الحكومة المصرية تسترضي الشارع بزيادة مخصصات التعليم والصحة

القاهرة– أثارت مخصصات وزارة المالية المصرية لقطاعي الصحة والتعليم في موازنة العام المالي الجديد التي من المقرر أن يبدأ البرلمان مناقشتها قريبا، عدة تساؤلات حول الخلفيات السياسية التي دفعت الحكومة إلى الاستجابة لأحد أبرز المطالب المتفق عليها بين المواطنين في الفترة الماضية، بعد اتخاذ خطوات اقتصادية تمكنت بمقتضاها من الحصول على مليارات من الدولارات مؤخرا.
وقال وزير المالية المصري محمد معيط السبت إن الحكومة ستزيد الإنفاق على قطاع الصحة بنحو 25 في المئة، والتعليم بنسبة 45 في المئة، لافتا إلى أن الدولة سوف تركز على التنمية البشرية في السنوات الست المقبلة، اعتبارا من العام المالي الجديد 2024 – 2025، عبر الالتزام بتعزيز الإنفاق على الصحة وتطوير التعليم.
وسلمت الحكومة الموازنة العامة للدولة إلى البرلمان مطلع أبريل الجاري، وأوضحت في بيان منفصل صدر عن وزارة المالية المزيد من التفاصيل الخاصة بقطاعي الصحة والتعليم اللذين يشكلان أهمية بالغة لعدد كبير من المصريين، حيث تكتظ المدارس والجامعات بأكثر من 25 مليون طالب لدى أسرهم اهتمام بالتعليم وجودته، بجانب ما يقرب من مليون معلم وإداري يعملون في هذا القطاع الذي يضم عددا كبيرا من العاملين في الدولاب الحكومي.
ويأتي قطاع الصحة على رأس اهتمامات المواطنين الذين لا يجدون في المستشفيات الحكومية ملاذا آمنا لهم، وأثار أخيرا موجات من الجدل حول مدى استمرار الحكومة في تقديم الدعم اللازم إلى الفقراء للعلاج، عقب زيادة أسعار 500 خدمة تقدمها المستشفيات الحكومية وتقليص الاستفادة المجانية من العلاج، والاكتفاء بصرف نوع دواء واحد فقط على نفقة الحكومة التي وجدت نفسها في وجه انتقادات عديدة، وهو ما اعتبره مواطنون خطوة تمهد لخصخصة القطاع بشكل كامل.
ولدى الحكومة أهداف سياسية تتعلق باسترضاء المواطنين وطمأنتهم بشأن حضورها الفاعل في الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم، ومع التوسع في الاستعانة باستثمارات القطاع الخاص في المجالين، خاصة التعليم الذي تنوي أن يكون القطاع الخاص شريكَا في المدارس بنسبة 50 في المئة خلال السنوات الست المقبلة، إلا أنها تؤشّر على وجود خطط تهدف إلى تحسين جودة الخدمة المقدمة.
وتدرك دوائر حكومية أن الخطوات التي اتخذتها نحو زيادة قرض صندوق النقد الدولي والالتزام بتنفيذ مطالبه والصفقة الاستثمارية المتعلقة برأس الحكمة لا تجد رضاءً لدى الكثير من المواطنين الذين يخشون الانعكاسات السلبية على الأجيال القادمة، وتسعى لتأكيد أن خطواتها لها مردود إيجابي سريع سوف يظهر من خلال حل المشكلات المالية التي أثرت على خدمات الصحة والتعليم مؤخرا.
ويمثل الإعلان عن خطط زيادة الإنفاق الحكومي في هذين القطاعين أبرز وسائل الإقناع والترويج، فالحكومات المتعاقبة وجدت صعوبة في تعظيم جهودها لتطويرهما، فهما بحاجة إلى موازنات هائلة وسنوات طويلة للحصول على مردود عملي.
وتجد الحكومة في لغة الأرقام مدخلاً قد يترك انطباعات جيدة لدى مواطنين يبحثون عن بوادر للتفاؤل تشعرهم بأن هناك تحسنًا في الخدمات الحكومية المقدمة إليهم.
وسيتم رفع مخصصات القطاع الصحي إلى 495.6 مليار جنيه بموازنة العام المالي المقبل، مقارنة مع 396.9 مليار جنيه في العام المالي الحالي، ورفع مخصصات قطاع التعليم إلى 858.3 مليار جنيه، مقارنة مع 591 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي، كذلك زيادة مخصصات البحث العلمي إلى أكثر من 139.5 مليار جنيه من 99.6 مليار جنيه، بمعدل نمو 40.1 في المئة (الدولار = 48 جنيهًا).
