انتكاسة جديدة لسيادة الدولة: معبر رأس اجدير خارج سيطرة السلطات الليبية

عاد التوتر مرة أخرى على الحدود التونسية- الليبية، حيث أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا، سحب موظّفيها من معبر رأس اجدير الحدودي مع تونس معلنة أنه خرج عن السيطرة، بعد اقتحام مسلحين للمعبر.
رأس اجدير (تونس) - فقدت السلطات الليبية سيطرتها على معبر رأس اجدير الحدودي مع تونس، وقامت بسحب الموظفين العاملين بمديرية الأمن ومركز الشرطة ومصلحة الجوازات والجنسية من المعبر حفاظا على الأرواح والممتلكات، وبنقل أجهزة الكشف الآلي “سكنر” باهظة الثمن، إلى داخل الأراضي التونسية.
وأبلغ وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، كلا من النائب العام الصديق الصور ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة بمجريات الأحداث التي وقعت وإغلاق المعبر لحين إشعار آخر، وذلك بعد قيام مجموعات مسلحة خارجة عن القانون بتحشيدات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مما شكل تهديدا مباشراً على الأعضاء العاملين بالمعبر.
وقال الطرابلسي خلال لقائه قيادات وزارة الداخلية في طرابلس مساء الأربعاء “سنستعيد السيطرة على المعبر حتى ولو اضطر الأمر لاستخدام القوة، ننتظر قرارات السلطات العليا بالدولة حول هذا الموضوع”.
وشهد معبر رأس اجدير في الليلة الفاصلة بين يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين اشتباكات عنيفة بين قوات إنفاذ القانون التابعة لوزارة الداخلية الليبية، وما يسمى بغرفة القوات العسكرية التابعة لبلدية زوارة التي تبعد حوالي 40 كلم عن الحدود مع تونس والتي بسطت نفوذها على المعبر منذ الإطاحة بالنظام السابق 2011 ورفعت فوقه علم الأمازيغ.
وقالت وزارة الداخلية إنها قررت غلق معبر رأس اجدير الحدودي مع تونس فورا بعد تهجم مجموعات خارجة عن القانون على المعبر، لإثارة الفوضى وإرباك العمل، وأكدت أن تلك المجموعات أقدمت على هذا العمل بعد منع تجاوزات كان يراها من وصفتهم بضعاف النفوس حقاً مكتسباً.
وأشارت إلى أن الأجهزة الأمنية التي كلفت بتأمين المعبر كانت لمنع التهريب ومكافحة الجريمة والتجاوزات الأمنية التي تحصل لكي يسير العمل بالمنفذ بشكل انسيابي، وتابعت أن التعليمات اتخذت لوضع الترتيبات الأمنية لإعادة المنفذ للعمل من قبل الأجهزة المختصة.
وأكدت الوزارة أنها لن تسمح بالفوضى في المنفذ ولابد أن يكون تحت سلطة وشرعية الدولة، معتبرة أن العمل الذي قامت به هذه المجموعات الخارجة عن القانون، لن يتم السكوت عنه وستتخذ الإجراءات القانونية وأشد العقوبات على الضالعين فيه.
وكان الطرابلسي، أعلن في 12 ديسمبر الماضي، التوصل إلى حل جذري ونهائي للمشاكل التي تواجه المنافذ البرية بين ليبيا وتونس، وأن معبر رأس اجدير أصبح يدار من قبل وزارة الداخلية وتحث سلطة الدولة، وأضاف خلال مؤتمر صحفي عقده في منفذ رأس اجدير مع وزير الداخلية التونسي كمال الفقي أن الوزارة تعمل على تطوير المنفذ من خلال توفير الاحتياجات التشغيلية والتقنية الضرورية، وقال مثلما نجحنا في ميناء مصراتة وميناء طرابلس ومطار معيتيقة، اليوم نجحنا في منفذ رأس اجدير، إذ أصبح يتبع وزارة الداخلية بالكامل، بعد تغيير كل المناصب داخل المعبر، مؤكدا أن الوزارة تعمل بمهنية وأداؤها بعيد عن الجهوية والقبلية.
وأشار الطرابلسي إلى وجود شبكات تهريب كبيرة بين الجانبين الليبي والتونسي تتعاون في تهريب البشر والوقود والأموال والمخدرات وأنه تم تحييد عدد كبير من هذه الشبكات بالتعاون مع الجهات التونسية، مردفا أنه يجرى العمل حاليا على تركيب أبراج مراقبة على طول الحدود الليبية – التونسية المشتركة، مؤكدا أن قوات الدرك التونسي تتعاون مع الجهات الأمنية الليبية بشكل كامل.
ويتحول المعبر ليلا إلى فضاء فسيح للتهريب بين البلدين وخاصة تهريب الوقود من ليبيا إلى تونس، كما تفرض الميليشيات المسيطرة عليه إتاوات على العابرين وتجبرهم على دفع رشاوى، وهو ما يجعل منه غنيمة لمن يبسط عليه نفوذه.
وبحسب مصادر محلية، فإن ميليشيات زوارة استعادت السيطرة على المعبر، وقامت بطرد القوات الحكومية التي كانت تهدف إلى تنفيذ القانون وتأمين المنطقة الحدودية ككل بما فيها المعبر، كما قامت بالقبض على عدد منهم لمدة ساعات قبل الإفراج عنهم بتدخل من المجلس البلدي.
وعبّر المجلس البلدي لبلدية زوارة عن استيائه الشديد من الاشتباكات التي حصلت في معبر رأس اجدير، محمّلا الحكومة ووزارة الداخلية والجهات الساهرة على تسيير المعبر المسؤولية الكاملة عن ذلك. وقال المجلس إنه فوجئ بقرار غلق المعبر، معتبرا أن هذا القرار فردي ممن لا يملك الاختصاص بقفله وسحب الأختام، لافتا إلى أن هذه الأحداث أظهرت توجه وزير الداخلية نحو دفع المنطقة إلى حرب يسعى لإشعالها عدة مرات، على حد تعبير البيان.
ودعا البيان، حكومة الوحدة الوطنية إلى التدخل ووضع حد لما وصفها بالتجاوزات والاستفزازات الصريحة التي تصدر عن وزير الداخلية، مهددين بشن عصيان مدني شامل وقطع التواصل وإيقاف العمل في جميع المؤسسات من مليتة شرقا حتى رأس اجدير غربا. وترى أوساط مطلعة، أن الحكومة تراخت في التصدي لسيطرة المسلحين على المعبر، خشية تطور الأزمة وتحولها إلى نزاع عرقي مع الأمازيغ، وهو ما جعل بعض الأطراف تدعو إلى فتح معبر “العسة” بدلا من رأس اجدير.