أسامة داوود ينقل عبر "روتين" تحديات الحياة في سوريا

قصص واقعية عن الفقد والاعتقال والصراع المستمر مع العواطف.
الاثنين 2024/03/11
تجربة سينمائية فريدة

يستخدم المخرج السوري أسامة داوود تقنيات سينمائية متنوعة مثل الإضاءة والصوت لنقل مشاعر يعيشها السوريون في حياتهم اليومية مثل الخوف والتعاطف، كما يعتمد على الحوارات الإنسانية ولحظات الصمت لجعل المشاهدين يتعاطفون مع الشخصيات التي تواجه تحديات الحياة اليومية وصعوباتها.

الرباط - استطاعت السينما أن تخترق الواقع بأفلامها التي تسلط الضوء على معاناة الشعب السوري والتحديات التي يواجهها يوميا من خلال عدسة المخرجين والمخرجات السوريين التي تعرفنا على رؤى فنية تجسد تجارب الحياة والصمود في وجه الصعاب.

ويعكس بعض هذه الأفلام واقع الاعتقالات والفقد الذي أصاب شباب وأسر سوريا، مسلطا الضوء على الصراعات الداخلية وتأثيراتها النفسية والاجتماعية. وبواسطة الفن السابع، يأخذ المشاهد فرصة لاستكشاف عوالم مجهولة من التحديات والألم، وذلك من خلال تجارب شخصيات تعكس معاناة الكثيرين.

أحد هؤلاء المخرجين، السوري أسامة داوود الذي يحكي في آخر أفلامه “روتين” ألم الفقد والاعتقال في ظل الأزمات.

"روتين" فيلم يقدم رسالة قوية حول القوة الداخلية والقدرة على التغلب على الصعاب والتحديات النفسية
"روتين" فيلم يقدم رسالة قوية حول القوة الداخلية والقدرة على التغلب على الصعاب والتحديات النفسية

ويصنف هذا الفيلم بين الأفلام التي تنقل رسائل وقصص الأفراد، مساهمة في تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية والتحديات التي يواجهها الناس كمحاولة لفهم عميق للحياة اليومية في ظل الظروف الصعبة.

يروي فيلم “روتين” حكاية قصي الشاب الذي يعيش هواجس الاعتقال والفقد في روتين يومي من العذاب. والفيلم من تمثيل أحمد خليل، الشيخ خليل، زينة الحريري، ندى عبود جوليا الرامي، وغسان حداد.

 يقوم المخرج السوري أسامة داوود بتوجيه الانتباه إلى تجربة قصي كي يشعر المشاهد بالتأثر العميق والتفاعل مع الشخصية، وفي حديثه مع صحيفة “العرب” يقول: “في كل قرية من بلدي، يوجد قصي، شخصية واقعية وحقيقية، تتجلى رغباته وأمانيه من خلال سرد واقعي في الفيلم، وتصل معاناته بقوة إلى المشاهدين، حيث يعيش قصي في واقع صعب بعد تعرضه للاعتقال في وقت سابق، ويتجلى صراعه وعواطفه في كل دقيقة من الأحداث بوضوح”.

ويضيف: “استخدمت تقنيات سينمائية مثل الإضاءة والصوت لإيجاد مشاعر محددة مثل الخوف والتعاطف مع قصي، كما استخدمت الإضاءة المظلمة ليظهر الجو المظلم والمشاعر السلبية التي تعيشها الشخصية. والحوارات الإنسانية بين قصي والشخصيات الأخرى، ولحظات الصمت التي يعيشها البطل ونظراته جعلت المشاهدين يتعاطفون ويرتبطون بشخصيته”.

ويستخدم المخرج السوري أسلوبا خاصا به في الإخراج لتعزيز التفاعل العاطفي والتأثير النفسي للمشاهدين، ويعبر عن ذلك بقوله: “يعتمد فيلم ‘روتين’ على عدة أساليب في الإخراج لتعزيز التفاعل العاطفي والتأثير النفسي للمشاهدين. فقد استخدمنا الإضاءة والألوان لخلق تأثيرات مختلفة ننقل بها مشاعر معينة، كما استخدمنا تقنيات التصوير المبتكرة مثل الزوايا المختلفة والتصوير البطيء ونمط اللقطة الطويلة لإظهار العواطف وروح القصة باختصار، كما استخدمنا العديد من الأساليب والتقنيات لدمج العواطف والتأثير النفسي في تجربة المشاهدة”.

