دراما العائلات المفككة

تريد أبناء متوازنين نفسيا وسلوكيا، كن لهم قدوة حسنة وأصلح نفسك حتى وإن كنت قبل إنجابهم أسوأ السيئيين.
الأربعاء 2024/03/27
أعمال أظهرت الابن في صورة المتمرد

يحكى في كتب الحديث أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر بن الخطاب الابن وأنّبه على عقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليست للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (القرآن). فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئا من ذلك: أما أمي فإنها زوجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا (جعرانا)، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا. فالتفت أمير المؤمين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.

هذه القصة تعرض لنا جزءا بسيطا، هو أساس حقوق الأبناء على آبائهم وحتى أمهاتهم أيضا فاختيار الشريكين لبعضهما وسلوكهما في تربية الأطفال تترتب عليهما حياة الأبناء من بعد، وتمتد آثارهما إلى أجيال ربما.

حول هذه القصة، تدور مسلسلات كثيرة تعرض في السباق الرمضاني الحالي، منها مسلسل “بابا جه” و”أعلى نسبة مشاهدة” و”ولاد بديعة” و”إمبراطورية ميم” و”عتبات البهجة” و”فلوجة” وغيرها من المسلسلات التي اهتمت في جزء كبير منها أو كلها بالعائلة، وتحديدا بالوالدين (أو المعيل أيا كان) وتأثيرهما وتأثرهما بالأبناء.

ركزت أغلب هذه المسلسلات على أن أخلاق الأبناء تتدهور، وأظهرت الدراما على أنها صورة مصغرة للواقع، لكنها أضاءت على مشكلات عديدة تؤكد أن الأبناء مرآة الوالدين، وأن الولد يجني ثمار ما زرعه والداه في نفسه وشخصيته.

من هذه الصور، صورة الأم القاسية في مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة”،(الممثلة انتصار) الأم التي تفرق بين بنتيها (ليلى زاهر/ سلمى أبوضيف)، الأم الجاحدة التي تنهال على ابنتها بالسباب والشتائم كلما لمحتها، تنعتها بأبشع النعوت، تكيل لها التهم، تستفزها لتخرج أسوأ ما فيها، وحين تخطئ الفتاة محاولة تغيير أوضاع أسرتها، تصبح هي المذنبة الوحيدة.

في مسلسل “بابا جه”، تأتينا الرسالة الكوميدية منذ الحلقات الأولى، فخلال درس مدرسي بحضور الأولياء لتعليم الأطفال ثقافة العطاء والاستغناء، تسأل طفلة ما الشيء الذي لا تحتاجه في حياتها (مالوش لازمة) وتريد التبرع به فتجيب دون تردد “بابا”. ثم تكشف لنا كاميرا المخرج خالد مرعي كيف يُقابل هذا الأب المستغنى عنه بحفاوة وسعادة من طفل آخر يتيم الأب يُعرب عن رغبته بالحصول على هذا الأب.. تتوالى الأحداث فيعمل هذا الأب الفاشل في منزله، أبا بالإيجار لدى الأطفال المحتاجين، حتى يخوض نقاشا مع ابنته فتخبره أنه لم يعاملها يوما مثلما يعامل من يدفعون له المال، وتعرض عليه مدخرات “حصالتها” عله يحسن معاملتها ويمضي وقته معها.

أما في مسلسل “ولاد بديعة”، فالمشكلة تتجاوز العائلة الوحيدة، فهي مشكلة عائلات جميعها مفككة، وجميع الأولياء فيها جنوا على أبنائهم، ورسموا لهم طرقا مليئة بالشوك والانحراف الأخلاقي والنفسي. ورغم أن هذا المسلسل سوري، عكس المثالين الأولين القادمين من مصر، إلا أن الوضع يشبه كثيرا أغلب المجتمعات العربية.

في تونس أيضا، لا يزال مسلسل “فلوجة” بموسمه الثاني يعري مشكلات التربية والتواصل داخل العائلات، والتي تؤدي إلى كوارث وانحرافات سلوكية خطيرة.

أغلب هذه المسلسلات أظهرت لنا أبناء متمردين، ظالمين، بسلوك منحرف، بطاقة شر رهيبة، بأخلاق منعدمة، فبدت هناك حلقة مفقودة، وهي أن الابن مرآة سلوكية لوالديه، هما أول من يرسمان ملامحه، وهما أول من يزرعان أرضه العذراء. وينطبق على ذلك المثل الأردني القائل “الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون”، تريد أبناء متوازنين نفسيا وسلوكيا، كن لهم قدوة حسنة وأصلح نفسك حتى وإن كنت قبل إنجابهم أسوأ السيئيين.

18