها الزمنية عن خمس دقائق، ومهرجان سلام للفيلم القصير وانتهت أعمال دورته الثانية قبل أيام، ومهرجان بردية لسينما الومضة وأقيمت دورته الأولى مطلع مايو الجاري، ومهرجان سينما زاوية.
من المقرر أن تنطلق الدورة الأولى من المهرجان الدولي للفيلم القصير جدا خلال الفترة من السابع إلى السادس عشر من يونيو المقبل بمدينتي الجلالة والعين السخنة (شرق القاهرة)، ويتضمن المهرجان مسابقات لكل نوعيات الفيلم القصير، من روائية ووثائقية وتسجيلية وسينما التحريك، شريطة أن لا تزيد مدة العمل عن خمس دقائق، بما فيها تترات تلك الأعمال.
قال المدير الفني لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير المخرج موني محمود إن تحرر الأفلام الروائية القصيرة من معايير السوق التجارية يمنحها تفوقا على الروائية الطويلة، ما يمنح مخرجيها حرية بعيدة عن آليات شباك التذاكر، ويظهر ذلك في تجارب التصوير والكتابة والتمثيل، وهناك حرية شديدة يتمتع بها صناع تلك الأفلام قادتهم إلى العالمية، وأسهمت رغبة صناع الأفلام في التخصص بالأفلام القصيرة بعيدا عن المكاسب التجارية التي تحققها الأفلام الطويلة في إثراء التجربة المصرية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن صناع الأفلام القصيرة تمردوا على الثوابت الفنية مع الاتجاه على نحو أكبر للدراسات الحرة وتنظيم العديد من ورش العمل التدريبية التي بدأت في الظهور منذ أكثر من عقدين، بعيدا عن معهد السينما الذي لم يكن بمقدوره سوى تقديم عشرة مخرجين سنويا، وهو ما قاد إلى توسيع قاعدة الأفلام القصيرة المقدمة في مصر، وساعدت الطفرة التكنولوجية المرتبطة بالتصوير والمونتاج في هذا التطور، ففي البداية كانت هناك صعوبات لتصوير الأفلام بوجه عام.
يعتمد صناع الأفلام القصيرة على الدعم الذي يأتي من المهرجانات الدولية، ما يحفزهم على تقديم أعمال جيدة، باعتبار أن ذلك من أبرز وسائل الحصول على الدعم المادي، وأن توجيه تلك الأموال يسهم في صناعة المزيد من الأفلام ذات الجودة العالية وتوظفيها للحصول على جوائز تضمن استمراريتها، حال لم تكن هناك فرص متاحة لتقديم أعمال روائية طويلة، وهو ما يحافظ على وجود أعمال ذات قيمة فنية جيدة.
وشدد موني محمود في حديثه لـ”العرب” على أن الأفلام قليلة التكلفة أو ما يسمى بالأفلام المستقلة حققت نجاحات في المهرجانات الدولية، ومنذ عشرين عاما تقريبا أصبح وجودها دائما في المهرجانات المهتمة بالأفلام القصيرة، على رأسها مهرجان “كليرمون فيران” وهو أحد أهم المهرجانات المعنية بالأفلام القصيرة في فرنسا، والآن ثمة مشاركة لأكثر من 40 فيلم قصير في مهرجانات مختلفة، يحصد بعضها جوائز. ودائما ما تكون الأفلام الروائية الطويلة عرضة لآراء واتجاهات الرقابة التي تدفع المنتجين إلى التركيز على قضايا آمنة، ما أدى إلى سيطرة الكوميديا وأفلام الحركة على الأعمال التي قدمت السنوات الماضية، مع ندرة في أفلام الرعب والاستعراض، وتقلصت معدلات الأعمال التي جسدت أوضاعا وقضايا مجتمعية جادة.
تشير دراسات فنية إلى أن قرابة 300 شركة عملت في الإنتاج السينمائي منذ عام 2008 وحتى الآن، بينها 218 شركة أنتجت أو شاركت في إنتاج فيلم واحد، و39 شركة أنتجت فيلمين، بينما أنتجت شركة السبكي وحدها ما يفوق عن 90 فيلما، وشركة سينرجي التي دخلت سوق الإنتاج السينمائي عام 2018 قدمت نحو 20 فيلما.
وتشير تلك الوضعية إلى وجود ما يشبه الاحتكار الذي قاد إلى تراجع حجم التنوع الفني، والذي يمكن أن يفرزه تعدد شركات الإنتاج الفني، وترتب على ذلك اختيار عدد محدود من المخرجين والنجوم، وغياب القدرة على إفراز المواهب. ولعل عدم الاستعانة بمخرجي الأفلام القصيرة الناجحة في الأفلام الطويلة دليل على ذلك، وعندما تصبح الفرصة متاحة للجميع يمكن تطور الإنتاج السينمائي بوجه عام.
توجه شركات الإنتاج السينمائية جزءا كبيرا من اهتماماتها إلى البحث عن المكاسب المادية من دون التركيز على جذب مبدعين ورؤى خاصة، وهو ما يترجم تحقيق الأفلام المعروضة في مواسم الأعياد والإجازات نجاحات على مستوى الجمهور، مقارنة بالأفلام المعروضة في توقيتات أخرى على مدار العام، ودائما ما تكون الرغبة في دخول السينما لهدف الترفيه متفوقة على الحاجة إلى مشاهدة أفلام تخاطب العقل، وتقدم قضايا يهتم بها الجمهور.
أكد المخرج موني محمود في حديثه لـ"العرب" أن السر في نجاح الأفلام القصيرة يرتبط باستعداد صناعها تقديم قصص تتماشى مع هذا النوع من السينما، وهناك قناعة بأن طبيعة الدراما تتحكم في نوعية الأفلام، ما خلق سوقا للفيلم القصير ودفع صناع السينما إلى البحث عن المشاركة في مهرجانات تضمن جذب الجمهور، ويمكن للأفلام القصيرة أن تحقق انتشارا إذا تمت إتاحة عرضها على التلفزيون، وتوسعت المنصات الرقمية في التعاقد مع شركات الإنتاج والاتفاق على بثها.