رسامة سعودية تكشف ثقافات بلادها عبر جمالية الأزياء

أماني غيث لـ"العرب": الاهتمام بالمرأة السعودية أوصلها إلى العالمية.
الخميس 2024/05/23
الفن التشكيلي السعودي في أزهى مراحله

يتزايد عدد الفنانات السعوديات اللواتي ساهمت في اكتشاف أعمالهن وانتشارهن العربي والعالمي حالة الانفتاح التي تشهدها السعودية، بينما يمكن ملاحظة أدوار الفنانات السعوديات في نشر ثقافة بلادهن وتراثها بأشكال مبتكرة، ومن هؤلاء الفنانة أماني غيث التي كان لـ“العرب” معها هذا الحوار حول تجربتها ورؤاها وأفكارها الفنية.

تحتفي أعمال الفنانة التشكيلية السعودية أماني غيث بجماليات الإرث الفني الشعبي في المجتمع السعودي، بما يحمله من ثراء وخصوصية تنسجم مع البيئة والطبيعة ومفردات الحياة الإنسانية واتساع آفاق الجغرافيا وتشكيلاتها، حيث تتفاعل لوحاتها مع ألوان وخطوط وظلال هذا العالم وتجليات مكوناته.

وفي معرضها الذي أقيم في النادي الثقافي العربي بإمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، قدمت غيث عبر فضاءات لوحاتها الثمانين مشهدا كاشفا للإرث الفني السعودي من خلال إضاءة تشكيلات أزياء المرأة؛ زخارفها ونقوشها وحليها وألوانها، مع ملاحظة أن كل منطقة في المملكة لها زيها الخاص كما لها عاداتها وتقاليدها؛ فاختلاف الأزياء لكبر مساحة المملكة مترامية الأطراف جعلها أكثر ثراء وأكثر عمقا.

غيث حاصلة على بكالوريوس الفنون، وعضو في الجمعية السعودية للفنون التشكيلية “جسفت”، وأيضا في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، أنجزت معرضها الشخصي الأول عام 2020 في غاليري زوايا بمدينة جدة، كما شاركت في العديد من الملتقيات المحلية والخارجية، وفي أغلب البرامج التابعة لجمعية الثقافة والفنون ووزارة الثقافة، ولها مقتنيات عند العديد من رجال الأعمال والمهتمين بالفنون التشكيلية في الخليج العربي.

تقول غيث لـ”العرب” عن البدايات الأولى لها في عالم الفن التشكيلي “منذ الصغر أحببت فن الرسم انطلاقا من مفردات الحياة والطبيعة حولي، وفي المدرسة كانت مادة التربية الفنية من المواد المحببة إلى قلبي، ومع كل رسمة كنت أرسمها حلمت بأن أكون قريبة من مجال الفنون، وأثناء دراستي الابتدائية والمتوسطة واصلت الرسم واتخذت منه طريقة للتعبير عن نفسي ومن ثم سلكت الطريق نحو عالمه، وحين وصلت إلى الجامعة تخصصت فيه”.

وتضيف “عند دخول المشهد الفني بدأت بالمشاركة في المعارض الجماعية، ثم كان معرضي الشخصي الأول في غاليري زوايا 2020 بجدة، والثاني في غاليري تجريد الرياض وأخيرا معرضي الثالث بالنادي الثقافي العربي في الشارقة، إلى جانب ذلك أنا الآن معلمة تربية فنية ومدربة معتمدة”.

التجريب الفني

جماليات الزي النسائي أصبحت هاجسا وشغفا تبحث عنه الفنانة، وقد انعكس ذلك على أعمالها وألوانها وخطوطها
◙ جماليات الزي النسائي أصبحت هاجسا وشغفا تبحث عنه الفنانة، وقد انعكس ذلك على أعمالها وألوانها وخطوطها

وحول المؤثرات التي أحاطت بتكوينها الفني وهل تأثرت بمدرسة تشكيلية بعينها في لوحاتها الأولى، تقول الفنانة “ككل الفنانين بدأت بالواقعية، ربما لأنها مرغوبة من الجميع، فالكل يهتم بهذه المدرسة ويشجعها خاصة في البدايات، فمثلا في مراحل الدراسة المتوسطة والثانوية كنت أرسم زميلاتي وأرسم لهن أدواتهن المدرسية، ومع التجريب والعمل بدأت أرسم لوحات تأثيرية بأسلوبي الخاص واستمررْت حتى وجدت نفسي في أسلوب أقرب إلى التجريدية الرمزية”.

وتستدرك “لكن مع الاستمرار في العمل الفني بدأت أنسى المدارس التشكيلية، فلم تعد هناك مدرسة معينة تجذبني ومن ثم عليّ أن ألتزم بها، فخرجت من قيود المدارس وبدأت أرسم ما يروق لي بعيدا عن التصنيفات الفنية والمدارس، لأنها برأيي تقيد الفنان؛ والفنان يجب أن يكون حرا في اختيار أسلوبه وطرائق تشكيله وعليه أن يخرج من وصاية المدارس التشكيلية إلى رحابة التجريب الفني الخاص برؤاه وأفكاره وخصوصية هويته”.

وتوضح غيث “في غالب لوحاتي أرسم بألوان الأكريليك على قماش وأستخدم الكولاج والشبلونة والكشط والسكين والفرشاة، فلوحتي ثرية بكل وسائل وتقنيات الفن حتى تخرج وأنا راضية عنها. وبصراحة أعمالي مرهقة قليلاً لأني أعتمد على التأثيرات والطبقات الفنية المتعددة وكثرة الألوان لتعطي زخما لونيا يغلب عليه لون محدد، وأهتم بتوزيع الكتل والضوء والظل وأن تحمل لوحتي مدلولات فنية حتى يحمل العمل رسالة أو فكرة تزيد من ثراء وقيمة العمل فنيا وفكريا”.

