"وباء" العمليات القيصرية يجتاح السيدات والأطباء في مصر

معدلات القيصرية ارتفعت ثلاثة أضعاف في السنوات العشر الماضية.
السبت 2024/05/18
الولادة القيصرية علامة على الوجاهة الاجتماعية

أكد أطباء النساء والتوليد في مصر أنه لا بديل عن وجود خطاب ترهيبي ضد الولادة القيصرية التي أصبحت ظاهرة منتشرة وسط أسر عديدة، حتى إن من تلد بشكل طبيعي أصبحت تنعت بالفقيرة. وبعيدا عن التعامل مع القيصرية كوجاهة اجتماعية، ينبغي أن تعي النساء أن الولادة القيصرية يمكن أن تعرض الأم لمخاطر الإصابة بالمشيمة المتوغلة، وإمكانية استئصال الرحم.

القاهرة - تدخل مجلس النواب المصري أخيرا لمحاسبة المسؤولين عن المنظومة الصحية بسبب انتشار الولادة القيصرية بين السيدات، بعد أن بلغت نسبة اللاتي يلدن بطريقة شق البطون إلى قرابة 73 في المئة من النساء، وهو معدل كبير أثار غضبا واسعا، حيث تحولت جراحات الولادة إلى “بيزنس” لبعض الأطباء.

وتجاوزت الولادة القيصرية في مصر حدود الظاهرة وباتت نهجا عاما بعد أن ارتفعت المعدلات خلال السنوات الماضية إلى ثلاثة أضعاف، وأصبحت هناك ثلاث سيدات من بين كل أربع نساء في مصر ينجبن بها ولا توجد خطة لدى الحكومة لمواجهة ذلك.

وارتفعت نسبة الولادة عن طريق الجراحة في المناطق الريفية بشكل كبير، مع أن مثل هذه البيئات تغلب فيها العادات والتقاليد في الزواج وطريقة الإنجاب.

وبلغت النسبة في محافظات جنوب مصر (الصعيد) نحو 70 في المئة، وفي بعض المناطق الحضرية وصلت إلى 84 في المئة، ومتوسط النسبة العامة هو 73 في المئة.

وقررت وزارة الصحة المصرية مؤخرا مساواة التكلفة المالية التي يتحصل عليها الأطباء والطواقم الطبية في الولادات القيصرية مع الطبيعية، وتخصيص حافز مالي للفريق الطبي الذي يحقق معدلات أعلى في الثانية، ولم يحقق ذلك الغرض، وظل معدل القيصرية مرتفعا أمام غياب الرقابة الصحية على بعض المؤسسات.

علاء الغندور: مشكلة بعض الأطباء أنهم يمنحون النساء حرية الاختيار في الولادة
علاء الغندور: مشكلة بعض الأطباء أنهم يمنحون النساء حرية الاختيار في الولادة

استهدفت الحكومة من وراء الخطوة تقييد حرية أطباء النساء والتوليد في تحديد أسعار الولادات القيصرية والتربح، باعتبارها تتكلف مبالغ مالية كبيرة نظير راحة الأم في أثناء الولادة، وتختلف التكلفة حسب المكان وتميز المستشفى، لكن أغلب السيدات يستجبن لمطالب الطبيب في دفع القيمة المطلوبة للقيصرية.

ويشكو الكثير من الأطباء في مصر من تدني الرواتب، ما يجعلهم ينظرون إلى الولادة القيصرية بمنطق الربح، ويعمل هؤلاء في مستشفيات حكومية، ولديهم مراكز طبية خاصة أو يعملون بها، لا تخضع لرقابة طوال الوقت، علاوة على أن غالبية المراكز الخاصة تفضل الولادة عن طريق الجراحة لتحقيق عوائد مالية كبيرة.

ولا تجد التحذيرات التي يطلقها مسؤولو القطاع الطبي تجاوبا من الأطباء والنساء أيضا، مع أن المسؤولين أكدوا أن الولادة القيصرية غير الضرورية تعرض الأم لمخاطر الإصابة بالمشيمة المتوغلة، وإمكانية استئصال الرحم أثناء الولادة، وحدوث نزيف بعدها، بجانب مضاعفات يتعرض لها الأطفال قد تودي أحيانا بحياتهم.

أكد طبيب النساء والتوليد أحمد لـ”العرب” أن غالبية الأطباء يفضلون القيصرية لأسباب مادية ونفسية، فهناك من يخشى تعرض الأم للوفاة نتيجة الولادة الطبيعية، وقد يُتهم بالإهمال، فيختار الطريق السهل باللجوء إلى القيصرية كوسيلة أكثر أمانا في ظل عدم وجود تشريع يحمي الطبيب من عواقب الأخطاء الطبية.

وأضاف الطبيب (رفض ذكر اسمه كاملا) أن هناك جزءا يرتبط بوجود أطباء يستسهلون القيصرية لراحة أنفسهم، لأن الولادة الطبيعية ترهق الطبيب لفترة تمتد ساعات، وقد يحتاج في النهاية إلى تدخل جراحي لإنقاذ الطفل، والبعض يخشون تعرض الجنين لتشوهات خلال الولادة الصعبة، ويظل العامل الأبرز مرتبطا بالعائد المالي الذي يتحصل عليه الطبيب، وهو عشرة أضعاف تكلفة الولادة الطبيعية.

