إبراهيم فهمي فنان ليبي ألحانه أشهر منه

يعد إبراهيم فهمي أحد أعلام الموسيقى والأغنية الليبية داخل وطنه وخارجه، فقد كان طوال سنوات نشاطه الفني نوتة متنقلة ولحنا ليبيا يزين أغنيات أشهر النجوم العرب، لكنه كأغلب أعلام الفن في أوطاننا العربية، يعيش اليوم عزلة فنية وتناسته الجهات الرسمية.
لا يمكن ولوج خزينة الأغنية الليبية دون الوقوف أمام جناح يخص الفنان إبراهيم فهمي صاحب المنجز الموسيقي الثري والمتنوع سواء بصفته مغنيا أو ملحّنا تعامل مع عدد من أبرز الأصوات في ليبيا والمنطقة أو حتى كناظم كلمات لعدد من الأغاني.
خلال الأيام الماضية، وبمناسبة عيد الفطر المبارك، صادفتني على واحدة من شاشات التلفزيون الليبي أغنية تعود إلى عقد الثمانينات من القرن الماضي، كان إبراهيم فهمي قد سجلها مع الأطفال، يقول طالعها “يا البنية ويالوليد.. ياللي لبستوا كل جديد.. مبروك عليكم العيد” وهي من أغاني المناسبات التي أصبحت جزءا من ذاكرة الليبيين ووجدانهم الفني باعتبارها ارتبطت لديهم بفرحة الأعياد وبهجتها وبالأجواء الأسرية التي تزداد جمالا وبهاء ببراءة الطفولة.
إبراهيم فهمي من مواليد 1947 في مدينة بنغازي في وسط اجتماعي محافظ، وقد دفعته الظروف المادية التي كانت تواجهها أسرته إلى الانقطاع عن الدراسة والاتجاه للعمل في قطاع البريد، ولكن حب الفن تغلب عليه وجذبه بقوة إلى عالم الموسيقى من خلال متابعته للإذاعات الليبية والمصرية، وبدأ يكتشف موهبته من خلال المشاركة في بعض المناسبات الاجتماعية.
في سن السابعة عشرة اكتشفه الفنان سيد بومدين المعروف باسم “شادي الجبل” الذي كان من المساهمين في منتصف يوليو 1957 في تأسيس الإذاعة الليبية، التي كانت تذيع أغانيه وأغاني علي الشعالية مباشرة على الهواء، والذي كان مشرفا على قسم الهواة.
واختار الفنان الشعبي اسم إبراهيم فهمي كاسم فني بدلا من اسمه الحقيقي مسعود عمر الدراجي، وجاء اختياره على الاسم بالمصادفة عندما شاهده مكتوبا على باب عيادة طبيب مصري في بنغازي آنذاك، أما أولى أغانيه فكانت من كلمات سيد بومدين وألحان الفنان حسن العريبي، وأول رحلة فنية قادته إلى تونس والجزائر والمغرب مع فرقة الإذاعة. وعندئذ فقط اكتشفت أسرته أنه دخل عالم الفن من بابه الواسعة، فرفضت في البداية هذا التوجه ثم وافقت عليه نظرا للسمعة الطبية التي كان يتمتع بها أحد الأقارب وهو الفنان إبراهيم حفظي.
وكان أول قرار اتخذه هو تعلم العزف على آلة القانون وقد انضم إلى فرقة الإذاعة كعازف قبل أن يتم اعتماده كمطرب في العام 1966.
ألف أول مقطوعة موسيقية له تحت اسم “بداية” ووافق الفنان صبري الشريف على عزفها مع الفرقة. أما أول لحن له وغناه بنفسه فكان “ليل الهجر” من كلمات عبدالسلام زقلام، وأول لحن موسيقي لحنه لغيره هو “ليل الزها” وغناه سالم زايد، وأما أول لحن قدمه بعد اعتماده ملحنا في الإذاعة سنة 1966 فكان لأغنية “إنت حبيبي” التي اختار له كلماتها علي الشعالية رئيس قسم الموسيقى حينها.
أول تجارب فهمي مع أصوات نسائية كانت مع الفنانة التونسية سلاف بأغنية “حكاية حبي” ومواطنتها الفنانة نعمة بأغنية “خلي القمر” والأغنيتان من كلمات عاشور عبدالعزيز. أما أول صوت نسائي ليبي لحن له، فهو لفنانة ناشئة اسمها فتحية في أغنية “يا حبيبي يا وطني الغالي” من كلمات عبدالسلام زقلام، ولكن الأغنية لم تسجل بصوت الفنانة التي انسحبت من الساحة الفنية لأسباب عائلية لتكون لاحقا من نصيب الفنانة المصرية الكبيرة شهرزاد.