وتشير إلى أنها في أغلب الأحيان تبدأ لوحتها بالتأسيس الفكري بينما تخطط لشيء محدد في ذاكرتها وتتطور الفكرة مع الانطلاق في الرسم لتبدأ الأفكار في التجلي والوضوح، ومن هنا تحدد من خلال ما يظهر فكرتها وتتعمق بما يتناسب مع رؤيتها وتلقائيتها في ذات الوقت، بينما تسمع في الغالب الموسيقى أثناء الرسم.

تشدد الفنانة السعودية على أنها في الفترة الحالية تهتم برسم المرأة والأزياء وجمالياتها، ففي معارضها الأخيرة ترسم الأزياء المختلفة من جميع مناطق المملكة لتوثيق التراث وإظهار تعدد وثراء أزياء المناطق السعودية.

وتؤكد غيث أن هذا الجمال وهذه الحيوية وهذه البهجة التي تحملها المرأة في اللوحات نابعة من حزمة ألوان وخطوط أزياء حقيقية ارتدتها المرأة السعودية، ومازالت ترتديها، وتضيف “إنها موروثات شعبية وأزياء حقيقية ترتديها المرأة السعودية، فالمملكة أشبه بقارة مترامية الأطراف، ولكل منطقة فيها زي خاص بها، لكن بشكل عام جميع الأزياء تحمل البهجة، فالمرأة السعودية اهتمت بالزخرفة والتطريز في أزيائها”.

وتضيف الفنانة “جماليات الأزياء تظهر في كل منطقة بشكل مختلف عن المناطق الأخرى والمورث الشعبي يحدد هوية الأمم، ومن ثم يمكن لنا أن نحدد مناطق المملكة من موروثاتها الشعبية وعلى سبيل المثال الملابس. أضف إلى ذلك أن المرأة السعودية تحافظ على موروثها من الأزياء وحتى اليوم ترتديها في المناسبات الوطنية والأعياد وتفخر وتفاخر بها لأنها جزء من تاريخ ننتسب إليه ونعتز به”.

الاهتمام بالمرأة

◙ تراث حي
◙ الزخرفة والتطريز وأنواع الأقمشة تثير فضول غيث كامرأة وفنانة 

وتقول غيث “المرأة بطبيعتها تحب الملابس، فالزخرفة والتطريز وأنواع الأقمشة تثير فضولي كامرأة وكفنانة، وأحب أن أعرف تفاصيل كل زي في كل مكان أذهب إليه سواء في المملكة أو خارجها، لقد أصبحت جماليات الزي هاجسا وشغفا أبحث عنه، وقد انعكس ذلك على أعمالي وألوانها وخطوطها، إنني أحرص على أظهار الأزياء بتفرد جمالياتها”.

وتلفت إلى أنها خلال بحثها عن الأزياء تعرفت على ثقافات أخرى مرتبطة بهذه الأزياء، على سبيل المثال كانت العروس في المنطقة الجنوبية للمملكة ترتدي الملابس المطرزة بكمية كبيرة من خيوط التطريز الفضية والمذهبة على قماش القطيفة السوداء أو الخضراء، وكان التطريز في اليدين والجوانب حتى أن الثوب يكاد يشكل لوحة فنية مميزة، فالملابس وألوانها لها علاقة بالمناطق والمناسبات المختلفة في جميع مناطق المملكة.

◙ أماني غيث ترى أن تجربتها مع أزياء المرأة السعودية وعلاقتها بالمكان كشفت لها الكثير من الملامح الثقافية،

وترى غيث أن تجربتها مع أزياء المرأة السعودية وعلاقتها بالمكان كشفت لها الكثير من الملامح الثقافية، فالأزياء تدل على بيئة من يلبسها، ومن السهل أن نميز كل منطقة داخل المملكة من أزيائها، لأن لكل منها احتياجاتها من الأزياء، فالمناطق الجبلية يختلف زيها عن المناطق الصحراوية، ذلك أن الحرارة والرطوبة لهما علاقة كبيرة بنوع الأزياء، فتنوع مناخ وتضاريس المملكة أدى إلى تنوع أزيائها، هذا فضلا عن دور الاختلافات بين فئات المجتمع.

وتؤكد أن الجمهور السعودي عاشق للفن، فمعظمه يهتم بالفن التشكيلي ويتابع معارضه. وأعمالها في أغلبها عن المرأة، فمن خلال متابعتها وجدت أن للمرأة في المجتمع السعودي خصوصيتها، حيث تعتبر مركز اهتمام، ودورها دائماً إيجابي، مضيفة أن “ما نشاهده الآن من حراك في كافة المجالات يؤكد رؤيتي عن المرأة السعودية، وهذا مصدر سعادة لي واعتزاز بأن كانت أعمالي عن الإنسان أولاً وعن المرأة الركيزة الأساسية في المجتمع ثانيا”.

وتلفت غيث إلى أن المتتبع للحراك التشكيلي في السعودية يجد أن عدد الفنانات يقارب عدد الفنانين، وهذا ناتج عن الدعم الأسري والحكومي ومؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية “مسك” التي تهتم بالحركة التشكيلية ووزارة الثقافة وبعض المؤسسات، فالحيز الأكبر في كل المناشط للمرأة، وهذا الاهتمام أدى إلى مشاركات عالمية للمرأة السعودية، فالفن التشكيلي في الوقت الحالي في أزهى مراحله، وقد تميزت الفنانة السعودية في هذا الفن تميزا فريدا، حيث لا تكاد تجد غاليري أو دار عرض رئيسية أو بيناليه أو مؤسسة فنية مشهورة إلا وفيها لوحات للفنانة السعودية.

13