ولفت إلى أن مشكلة المسؤولين عن المنظومة الصحية أنهم أخفقوا في إقناع المجتمع بأن الولادة القيصرية ليست كلها آمنة، بل تتسبب في أحيان كثيرة في وفاة الطفل، إذا كانت فترة المباعدة بين الولادات قصيرة، بالتالي لا بديل عن وجود خطاب ترهيبي مخصص للنساء، بعيدا عن التعامل مع القيصرية كوجاهة اجتماعية، وهذه ظاهرة منتشرة وسط أسر عديدة، ووصل الأمر حد اعتبار من تلد بشكل طبيعي فقيرة.

وزارة الصحة المصرية خصصت حافزا ماليا للفريق الطبي الذي يحقق معدلات أعلى في الولادة الطبيعية، ولم يحقق ذلك الغرض
وزارة الصحة المصرية خصصت حافزا ماليا للفريق الطبي الذي يحقق معدلات أعلى في الولادة الطبيعية، ولم يحقق ذلك الغرض

وقررت وزارة الصحة عقد جلسات تثقيف نفسي للنساء اللاتي يعانين الخوف من الألم عند الولادة الطبيعية، لكن المعضلة في تحريض الأطباء وتعمد تعريف السيدات بمخاطر الطبيعية، بحجة أن الجنين في حالة تستدعي القيصرية أو أن الأم ليست مهيأة لتتحمل الآلام، ما يدفع الأسر إلى الاستجابة والقبول بشق البطن لإخراج الجنين.

وما زال الزواج المبكر وعدم نضج الفتاة سببا أساسيا للولادة القيصرية، كما أن منح النساء حرية القرار في طريقة الولادة جعل غالبيتهن يخترن القيصرية كنوع من الراحة والأمان، والكثير من الرجال لا يتدخلون في المسألة كي لا يُفهم أنهم يوفرون النفقات المالية عند الولادة، ما يترك انطباعا عند المرأة بأن شريكها لا يخاف عليها.

يعتقد متخصصون في طب النساء والتوليد أن رفاهية النساء وعدم ممارستهن للرياضة والنشاط الزائد يعرقل الولادة الطبيعية التي تحتاج إلى لياقة وتقوية حوض المرأة، بدليل أن ربات المنازل في الماضي عشن حياة شاقة ويلدن بسهولة، أما الفتيات في الوقت الراهن فلا يتحملن الألم وبعضهن يفكرن في جمال الجسد فقط.

هناك شريحة من السيدات تفضل الولادة القيصرية لتكون الأم واعية ولا تشعر بالألم وتشرف بنفسها على مراحل استقبال طفلها، ويتاح لها اختيار يوم ميلاده وتحديد موعد ولادتها والترتيب لذلك مسبقا، بعيدا عن عنصر المفاجأة، إضافة إلى حرية اختيار المركز الطبي ومواصفاته إذا شعرت بآلام الولادة.

قال علاء الغندور، استشاري الطب النفسي والسلوكي والعلاقات الأسرية بالقاهرة، إن مشكلة بعض الأطباء أنهم يمنحون النساء حرية الاختيار في الولادة، وتكون النتيجة أن غالبيتهن يخترن شق البطن لأسباب نفسية، والمسؤولية مشتركة بين الطبيب والأم، وهذا لن يُحل بتشريع قانوني من الحكومة، بل يفترض إطلاق مشروع توعوي يستهدف أطراف المنظومة دون إغفال أي عنصر مشارك في ارتفاع الظاهرة.

Thumbnail

وأشار لـ”العرب” إلى وجود تقصير من كل الأطراف، نجم عنه انتشار القيصرية حتى أصبح ميراثا مجتمعيا، والمشكلة أن كل سبب تجد له مبرراته، فقد يقول طبيب إن راتبه ضعيف ويبحث عن عائد، وآخر يستهدف راحة المريضة، وثالث يقي نفسه من المساءلة المحتملة، وربما تجد الأم مبررا في أنها تخشى الشعور بالألم أو أن الطبيب دفعها إلى ذلك، وقد تزعم المستشفى خطورة الحالة والأمر استدعى القيصرية.

يغيب عن غالبية النساء أن التي تجري العملية القيصرية لأول مرة تكون جميع ولاداتها اللاحقة كذلك، وهذا لا يتم شرحه للأمهات بشكل كاف بما يدفعهن إلى تغيير قرارهن، لكن جزءا من المشكلة أن الزوجة إذا تمسكت بالولادة الطبيعية تجد صعوبة في البحث عن مركز طبي بعد أن أصبحت الولادة سلعة تخضع للربح والخسارة.

وتظل المرأة هي الرقم المهم في معادلة تغيير الثقافة تجاه الولادة القيصرية، إذ لا يجب أن تنصاع لرغبة الطبيب أو الأسرة، وعليها أن تكون أكثر وعيا وفهما للمخاطر التي تنتظرها في المستقبل، إذا كان بإمكانها أن تلد بشكل طبيعي، لأنها لو استسهلت العملية الجراحية التي تتم عن طريق التخدير قد تصطدم بمتاعب صحية تندم عليها لاحقا، وهو الخطاب الذي يجب أن توّجهه وزارة الصحة للنساء.

إذا اقتنعت المرأة وكانت أكثر وعيا وفهما، مقابل بقاء المؤسسات الصحية دون رقابة، سوف تظل النساء عرضة للابتزاز المادي والطبي، ولا بديل عن تطبيق المعايير التي حددتها منظمة الصحة العالمية بأن تلتزم كل مؤسسة طبية بتحديد الأسباب التي دفعت الطبيب إلى إجراء الولادة قيصريا لبيان إذا كانت طبقا لاحتياج فعلي أم لا.

16