إعمار سيناء يتحول إلى أولوية مصرية

سرعت الحكومة المصرية جهودها التنموية في سيناء بالتزامن مع التحديات التي فرضتها الحرب في غزة، ويرى مراقبون أن القاهرة تحاول جاهدة جعل شبه الجزيرة مركز جذب للمواطنين بعد عقود من التهميش
القاهرة - بعثت الحكومة المصرية رسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن التنمية تتقدم على محاولات جرها إلى حرب مع إسرائيل، شريطة عدم تعرضها لأية اعتداءات مباشرة تجبرها على اتخاذ إجراءات لحماية أرضها، مع اقتناعها بأن الحكومة الإسرائيلية لا تزال تسعى إلى تنفيذ مخططها بشأن تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء.
ووافق مجلس الوزراء المصري على تخصيص مساحة شاطئية تبلغ نحو 1.5 فدان بالقرب من مدينة رفح المصرية في محافظة شمال سيناء لإنشاء مشروعات لتحلية مياه البحر، ضمن خطة طموحة تتبناها الحكومة للتحلية بالشراكة مع القطاع الخاص، فضلا عن نقل وتوطين التكنولوجيا بها، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
وأصبح توطين المصريين وتوسيع نطاق الرقعة العمرانية من المحددات الرئيسية غير التقليدية للدفاع عن الأمن القومي التي تتبناها دول عديدة، وكانت واحدة من العقبات في سيناء خلال عقود ماضية، وربما سهّلت عملية احتلالها عام 1967، لأن العقيدة العسكرية المصرية آنذاك رأت أن سيناء ساحة، ما أفضى إلى إخلائها من البشر.
وبدأت تتغير هذه العقيدة بعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم منذ عشرة أعوام، حيث اعتبر أن شيوع التنمية وملء سيناء بالبشر من المكونات الحيوية للدفاع عنها. وأعلن وزير النقل الفريق كامل الوزير إطلاق ثماني مناطق متفرقة بسيناء ستكون متاحة أمام الاستثمار المصري، وتشمل مناطق: النقب، العوجة، الحسنة، رفح، الطور، بئر العبد، ورأس سدر.
وتتضمن مخططات التنمية في سيناء إنشاء ميناء بحري جديد في طابا بجنوب سيناء، كجزء من الممر اللوجستي الإستراتيجي الذي يربط بين طابا في الجنوب والعريش في شمال سيناء، ويقع على بعد كيلومتر واحد من الحدود مع إسرائيل.
جاء الإعلان عن تلك المشروعات في وقت تصاعد فيه التوتر بين مصر وإسرائيل، إذ أكد وزير الخارجية سامح شكري رفض مصر لسياسة “ليّ الحقائق التي تتبعها إسرائيل، وهي مسؤولة عن الكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة”، حيث اتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مصر بغلق معبر رفح، وزعم أنها “تحتجز غزة رهينة لرفضها التعاون مع حكومته بشأن معبر رفح الحدودي ودخول المساعدات الإنسانية”.
وقال خبراء عسكريون إن مصر تمضي في خططها التنموية كهدف رئيسي لربط سيناء بما يحدث من تطور عمراني في باقي المحافظات، وبما يدعم التأكيد على أن الدفاع عنها ضد أي مخططات معادية من الخارج يتم من خلال تعميرها عقب تقويض خطر الإرهاب، ودحض توجهات نظرت إلى الصحاري الشاسعة على أنها بيئة مواتية لتحقيق أغراض لا تتماشى مع أهداف الأمن القومي المصري.
ويشير الحديث عن تدشين خط ميناء طابا – العريش إلى أن مصر تنوي الإسراع في جهودها التنموية وتحويل سيناء إلى محطة تجارية جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، والمواطنين الذين تسعى الحكومة إلى إغرائهم بالانتقال إلى سيناء، ما يمنح المزيد من الثقة في جدية المشروعات هناك وجدوى الاستفادة المستقبلية منها.
وفسر الخبراء هذه النوعية من الخطوات حاليا على أنها رسالة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي تفيد بأن السلام خيار إستراتيجي للدولة حال جرى الالتزام بالأطر العامة التي تضمن عدم المساس بالأرض، ما يمنع محاولات العبث باتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب.