ويقول مراقبون إن استرضاء المواطنين عبر زيادة مخصصات التعليم والصحة أمر إيجابي، لأن الخطوة تبتعد عن جوانب دعائية استغرقت فيها الحكومة من دون جني مكاسب ملموسة للمواطنين بشكل مباشر، وأن الاهتمام بالقطاعين مع زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي بادرة تشي بوجود تحول في السياسات العامة للدولة.
ورغم التوافق على أهمية رفع المخصصات المالية إلا أن وزارة المالية لم توضيح ما إذا كانت تلك الزيادة تتوافق مع نصوص الدستور التي تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي لصالح قطاع الصحة، و4 في المئة للتعليم قبل الجامعي، و2 في المئة للتعليم العالي، و1 في المئة للبحث العلمي، ما يضع الحكومة في مرمى انتقادات، وهو أمر سوف يتضح من خلال مناقشات الموازنة الجديدة والتعرف على إجمالي الإنفاق الحكومي.
1.9
في المئة نسبة تراجع الإنفاق على قطاع التعليم في الموازنة العامة الحالية مقارنة بـ2.5 في المئة في 2021 – 2022
وتراجع الإنفاق على التعليم في الموازنة العامة الحالية إلى 1.9 في المئة مقارنة بـ2.5 في المئة في 2021 – 2022، وتراجع الإنفاق على الصحة إلى 1.2 في المئة في الموازنة الحالية مقارنة بـ1.7 في موازنة العام الذي سبقه، وهو ما يشير إلى أن الحكومة بحاجة إلى تصويب الخلل الذي تعانيه موازنات القطاعات الخدمية على نحو شامل قد لا يكفي تعويضه عبر زيادة معدلات الإنفاق فقط.
وقال عضو مجلس النواب المصري ضياء الدين داوود إن “الزيادة التي أقرتها الحكومة في موازنة الصحة توازي تقريبًا نسبة التضخم مع تحريك سعر الجنيه من 31 مقابل الدولار الواحد إلى 48 جنيهًا، وسوف تتجه الزيادة إلى توفير الاحتياجات التي لم تتمكن وزارة الصحة من الالتزام بها في موازنة العام الماضي بسبب تراجع قيمة الجنيه، وإن الزيادة الحقيقية ينبغي أن تكون بزيادة مخصصات المكونات الدولارية التي تنعكس على جودة الخدمة المقدمة”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الحكومة أقدمت على تعديل قانون المالية العامة الذي بمقتضاه جرى ضم موازنات الهيئات الاقتصادية، ما يجعل الموازنة العامة تبدو ضخمة من حيث الأرقام، وعلى مجلس النواب مواجهة محاولات التلاعب بالأرقام من باب تعريف المواطنين بحقيقة تفاصيل الموازنة الجديدة”.
وأبدى داوود، وهو يمثل المعارضة في البرلمان، استغرابه من عدم إدخال تعديلات على الحكومة الحالية حتى الآن، بتغييرها بشكل شامل أو تعديل المجموعة الاقتصادية، كذلك الوضع بالنسبة إلى حركة المحافظين التي لم يتم الإعلان عنها رغم انتهاء مدة عملهم مع بدء فترة رئاسية جديدة بدأت مطلع أبريل الجاري، مشددا على تخوفه من أن يقع المواطنون فريسة لمسكنات تعاقدية عبر صفقات استثمارية متباينة أو بيع أصول بلا استفادة كبيرة من تلك الأموال، وقد تتبخر دون استفادة حقيقية منها.
وذكر داوود في حديثه لـ”العرب” أن “موازنة التعليم قد تكون أكثر إيجابية من نظيرتها في الصحة، لأن القطاع الأول ليس لديه مكونات نقد أجنبي كبيرة، بالتالي فالخدمات المقدمة قد تشهد تحسنًا شريطة أن يتم توجيه الموازنة الضخمة إلى الأبواب السليمة التي تضمن شعور المواطنين بها”.
وأبدى مراقبون تحفظهم خوفا من أن يتجه الجزء الأكبر من موازنة التعليم إلى الرواتب في ظل زيادات أقرتها الحكومة للمعلمين مؤخرا، ومن ثم التهام جانب من زيادات الموازنة، وسط مطالبات بأن يتم إيلاء المنشآت والخدمات التعليمية اهتماما كبيرا.