لبنان يهدد بإعادة النظر في التعامل مع مفوضية اللاجئين

بيروت – خلفت الرسالة التي وجهتها مؤخرا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى وزير الداخلية والبلديات في لبنان بسام مولوي بشأن ما اعتبرته “ممارسات لا إنسانية” بحق اللاجئين السوريين استياء كبيرا في لبنان، وهددت حكومة تصريف الأعمال بإعادة النظر في العلاقة مع المفوضية إذا استمرت في التدخل في الشؤون السيادية للبلاد.
وشهدت العلاقة بين مفوضية اللاجئين ولبنان هزات كثيرة خلال السنوات الأخيرة، بفعل رفض المفوضية لأي عمليات ترحيل للاجئين السوريين، وامتناعها عن منح السلطات اللبنانية بيانات النازحين الموجودين في البلاد.
وشكلت الرسالة التي أرسلتها المفوضية إلى وزير الداخلية وما حملته من نبرة لا تخلو من فوقية وتجاوز لأعراف التخاطب، بحسب المسؤولين اللبنانيين، النقطة التي أفاضت الكأس.
وقال وزير الخارجية اللبناني عبدلله بوحبيب الاثنين إنه استدعي ممثل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إيفو فريسون وأمهله حتى نهاية مايو الحالي لتسليم السلطات اللبنانية كافة بيانات النازحين المتواجدين في لبنان.
وأضاف بوحبيب في تصريحات نقلتها الوكالة الوطنية للإعلام أنه أبلغ فريسون “ضرورة احترام أصول التخاطب مع الوزارات والإدارات اللبنانية المختصة، وعدم تجاوز الصلاحيات المنوطة قانونا بوزارة الخارجية والمغتربين لجهة كونها الممر الإلزامي لكافة مراسلات المفوضية وفقاً للاتفاقيات والمعاهدات والأعراف الدبلوماسية”.
كما أبلغ وزير الخارجية المسؤول الأممي “بعدم التدخل في الصلاحيات السيادية للبنان، والتزام القوانين اللبنانية لجميع المقيمين على الأراضي اللبنانية من أفراد ومنظمات، المتوافقة أصلا مع كل التشريعات الدولية”.
وبحسب وكالة الأنباء اللبنانية أكد بوحبيب على أن لبنان “ليس بلد لجوء وإنما بلد عبور، واحترامه لروحية اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، بالرغم من أن لبنان ليس طرفا موقعا على هذه الاتفاقية”.
وحذر وزير الخارجية اللبناني من أن “في حال عدم التقيد بما ورد أعلاه والتمادي في تجاوز حدود الاختصاص، فإن الوزارة ستكون مضطرة إلى إعادة النظر في تعاملها مع المفوضية، أسوة بما اتخذته دول أخرى من إجراءات في حق المفوضية لدى قيامها بتجاوزات مماثلة”.
وفعلت الحكومة اللبنانية في وقت سابق من الشهر الجاري خطتها لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم طوعا على ضوء ضغط شعبي يطالب بإنهاء الوجود السوري في البلاد.
وكان مقتل مسؤول في حزب القوات اللبنانية على أيدي سوريين في أبريل الماضي قد أثار موجة غضب واسعة في لبنان، وتعرض العديد من اللاجئين للاعتداء وإغلاق محالهم.
وهناك شبه إجماع في لبنان على ضرورة إنهاء ظاهرة اللجوء السوري، باعتبار أن هذا الوجود لم يعد له ما يبرره خصوصا مع استتباب الوضع في أنحاء كثيرة من البلد الجار، لكن مفوضية اللاجئين والكثير من المنظمات الحقوقية تشككان في الأمر وتعتبران أن إعادة هؤلاء إلى بلدهم قد تعرضهم لخطر الاعتقال أو التعذيب.
ويرى مراقبون أن الأزمة بين مفوضية اللاجئين ولبنان مرشحة للتفاقم لاسيما وأن هناك اليوم ضغوطا سياسية وشعبية كبيرة ترفض استمرار تواجد اللاجئين في البلاد.
2
مليون سوري، تستضيفهم لبنان أقل من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة
ويقول المراقبون إن المفوضية قد تجد نفسها ملزمة بالتجاوب مع المطالب اللبنانية، خصوصا وأن هناك موقفا أوروبيا يتشكل تجاه دعم عودة اللاجئين إلى سوريا.
ودعا حزب القوات اللبنانية أنصاره والمواطنين اللبنانيين إلى الاعتصام في بروكسل يوم انعقاد المؤتمر المتعلق بسوريا في السابع والعشرين من مايو، بهدف الضغط من أجل إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم تحت عنوان “مخاطر النزوح السوري في لبنان”.
وكان رئيس حزب القوات سمير جعجع شن هجوما لاذعا على مفوضية اللاجئين قائلا إنه “من المؤسف جداً الدرك الذي أوصلت الشرعية اللبنانية نفسها إليه، إلى حد مكّن رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين في لبنان، ومن دون أن يرف له جفن، من أن يوجِّه كتابا إلى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي يطلب فيه وقف الممارسات اللاإنسانية، كما سماها، وأن تتراجع الإدارات الرسمية اللبنانية عن التدابير التي اتخذتها بحق اللاجئين السوريين غير الشرعيين، وكأنه أصبح صاحب البيت وأصبحنا ضيوفا عنده”.
وأضاف جعجع في بيان “لن نقبل بما قام ويقوم به رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين، فالأرض أرضنا والبلاد بلادنا، والسيادة في هذه البلاد هي للشعب اللبناني والدولة اللبنانية، وليس في إمكانه التذرُّع بالاعتبارات الإنسانية، لأنه ليس من شعب في العالم تعاطف مع اللاجئين أكثر من الشعب اللبناني، ولا التذرُّع بالاعتبارات الدولية، لأن مذكرة التفاهم الموقعة بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة في العام 2003 واضحة ولا تحتمل التأويل”.
وتابع “إذا كان قلب رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين يتألّم لأوضاع اللاجئين غير الشرعيين في لبنان، فما عليه إلا نقلهم إلى بلاده وممارسة مختلف أنواع التعاطف الإنساني معهم لثلاث عشرة سنة مقبلة مقابل الـسنوات الثلاث عشرة الماضية من تعاطف اللبنانيين معهم”.
وطالب جعجع وزير الداخلية “وبصراحة ووضوح كلّيين، باتخاذ الإجراءات القانونية الممكنة كافة بحق رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين في لبنان بعدما تخطى حدوده قانونيا وفي المجالات كلها، إن بتوزيعه بطاقات لجوء على السوريين في لبنان خلافا لمذكرة العام 2003، أو بتعامله مع المهاجرين غير الشرعيين كما لو كانوا لاجئين وتوزيع المساعدات عليهم، أم بتجاهله مرور السنة التي تنص عليها مذكرة التفاهم، وتاليا ضرورة رحيلهم لا بقائهم”.
وقال رئيس حزب القوات “إن وزير الداخلية مطالَب أيضا وأيضا باتخاذ الإجراءات القانونية كافة بحق رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين في لبنان بسبب انتهاكه السيادة اللبنانية، وتدخله في تطبيق القوانين اللبنانية على الأراضي اللبنانية محاولا عرقلة التدابير والإجراءات التي اتخذتها الإدارات اللبنانية الرسمية بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار وتطبيق القوانين المرعية في لبنان”.
وبحسب السلطات اللبنانية فإن البلاد تستضيف نحو 2 مليون سوري، أقل من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة.