"وصايا الصبار".. مسلسل عن الشر الكامن في النفس البشرية

بعد غياب دام سنوات طويلة عاد النجمان عبدالمنعم عمايري وأمل عرفة إلى الاجتماع من جديد بمسلسلين هذا العام؛ الأول هو “أغمض عينيك تراني”، إخراج مؤمن الملا، الذي يسلط الضوء على معاناة الطفل جود المصاب بمرض التوحد والذي يهجره والده وتعاني أمه (أمل عرفة) التي تتهم في قضية تدخلها إلى السجن خمسة عشر عاما فتذهب الحضانة إلى جدته (منى واصف) التي يرفض زوجها (فايز قزق) الاعتناء به.

أما العمل الثاني فهو مسلسل “وصايا الصبار” المقتبس من مسرحية “ماكبث” للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير، وهو من تأليف فادي حسن وإخراج سمير حسين وتُشارك في بطولته إلى جانب عرفة وعمايري مجموعة من الفنانين، منهم صفاء سلطان وفايز قزق وعامر العلي وعلي كريم. ويتكون المسلسل من سبع عشرة حلقة فقط.

يحكي العمل قصة خلدون (عبدالمنعم عمايري) وزوجته المريضة نفسيا نديمة (أمل عرفة) التي تدفعه إلى القيام بسرقة أموال ولي نعمته ورب عمله رجل الأعمال الكبير الحاج سلوم الملاح (فايز قزق) وقتله بطريقة بشعة لاحقا لكي يصبح بمكانته المادية والاجتماعية.

أداء لافت

أوكل سلوم إلى خلدون إدارة شركاته وصفقاته وأغدق عليه بالأموال والممتلكات. كل ذلك كان تعويضا له عن والده الذي قتل بالخطأ على يد ابنه جبران عندما كان صغيرا في مزرعتهم حيث كان يعمل والد خلدون هناك وذلك أثناء تعليم سلوم له صيد الحمام، حيث أصابت الرصاصة أبوخلدون بدل أن تصيب الطير فمات بعدها على الفور وتيتم خلدون.

منذ تلك اللحظة أصبح خلدون بمثابة الابن الثاني لسلوم حيث رباه وصرف عليه وأرسله إلى أوروبا برفقة ابنه جبران (عامر علي) -بأداء متقن- للدراسة لكن الأخير فشل وخلدون أصبح رجلا ناجحا في عمله وورقة رابحة لسلوم الملاح.

بفضل ذكاء خلدون وحسن إدارته تم بناء شركة سلوم وشهرتها وجلب له أكبر الصفقات، آخرها كانت الصفقة التي عقدها مع شركة أجنبية بكلفة مئة مليون دولار وإبعاد غريمه أبوغياث (بشار إسماعيل) عن طريقه.

هذه الصفقة حققها خلدون بعد أن قام بابتزاز أبوغياث وتهديده بفضح جريمة ارتكبها ابنه عندما كان في الولايات المتحدة مقابل أن يسمح لشركة سلوم الملاح أن تستحوذ على هذه الصفقة الكبيرة التي ستحول أموالها إلى حساب خلدون قبل أن يرتكب جريمته بقتل الحاج سلوم خنقا بعد أن قضى الأخير ليلة حمراء مع زوجته نديمة التي جعلته يشرب كمية كبيرة من الكحول لكي لا يستطيع أن يقاوم خلدون أثناء خنقه ولتفضحه وعائلته.

نديمة (أمل عرفة) كانت هي العقل المدبر لهذه الجريمة الكبرى فهي تعبد المال وتفعل أي شيء مقابل أن تصبح ثرية وخلدون ضعيف الشخصية أمامها وليس سوى أداة في يدها لتنفيذ مآربها.

تعود سحر (صفاء سلطان) ابنة الحاج سلوم من دبي، وهي المتهمة أيضا بحادثة دهس فتاة فقيرة يوما ما، والتي تعمل أختها المحامية (رنا العضم) لكشف هذا الأمر بعد أن تحمّل غيرها مسؤولية الجريمة. سحر التي كانت تجمعها بخلدون علاقة حب قبل أن يزوجه الحاج سلوم بعشيقته نديمة، وبعد الدفن تقرر سحر وجبران بإشراف خالهما (محسن غازي) توزيع الإرث واعتبار جبران وسحر هما الوريثان الشرعيان للشركات والمشاريع فيفاجئهما خلدون بأنه هو أيضا يريد حصته من هذا الميراث، في مشهد لافت حيث يدخل عليهما وهما يجلسان في صالون الفيلا فيسحب الكرسي ويضعه في المنتصف ويجلس عليه وكأنه نصب نفسه ملكا عليهما بعد أن استحوذ على كل شيء ليبدأ الصراع وتبدأ الأحداث بالتصاعد، بعدما نجح مخطط نديمة وخلدون في الاستحواذ على الأموال وقتل سلوم ليحل هو مكانه.

ويمكن القول إن الفنانة أمل عرفة في هذا المسلسل أدت دورها بروح مسرحية واضحة وكأنها تقف على خشبة المسرح وليست أمام الكاميرا فكانت المرأة المريضة نفسيا (مرادفة الليدي ماكبث) التي تتظاهر بالقيم لكنها تمتلك روحا شريرة حقودة نهمة للمال والجاه وإن كان عن طريق القتل مثلما فعل زوجها خلدون مع سلوم الملاح بتحريض منها. هي لا تتوانى عن ضربه حين لا ينفذ تعليماتها وتوجيهاتها، فكان هذا الدور بـ”وصايا الصبار” دورا مميزا تؤديه للمرة الأولى.

نص متين

لطالما أغرت مسرحية ماكبث، المقاتل الإسكتلندي المغوار الذي يقتل ملكه ويستلم العرش مكانه بتحريض من زوجته، للكاتب وليام شكسبير، الكثيرين فتم اقتباسها مرارا للسينما وقدمت على يد أشهر فناني العالم ومخرجيه ومنهم أورسون ويلز أسطورة السينما الأميركية عام 1948 حيث أدى دور ماكبث.

وقدم ماكبث لاحقا النجم شون كينري، كما قام رومان بولانسكي المخرج البولندي العظيم بتحويل المسرحية الشهيرة إلى فيلم سينمائي عام 1971 ويعتبر فيلمه من أهم ما قدم عن ماكبث سينمائيا، وأخيرا قدمها دينزل واشنطن الممثل الأميركي الحائز على أوسكارين في فيلم عام 2022.

صحيح أن نص مسلسل “وصايا الصبار” هنا مقتبس عنها لكنه سيناريو مميز بإسقاطاته على البيئة المحلية السورية رغم أن روح المسرح كانت تطغى على أجواء العمل بدءا بأداء الممثلين وانتهاءً بالرؤية الإخراجية، حيث كان التركيز على أداء الشخصيات أكثر من الأحداث نفسها.