حملة مصرية على احتكار الدواجن لتحسين صورة الحكومة

خلفت الأزمة الاقتصادية في مصر نقصا في بعض المنتوجات الغذائية التي تزايدت معها ممارسات الاحتكار وارتفاع الأسعار ما جعل الحكومة المصرية في مرمى الانتقادات. وحركت القاهرة عددا من أجهزتها الرقابية مؤخرا في مواجهة الظاهرة إلا أن ذلك لا يحل مشكلة زيادة الأسعار.
القاهرة- أيقظت الحكومة المصرية بعض أجهزتها الرقابية بحثًا عن استعادة حضورها الفاعل في الأسواق بعد أن عجزت عن ضبطها، ووجدت نفسها في موقف حرج جراء استجابة الأسعار لحملات المقاطعة الشعبية للأسماك، وهدفت لاتخاذ زمام المبادرة بشأن الدواجن التي تشكل مصدرا غذائيا مهما لقطاع كبير من المصريين عبر تحريك دعاوى قضائية ضد محتكري وسماسرة دواجن التسمين البيضاء.
وأعلن جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية (جهة تابعة للحكومة المصرية)، الأحد، تحريك دعوى الجنائية ضد 7 ممن وصفهم بـ”كبار سماسرة دواجن التسمين البيضاء”، بتهم مخالفة قانون حماية المنافسة باتفاقهم على تحديد سعر بيع كيلو اللحم الحي من دواجن التسمين البيضاء، والذي يتم بيعه من المزارع إلى تجار الجملة مما يؤثر سلبًا على الأسعار في حلقات التداول.
ويواجه المتهمون عقوبات مالية لا تقل عن 2 في المئة من إجمالي إيرادات المنتج محل المخالفة ولا تجاوز 12 في المئة من إجمالي الإيرادات المشار إليه خلال فترة المخالفة، وفي حالة تعذر حساب الإجمالي المذكور تكون العقوبة غرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تتجاوز 500 مليون جنيه (الدولار = 48 جنيهًا).
ويقلل مراقبون من قوة إجراءات الحكومة، إذ أن الخطوة ليست الأولى من نوعها وتنتهي دائم مثل هذه القضايا ببراءة المحتكرين أمام المحكمة الاقتصادية، وتجد الحكومة المصرية والجهات الرقابية صعوبة في إثبات المخالفات، وقد يحصل بعض المتهمين على تعويضات للضرر، في حين أن الأزمة تتمثل في عدم قدرة الحكومة على إنشاء قاعدة بيانات بشأن الإنتاج الداجني بمصر كي يساعد تكلفة الإنتاج وبناء عليه تحديد السعر العادل ومواجهة الاحتكار.
وتأتي خطوة الحكومة بعد أن أخفقت في تحقيق رؤيتها بشأن خفض أسعار السلع الإستراتيجية بنسبة قالت إنها ستصل إلى 30 في المئة، وتسبب ذلك في تيقن التجار والمواطنين أنها لن تستطيع التحكم في الأسواق، ومساعيها تأخذ طابعا شكليا، ما تطلب اتخاذ إجراءات ترسل من خلالها إشارات أنها مازالت لديها القدرة على التعامل مع المحتكرين، وأن هذه المرة عبر الإجراءات القانونية السلمية دون الاتجاه نحو القبضة الأمنية التي استخدمتها في التعامل مع أزمات الدولار.
وتواجه الحكومة الحالية اتهامات عديدة بالفشل في التخفيف عن المواطنين، رغم الوعود التي قطعتها على نفسها مراراً منذ تخفيض قيمة الجنيه والقضاء على وجود سعرين للعملة، وهو ما دفعها لاستعادة دور جهاز منع الممارسات الاحتكارية الذي تأسس قبل 20 عامًا، لكن يبقى دورها محدودا، ويقتصر على ضبط بعض المخالفات وتوجيه نصائحه للتعامل مع أزمات الاحتكار.
وأدخل البرلمان المصري تعديلات منذ شهرين على قانون جهاز حماية المستهلك (أحد الأجهزة الرقابية التابعة للحكومة لحماية المواطنين) وضاعف العقوبات المقررة به، إلا أن الجهاز والقائمين عليه يواجهون انتقادات لضعف فعالية أدواره وعدم استثمارصلاحياتهالواسعة للتعامل مع المخالفات التي تشهدها الأسواق.
