رسائل العيد في ليبيا بين الأمل والتفاؤل والاعتذار

كبار المسؤولين توزعوا على أبرز المدن للمشاركة في الاحتفال بالعيد.
الجمعة 2024/04/12
الانقسام السياسي لم يمنع الليبيين من الاحتفال بالعيد

طرابلس - عجت احتفالات عيد الفطر في ليبيا بالرسائل السياسية والاجتماعية التي تراوحت بين الأمل والتفاؤل والاعتذار، حيث اختار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي العودة إلى جذوره الأصلية بالمنطقة الشرقية، والاشتراك مع مسؤوليها في جمع شمل أبناء مدينة درنة ممن لا يزالون يعانون من صدمة فاجعة العاشر من سبتمبر الماضي، واتجه القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر للالتحاق باحتفال شبابي في ساحة “الكيش” ببنغازي في أجواء اعتبرها المراقبون أقرب إلى الحملات الانتخابية السابقة لأوانها، بينما طلب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الاعتذار من أبناء شعبه بسبب ما وصفه بالتقصير خلال شهر رمضان، وأكد نظيره في شرق البلاد أسامة حماد أن حكومته ليست بحاجة إلى الدعم الدولي، فيما لوحظ غياب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن أجواء العيد في درنة وبنغازي.

وتوزع كبار المسؤولين على أبرز المدن للمشاركة في الاحتفال بالعيد، حيث حضر رئيس المجلس الرئاسي احتفالات العيد في درنة، وعضوا المجلس موسى الكوني في طرابلس وعبدالله اللافي في الزاوية، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في مصراتة، والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر في بنغازي.

ودعا المنفي بعد حضوره صلاة العيد في مدينة درنة، إلى ضرورة التكاتف والتآزر ونبذ الخلافات، من أجل إعادة بناء المدينة التي دمرتها العاصفة المتوسطية دانيال في العاشر من سبتمبر الماضي، مثنيا على دور الحكومة الليبية المكلفة والجيش الوطني وصندوق إعادة إعمار درنة والمدن والمناطق المتضررة لتلبية نداء الوطن والإنسانية لرفع المعاناة عن أهل درنة بعد الفاجعة.

وخلال لقاء جمعه عقب الصلاة، بمدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا والمدير التنفيذي لصندوق إعادة إعمار درنة والمدن والمناطق المتضررة بلقاسم خليفة، ورئيس مجلس الوزراء بالحكومة الليبية أسامة حماد، ومجلس أعيان وحكماء مدينة درنة، اطلع المنفي، على آخر التطورات ومراحل الإعمار وما توصلت إليه الشركات المنفذة للمشاريع من إنشاءات وصيانة في مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة.

في الأثناء دعا رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، الليبيين إلى نبذ الفرقة والخلافات، وحثهم على اغتنام المناسبة للتسامح والتصافح، لاسيما أن روابط الدين وأواصر القربى تجمعهم، وأعرب حماد عن ثقته في أصالة وطيبة نفوس الليبيين، وفي تمسكهم بأعرافهم وتقاليدهم المستمدة من الشريعة الإسلامية، مذكرا بما عرفته البلاد من تعاضد وتعاطف بين الليبيين بعد العاصفة دانيال التي اجتاحت مدينة درنة، والأزمة البيئية في مدينة زليتن.

وقال حماد إن حكومته استطاعت تقديم الكثير من الخدمات حسب الإمكانيات المتاحة رغم شحها، وتوفير السلع الأساسية وغاز الطهي والمحروقات من خلال محاربة محتكريها وتنظيم توزيعها وتكليف اللجان المختصة بذلك، وأكد أنها بذلت كل الجهود الممكنة لحل أزمة السيولة في شهر رمضان والتي تسببت في الازدحام على المصارف ورغم كل التحديات والصعوبات وعامل الوقت إلا أنها استطاعت توفير الوقت والقدر المناسبيْن منها حسب ما أتيح لها لتخفيف وطأة الأمر على الناس في هذه الأيام المباركة، مذكرا الليبيين بضرورة التكاتف والمودة.