وإبراهيم فهمي، عرفه الجمهور أيضا من خلال عدد من الأغاني بصوت الفنانة المغربية سميرة سعيد وهي “الشوق صحاني” و“القلب وما يريد” من كلمات الشاعر الراحل حسن الصيد، و“حنيت لك” من كلمات الشاعر الكبير عبدالله منصور، ومن خلال ألحانه للفنانة الكبيرة الراحلة وردة الجزائرية، كأغنية “عدى ربيع العمر” و“المنطق المقلوب” للشاعر عبدالله منصور، وأغنية “منّه يا منّه” وهي من كلمات الشاعر بهاء جاهين وموجهة بالأساس للأطفال وأنتجت خصيصا لفيلم “ليه يا دنيا” للمخرج هاني لاشين، إنتاج عام 1994.
ومعروف عن إبراهيم فهمي أنه قدم ألحانا حققت انتشارا واسعا بأصوات نجوم الأغنية الشبابية في مصر وخاصة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي وما تلاه، ومن ذلك “بتوحشني” و“أنت ياللي حبك” و“طب ازيك” للفنان عمرو دياب، و“أنا أعمل إيه” و“فين وفين” و“أيوب” و“تحت المظلة” لهشام عباس ، و“مساكين” لإيهاب توفيق، و“خبر إيه” لمحمد فؤاد، و“قلبي ذاب” لمدحت صالح، و“البسمة” و“زي زمان” و“انبساط” للفنانة حنان، و”سحرك” و“يا جميل” لفارس، و“قاعدين ساكتين” لسيمون.
وقدم للفنان حميد الشاعري لحنين هما “لا تلوموا علينا” كلمات فرج المذبل، و“أهلا شرفت” كلمات عادل عمر، وعددا من الألحان للفنان المبدع عادل عبدالمجيد من أبرزها “عاتبني” للشاعر فرج المذبل وقد تداول على إعادة تسجيلها عدد من النجوم من بينهم أيمن الأعتر.
والحقيقة أن إبراهيم فهمي كان أحد رموز الهجرة الفنية والموسيقية الليبية إلى مصر في أوائل تسعينات القرن الماضي إلى جانب الفنان الملحن والموزع حميد الشاعري والشاعر حسن الصيد والملحن ناصر المزداوي الذي عرف بعدد من ألحانه وأبرزها “حبيبي يا نور العين” كلمات أحمد شتا وتوزيع حميد الشاعري.
كما كانت لإبراهيم فهمي تجارب مع علاء عبدالخالق في أغنية “يا عيني لا تلوم المحبوب” و”يلي جمالك” و”خيرها في غيرها”، ومع الفنانة التونسية الكبيرة الراحلة ذكرى في أغاني “وصلني جواب اليوم” و”ترقى” و”علقت عيني” من كلمات الشاعر علي الكيلاني، ومع الفنانة نوال غشام في أغاني “لا يا حبيب العين” و“بلا معاتبة” و“راجيت” و“غوالي” وأنشودة “مطلوب” وهي من كلمات الشاعر عبدالله منصور الذي التقى معه كذلك في أغنيات للفنانة لطيفة من بينها “وقفة عز” و“غاليتني” و“سيد الغوالي”.
كما كان لموسيقى إبراهيم فهمي عناق مع حنجرة الفنان العربي اللبناني الكبير وديع الصافي في كلمات للشاعر عاشور عبدالعزيز، وحضور متميز في المنوعة الغنائية الكبرى “الجلسة” من خلال تعامله مع صوت أسماء المنور في أغاني “يا واحشني” و“تواريت” و“والف عليك حنيني” و“من توة تقول تعبت”، ومع غادة رجب في أغنية “يا قلب يا مسكين” ومع أسماء سليم في “إيش خطره” كلمات الشاعر عبدالله منصور، بالإضافة إلى ما تميز به إبراهيم فهمي من أعمال وطنية مثل “خيرك دايم يا وطن”، “عاشت وتعيش بلادنا”، “عشتي يا بلادي”، “يا وطني قلبي لك مشتاق” وغيرها من الأغاني.
وقدم إبراهيم فهمي ألحانا لفنانين آخرين من بينهم محمد السليني ولطفي عارف وسالمين زروق وأشرف محفوظ وغيرهم، كما اشتهر كمطرب من خلال العشرات من الأغاني الناجحة التي قدمها خلال مسيرته الفنية ومن أبرزها “ما ليش غيرك يا زهور ربيعي” كلمات عبدالسلام زقلام و”جينا يا صاحبنا” و“يا عز الحبايب” و“عوالي” للشاعر فرج المذبل، و“الله يعلم” و“بيش شاريك” و“أصحاب الغية” وتنوعت أغانيه بين تراثية شعبية، وعاطفية شرقية، وشبابية راقصة، ووطنية ثورية، واجتماعية إنسانية، وقد تعامل فيها مع كبار شعراء ليبيا البارزين.
حاليا لا يزال إبراهيم فهمي يعزف ويلحن ويغني ولكن بعيدا عن الأضواء، مثله كمثل أغلب الفنانين العرب الذين يبدو أن المؤسسات الرسمية لدولهم غفلت عن تكريمهم ومنحهم ما يستحقون من رعاية واهتمام ومن أدوات العمل ليواصلوا إسعاد شعوبهم ومجتمعاتهم بثمار مواهبهم الفذة.