ووفقا للتعديلات الأخيرة فعقوبة منع السلع الإستراتيجية المعدة للبيع من التداول بإخفائها أو عدم طرحها للبيع أو الامتناع عن بيعها تصل للحبس لمدة سنة وعقوبة مالية تصل إلى ثلاثة ملايين جنيه، وحال تكرار الواقعة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز خمس سنوات وتضاعف قيمة الغرامة.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بمجلس النواب إيهاب منصور إن الدولة المصرية لديها أجهزة رقابية عدة، لكنها تعمل بلا تنسيق مع بعضها البعض، ما يترك فرصة للمحتكرين لتعطيش الأسواق، وأن هذه الفترة تشهد الكثير من هذه الممارسات جراء انتظار البعض المزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه الفترة المقبلة، ما يتطلب التدخل عبر تنشيط أدوار الأجهزة الرقابية وهي إجراءات يمكن الثناء عليها والمطالبة بالاستمرار فيها بشكل أكثر فاعلية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن تحريك دعاوى قضائية يعني أن جهاز منع الممارسات الاحتكارية لديه المستندات المطلوبة لإدانة المتهمين، وأن الأجهزة المسؤولة عن رقابة الأسواق لا تصل إلى خطوة الاتجاه للمحكمة الجنائية إلا إذا كانت تدرك بأن هناك جرائم قوية تؤثر في اتجاهات الأسواق.
وينقسم سوق دواجن التسمين البيضاء إلى ثلاث دوائر، هي: المربون بالمزارع والسماسرة وتجار الجملة والتجزئة، وبإجراءات الفحص لكل دائرة على حدة تبين قيام 7 من حيتان (كبار) سوق الدواجن بالاتفاق على تحديد الأسعار فيما بينهم والإعلان عنها يوميًا من خلال ما يعرف ببورصات الدواجن غير الرسمية.
ويمثل هؤلاء “مافيا” تهدف لإطلاع باقي العاملين بسوق الدواجن على أسعار التنفيذ لتوحيدها والتحكم في السوق بشكل يضر المستهلك النهائي وهو المواطن المصري.
وذكر إيهاب منصور لـ”العرب” أن التحرك الأخير غير كاف لضبط الأسواق ورحيل الحكومة من الخطوات المهمة لوضع رؤية متطورة للتعامل مع حالة الفوضى الراهنة، بعيداً عن الوعود المستمرة في غياب الأدوات التنفيذية القوية، وتغيير السياسات مقدم على أي إجراء آخر، لأن ارتفاع الأسعار وضعف القدرة على ضبط الأسواق هما نتاج لمشكلات اقتصادية عميقة.
الحكومة بعد أن أخفقت في تحقيق رؤيتها بشأن خفض أسعار السلع الإستراتيجية بنسبة قالت إنها ستصل إلى 30 في المئة
ويرجع اقتصاديون 30 في المئة من أسباب عدم استقرار الأسواق وارتفاع الأسعار بشكل مضطرب لأسباب اقتصادية ونقدية بينما النسبة الباقية فترجع إلى الاحتكارات التي تعجز أو تهمل الحكومة مواجهتها، ما يؤشر على أن الأزمة الاقتصادية والإهمال يتشاركان في اضطراب الأسواق التي مازالت تترك تأثيرها على القدرات الشرائية للمواطنين، ما يخلق حالة من الاحتقان الداخلي جراء عدم القدرة على توفير احتياجاتهم الأساسية، خاصة الطبقة المتوسطة التي تشكل الجزء الأكبر من عموم المصريين.
وذهب البعض من المراقبين إلى تأكيد أن الأجهزة الرقابية التي تحمل الصفة المستقلة لا تحظى بالاهتمام الكبير، وثمة قناعة بأن الوزارات والهيئات الحكومية بما فيها الأجهزة الشرطية أكثر فاعلية في التعامل مع مشكلات الاحتكار، ما دفع للتوسع في منح الضبطية القضائية وإحالة قضايا التموين إلى القضاء العسكري.
وهناك توافق على أجهزة حماية المستهلك ومنع الاحتكار لا تتوفر فيها الكفاءات التي تجعلها قادرة على ممارسة أدوارها بالشكل المطلوب، رغم أن هذا النموذج يتواجد في الكثير من دول العالم، ويلعب دوراً مهمًا في حماية الطبقتين المتوسطة والفقيرة.
ويطالب سياسيون بضرورة تعديل القوانين التي تحارب الاحتكار وتدعم المنافسة وتفعيلها، على أن تكون دعاوى الاحتكار بمثابة جرائم جنائية بحيث يفقد من تثبت إدانته في قضايا الاحتكار حقوقه المدنية والسياسية وليس مجرد الإحالة في قضايا جنح تنتهي دائما بتوقيع غرامات زهيدة لا توقف تكرار ارتكاب الجريمة.