وخلال لقائه مع أعيان درنة، أبرز حماد، أن الحكومة الليبية ليست بحاجة للمجتمع الدولي، وهي قادرة على بناء درنة بنفسها. وأضاف أن المجتمع الدولي مازال عاكفا على دراسات إعادة الإعمار، مشيرًا إلى أن الحكومة الليبية شارفت على الانتهاء من مشاريع إعادة الإعمار بدرنة، مردفا أن مخصصات إعادة إعمار المدينة متوفرة وأن الرجال يعملون ليلا نهار للانتهاء من الأعمال.

وشارك القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر، شباب مدينة بنغازي الاحتفال بعيد الفطر المبارك. وقالت القيادة العامة في بيان لها، عبر منصة فيسبوك، إن المشير حفتر حضر تجمعَ شباب بنغازي بالزي الوطني، الذي أقيم بساحة تيبستي، بحضور حشد كبير من شباب المدينة. وأدى الآلاف صلاة عيد الفطر المبارك.

وفي مدينة مصراتة، أدى رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة صلاة عيد الفطر، وتقدم بالتهاني إلى أبناء شعبه وعبر لهم عن أمانيه لهم بالخير والوحدة والاستقرار رغم ما وصفها بمحاولات التضييق والتشتيت، وخاطب الليبيين بالقول، “سامحونا على أي تقصير”، فيما أقرت وزارة المالية في حكومته، بأزمة السيولة، وأرجعتها إلى تداعيات استمرار نزيف الإنفاق الموازي الذي يعتمد بشكل مباشر على طباعة العملة المزورة، فضلا عن أزمة تغطية الاعتمادات التي تنفذها المصارف. وفق بيان لها .

واستغلت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات المناسبة لتأكيد عزمها على العمل الدؤوب من أجل تحقيق الأهداف الوطنية التي يتطلع إليها الليبيون لبناء دولة آمنة قوامها الديمقراطية وأهدافها الاستقرار والنماء.

وسعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا إلى بث البهجة في نفوس مواطنيها، حيث أعلنت في بلاغ لها أن شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز حققت “اكتشافا هاما في مجالي الغاز والمكثفات” في حقل استكشافي جنوب شرق حقل اللهيب، حيث أظهرت نتائج اختبار الإنتاجية أن البئر يمكن أن ينتج 16.8 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز و626 برميلا يوميا من النفط.

أسامة حماد: الحكومة الليبية ليست بحاجة للمجتمع الدولي
أسامة حماد: الحكومة الليبية ليست بحاجة للمجتمع الدولي

من جانبه، هنأ نجل ولي العهد إبان الحكم الملكي في ليبيا، محمد الحسن الرضا السنوسي، الليبيين بمناسبة حلول عيد الفطر، وكتب على حسابه بمنصة “إكس”: “نتوجه بأطيب التبريكات إلى الشعب الليبي الكريم وإلى الأمة الإسلامية جمعاء لمناسبة عيد الفطر السعيد، أعاده الله علينا وقد تخلصت بلادنا وأهلنا من كل الآلام والفواجع والنوازل، مبتهلين إلى الله العلي القدير أن يرفع عنا وعن وطننا شر المحن وأن يلهمنا سبيل الحق والفلاح والصواب. كل عام وأنتم بخير”.

وجاءت هذه التهنئة، بعد أيام قليلة من تأكيده أن عودة الحكم الملكي في البلاد، ستمنع حدوث أي انسداد سياسي، وقال في مقابلة مع جريدة “لوفيغارو”، الفرنسية أنه يجب أن يكون هناك إجماع على عودة الحكم، وأن تقبل أغلبية كبيرة به، مشددا على ضرورة أن ينظم حوار يشمل الجميع، بما في ذلك أبناء القذافي، قائلا “التسامح، وإلا فإن المصالحة ستكون مستحيلة”.

واعتبر السنوسي أن “الحوار الذي يجري تحت رعاية الأمم المتحدة هو حوار حسن النية لكنْ له حدود، لأنه مقتصر على قطاعات معينة من المجتمع” كما أشار إلى إجرائه اتصالات وصفها بالجيدة مع دول في المنطقة، مشيرا إلى أن لديه الإرادة والطاقة للقيام بهذه المهمة اليوم، قائلا: “لا أستطيع أن أقف مكتوف الأيدي وأشاهد بلدي يواجه خطر الاختفاء التام”.