وأكد رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية السابق التابع للجيش المصري اللواء علاء عزالدين أن تنمية سيناء هدف مركزي للدولة، بدأت التحرك فيه من خلال مشروعات تنفذها الحكومة وأخرى عبر إتاحتها للمستثمرين، بينها مشروعات شملت تخصيص قطع أراض زراعية للمواطنين بأسعار زهيدة لجذبهم إلى التواجد في سيناء.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الإعلان عن مشروعات جديدة قرب الحدود الشرقية رسالة إلى المصريين تفيد بأن الدولة صادقة في توجهاتها التنموية، وتنطوي على إشارة أيضا للمجتمع الدولي تفيد بأن سيناء جزء أساسي من الأرض المصرية، ولن يتم التخلي عنها، وأن التنمية أولوية وليست بديلاً عن الحرب أو الدفاع عن الأرض بكافة السبل الممكنة، حال استدعى الأمر ذلك”.
وأشار إلى أن التعمير يوازيه استعداد لأي تهديدات خارجية، مع أهمية الحفاظ على السلام، والتأكيد على أن مصر دولة غير هجومية، لكنها تجيد الدفاع عن نفسها وحماية مصالحها بالطرق الشرعية، “والانضمام إلى دعوة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية من طرق الدفاع عن الحدود، وأن خطورة التهديدات هي التي تحدد طريقة التعامل معها”.
وأعلن اتحاد القبائل العربية الذي جرى تدشينه مؤخراً بناء مدينة جديدة في منطقة العجرة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، وبدأت الحكومة طرح شقق سكنية مخصصة لأهالي مدينة رفح المصرية الذين تم نقلهم من أماكنهم أثناء الحرب على الإرهاب في السنوات الماضية.
وذكر مستشار كلية القادة والأركان التابعة للجيش المصري اللواء محمد الشهاوي أن سيناء بوابة مصر من الجهة الشرقية واستردادها من الاحتلال الإسرائيلي ثم تطهيرها من الإرهاب دفعا الدولة إلى الإلقاء بثقلها وراء المشروعات التنموية مؤخرا، ويحمل هذا رسالة واضحة إلى العالم تؤكد أن الجيش المصري لا يفرط في أي شبر.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “مصر تنتهج سياسة تقوم على دفع الاستثمارات إلى الأمام، وتسريع عملية جني الثمار من عوائدها، وبالنظر إلى وضع سيناء فإن أهم عائد هو جذب المواطنين للتمركز في المناطق التي تشهد تنمية واسعة”.
وكشف الشهاوي أن مصر لديها ثوابتها في مسألة التصعيد الراهن مع إسرائيل، وأن الحفاظ على الأرض والسيادة لا مفر منه عبر استخدام كافة الوسائل المتاحة، لكن ذلك بحاجة إلى قوة بشرية تقف حاجزا ضد مخططات استهداف السيادة. ويعزز انشغال الحكومة بجذب ثمانية ملايين مواطن إلى سيناء أهداف الدولة الإستراتيجية.
وتمثل خطوة إنشاء ميناء جديد في طابا وتطوير ميناء العريش والإعلان عن تدشين مناطق لوجستية كنقاط ارتكاز تنموية، دلالات على أن القاهرة بحوزتها خطة لاستيعاب الزيادة السكانية المتوقعة في السنوات المقبلة، وأنها تسعى لتوظيف حالة الاستقرار الأمني بعد انزواء خطر العناصر الإرهابية، بما يعزز حيوية سيناء.
وقال الخبير العسكري اللواء حمدي بخيت إن مشروعات التنمية موجهة إلى الداخل باعتباره المعني بالتنمية بالدرجة الأولى، وهي أيضا إشارة إلى أن الجهود الضخمة في سيناء جزء من القوة الشاملة للدولة، واستفادة المواطنين من المشروعات الجديدة في ظل عوامل السوق المفتوحة ونشاط حركة التجارة بالقرب من تلك المنطقة من العوامل التي تبرهن على أن الدولة المصرية يقظة لمواكبة تلك التطورات.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “الحكومة تبحث عن وسائل مبتكرة للطاقة المتجددة وتعمل على استغلال الشمس والرياح والشواطئ في سيناء لدعم برنامج الطاقة، وتثبت للعالم أنها دولة تولي التنمية أولوية قصوى وتسعى لتقوية جميع قدراتها، وأبرزها تحسين أوضاع الاقتصاد بالتوازي مع تطوير القدرات العسكرية”.