كل العالم خشبة مسرح

منطقة الويست إند في لندن أشهر من أن يعرف بها، فهي تحتضن أهم مسارح العاصمة البريطانية التي مازالت تقدم عروضها منذ 360 عاما أو أكثر. وتجد فيها أرقى المطاعم والحانات التي يرتادها عشاق المسرح قبل العروض المسرحية وبعدها. بالطبع كل هذا بثمن.
من بين شوارع الويست إند شارع أريد أن أتحدث عنه اليوم، هو شارع جاريك الذي يمتد بين كينع ستريت وسانت مارتن لين، الشارع الذي تقع فيه أكاديمية الفنون الشهيرة المعروفة بنفس الاسم.
لماذا شارع جاريك بالتحديد؟
أولا لأن الشارع يحمل اسم ديفيد جاريك المسرحي البريطاني الذي عاش بداية القرن الثامن عشر وكان تأثيره على عالم المسرح عميقا، حيث أثر على العديد من جوانب الممارسة المسرحية ليس فقط في الويست إند بل أيضا في أوروبا، وإليه يعزى الفضل في نشر الأسلوب الطبيعي بالأداء المسرحي كاسرا لأول مرة أساليب التمثيل المفعمة بالحماسة والمبالغة. وكانت فترة إدارته لمسرح رويال دروري لين الشهير فرصة لتحسين ذائقة الجمهور وتحسين معايير الإنتاج بما في ذلك الديكور والأزياء والمؤثرات الخاصة.
يمكن أن أنساق طويلا بالحديث عن جاريك، ولكن أريد أن أركز هنا على بناء تاريخي جميل المعمار يقع في نفس الشارع ويحمل اسم نادي جاريك، وهو ناد خاص لا يسمح بدخوله سوى للأعضاء وضيوفهم.
عضوية هذا النادي الأرستقراطي ليست متاحة إلا للطبقة المرفهة وبتوصية خاصة من أعضائه، والدخول إليه له طقوسه وترتيباته وميثاق خاص يجب أن يلتزم به الأعضاء والضيوف، وهم عادة من علية القوم والقضاة وحتى الأمراء، ويقال إن ملك بريطانيا تشارلز كان عضوا فيه.
كثيرا ما عبرت من أمام هذا المبنى وفكرت بأن يوما قد يأتي أتمكن فيه من الدخول.. ولم لا قد أكون عضوا بالنادي؟
هذا لم يحدث. والآن بعد مرور ربع قرن على آخر مرة مررت من أمامه أقرأ خبرا أعاده إلى ذاكرتي.
نسيت أن أقول لكم إن النادي لم يكن يقبل بين أعضائه النساء، ولا حتى بصفتهن ضيفات. نعم، يحدث هذا في بريطانيا التي يفترض أنها تساوي بين النساء والرجال.
الخبر يقول إن النادي الذي تأسس عام 1831 وسُمي على اسم ديفيد جاريك، صوت اعتبارا من شهر مايو 2024 الحالي لقبول النساء أعضاء لأول مرة منذ مئتي عام.
قادني الفضول إلى البحث عن معلومات حول النادي على الشبكة العنكبوتية، والدخول إلى عالمه افتراضيا، طالما أن حلمي بالعضوية لم يتحقق.
النادي مميز بمرافقه الممتازة، وأماكن الإقامة الفخمة، والفعاليات الحصرية للأعضاء. وهو إلى جانب ذلك يضم مكتبة مسرحية تحتوي على العديد من المخطوطات والوثائق، ويمتلك أكبر مجموعة من اللوحات والرسومات المسرحية.
ولكن ما لفت انتباهي أكثر قولان، قول لأوسكار وايلد، وآخر لشكسبير. الأول يقول “أموت كما عشت، بما يتجاوز إمكانياتي”. والثاني يقول “كل العالم خشبة مسرح، وجميع الرجال والنساء مجرد لاعبين”.
فجأة، قفز إلى ذهني صديقي الرائع الذي غادرنا منذ ثلاثة أشهر تقريبا، المسرحي حكيم مرزوقي الذي حول الحياة إلى مسرح، وطالما عاش بما يتجاوز إمكانياته.
لو كان حكيم بيننا لأحببت أن يحصل على عضوية نادي جاريك، فهو أكثر من يستحقها.