وفي حديثنا عن الهدف من إيصال رسالة معينة بخصوص الاعتقال والفقد، يوضح أسامة داوود: “الهدف الرئيسي من الفيلم هو تسليط الضوء على قضايا الاعتقال والفقد، فهو تجربة فردية وفريدة لكل مشاهد، إذ ينطبق على الشخص الذي يشاهده أو لديه شخص مر بنفس تجارب البطل قصي، كما يفتح المجال لتمكين المشاهدين من استكشاف الموضوعات واستخلاص معنى مختلف عن المعتقلين والمعتقلات”.

ويستخدم المخرج أسامة داوود العناصر البصرية والصوتية لخلق جو مناسب يعكس جوانب العذاب والانكسار في الفيلم حيث يوضح ذلك بالقول: “وظفنا العناصر البصرية والصوتية بعدة طرق، على سبيل المثال استخدمنا التصوير البصري المظلم واستخدام إضاءة معتمة وألوان داكنة لخلق جو من الكآبة والانكسار، وكذلك التركيز على الظلال واللمعان لإبراز جوانب العذاب، كما استخدمنا الإطار الضيق لتقييد الرؤية بحيث نجعل المشاهد يشعر بالضيق والانغماس في أعماق الشخصيات، كما لعب الصوت دورا فعالا بالفعل، فالأصوات الحزينة والتأثيرات الصوتية المثيرة للحزن تزيد من طبيعة الواقع القاسي للمشاهد”.

ويضيف عن أهمية استخدام الموسيقى التصويرية: “تم استخدام الموسيقى بشكل مميز، إذ تم اختيار القطع الموسيقية بعناية لتعزيز الجو العام للفيلم، والعواطف التي تستفزها المَشَاهد، لتسليط الضوء على تطورات مهمة في القصة وتوضيح الحالات الذهنية، إذ تؤثر اختيارات الموسيقى في الفيلم بشكل كبير على تجربة المشاهدين، حيث تستخدم لتعزيز العواطف والمشاعر وتساهم في خلق أجواء توتر ورفاهية، فعندما يتم استخدام الموسيقى بشكل جيد، قد يشعر المشاهدون بتأثير عميق للحظات مختلفة في الفيلم ويعيشون التجربة بشكل أكثر اندماجا”.

الموسيقى استخدمت بشكل مميز، إذ تم اختيارها بعناية لتعزيز الجو العام للفيلم، والعواطف التي تستفزها المشاهد

واجه المخرج مجموعة من التحديات التقنية أثناء التصوير والإنتاج لتحقيق تأثير مركب وعميق على المشاهدين، ويعبر عن ذلك بقوله: “كان هناك مجهود كبير من الفريق الفني والتقني والممثلين للتغلب على التحديات التقنية وتحقيق تأثير مركب وعميق يضيف قيمة إلى القصة ويثير إعجاب الجمهور”.

وينوه بأسلوبه قائلا: “أنا مستمع ماهر وكوني كاتب سيناريو ومخرجا أعترف بأنني استفدت بشكل كبير من هذه المهارة، وأنا أسعى لتقديم تجربة رائعة وممتعة للمشاهدين”.

ويركز المخرج السوري على الأداء التمثيلي لتحقيق التأثير المرجو حيث يوضح أنه: “تم التركيز على التمثيل الممتاز وجودة الأداء، وتم اختيار الممثلين بعناية لضمان تفهمهم العميق لشخصياتهم وتقديم أداء يضفي قوة ومعنى على الشخصيات”.

ويضيف: “قبل بدء عملي على فيلم ‘روتين’ درست العديد من القصص واستمعت للعديد من الأشخاص، كما قرأت الكثير من الكتب والروايات التي تناولت قضايا مماثلة. أتابع الكثير من الأفلام في جميع الأوقات، ولكن قبل الشروع في أي مشروع، أتجنب المشاهدة، لأنني لا أفضل التأثر المباشر بعمل ما”.

ويختم أسامة داوود حواره مع “العرب” بقوله: “الفيلم يقدم رسالة قوية حول القوة الداخلية والقدرة على التغلب على الصعاب والتحديات النفسية، ويسعى إلى إلهام المشاهدين للعثور على الأمل والشجاعة في مواجهة الأوقات الصعبة والحفاظ على الإرادة والقوة الداخلية للمضي قدما، وعلى الرغم من أن تأثير الفيلم على المشاهدين يعتمد على تفسيراتهم الشخصية وتجاربهم السابقة، قد يترك للمشاهدين الرغبة في التغيير والنمو الشخصي، وتعزيز الإيجابية والتفاؤل في حياتهم”.

14