ودعا السنوسي الليبيين إلى عدم التعجل في إجراء الانتخابات، وقال “لا ينبغي أن تعقد إلا بعد أن تهدأ التوترات” وأبدى أسفه “لأن الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى ترغب في إعادة إنتاج الأنظمة الغربية، التي لا يمكن أن تتوافق مع ثقافة ليبيا وقبائلها”.

وبمناسبة عيد الفطر كذلك،  دعا المبعوث الأممي عبدالله باتيلي إلى أن يكون العيد مناسبة لتعزيز قيم الإخاء والتسامح والسلام. وقال في رسالة تهنئة: “إذ أستحضر مظاهر التكاتف والتضامن التي أبداها الليبيون خلال شهر رمضان الفضيل، أرجو أن يشكل عيد الفطر لهذا العام نقطة انطلاق نحو تجاوز الانقسام السياسي ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة”، مثمنا ما وصفه بصمود الليبيات والليبيين وإصرارهم على تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في بلد موحد ومزدهر.

كما أكدت الولايات المتحدة، التزامها بالعمل مع جميع الليبيين لبناء مستقبل مشرق وتعزيز العلاقات بين الشعبين. وعبرت في تهنئة نشرتها السفارة الأميركية لدى ليبيا عن فخرها بالشراكة التي تجمعها مع المجتمعات الليبية في الشرق والغرب والجنوب.

المفوضية الوطنية العليا للانتخابات استغلت المناسبة لتأكيد عزمها على العمل الدؤوب من أجل تحقيق الأهداف الوطنية التي يتطلع إليها الليبيون

وقالت: “في هذا الوقت الذي يجتمع فيه الليبيون للاحتفال بهذه المناسبة المهمة مع أسرهم ومجتمعاتهم نود أن نؤكد التزامنا الراسخ بالعمل مع جميع الليبيين لبناء مستقبل مشرق وتعزيز العلاقات بين شعبينا. نحن فخورون بالشراكة التي تجمعنا مع المجتمعات الليبية في كل من الشرق والغرب والجنوب بهدف تحقيق هذه الأهداف”.

وبحسب مراقبين، فإن احتفالات العيد في ليبيا تمت في أجواء آمنة، وفي ظل مسحة من التفاؤل بقدرة الليبيين على تجاوز أزمتهم المتفاقمة، وأن هناك بوادرَ للخروج من النفق بعد أن باتت هناك قناعة لدى الفرقاء بأن الأوضاع لا يمكن أن تتواصل على ما هي عليه إلى ما لا نهاية.

وقال أستاذ القانون الدولي محمد زبيدة، إن عودة الملكية في ليبيا شبه مستحيلة، وحديث نجل ولي العهد إبان الحكم الملكي في ليبيا الأمير محمد الحسن الرضا السنوسي، عن أبرز دوافع دعوته إلى عودة الملكية يأتي في إطار الاستهلاك الإعلامي.

وأضاف زبيدة أن العودة للملكية هو أمر بعيد كل البعد عن الواقع، خاصة أن السنوسي لا يعرف أي تفاصيل عن تركيبة ليبيا، وما دار في البلاد طوال عقود، وحتى الآن.

وتابع أن التحذيرات التي تتعلق بـ“بتقسيم ليبيا” تنطلق من المخاطر التي تعيشها الدولة، لكنها غير منطقية، نظرا للعديد من الأسباب التي تمنع تقسيمها.

وأوضح زبيدة أن ليبيا تفتقد للمقومات التي تساعد على التقسيم ومنها التنوع العرقي أو الإثني، ما يعني استحالة عملية التقسيم في ظل التداخل القبائلي والمناطقي والتاريخ المشترك.

وبين أن استقرار ليبيا لا يزال بعيد المنال بسبب استمرار نفس الأسباب القائمة منذ سنوات والمتمثلة في انتشار السلاح.

4