ما الذي أنجزته الرواية النسوية العربية

في العقود الأخيرة علا صوت المرأة أكثر في ما يكتب من أدب وخاصة منه الأدب الروائي. فلم تعد المرأة رهينة الشخصية التي يرسمها لها الكتّاب الرجال، بل صار لها صوتها لترسم صورتها الخاصة بعيدا عن النمطية، وتجاوزت المرأة ذاتها لتكون عنصرا فاعلا في الأحداث ونحت الأفكار والتصورات الكبرى للمجتمعات والسياسات وغيرها، ما خلق خطابا نسويا أكثر عمقا وتجذرا.
لطالما كانت الشخصية الأنثوية في الرواية العربية بالعموم والرواية التي تكتبها المرأة بالخصوص تابعة للوصاية الذكورية بقوة، لتمسي النسوية مقصية إلا إذا صرّحت بتفوق الرجل وتميزه وسعت إلى تقليده، شاعرة بأن وجودها لن يتحقق إلا بوجوده.
واستمرت الثقافة النسوية في توجهاتها ذكورية، تنظر إلى المرأة نظرة تنتقص من أنثويتها وتحصرها في إطار اتباعي، بوصفها نقيصة وخطيئة، بناءً على مرجعيات ثقافية وميثولوجية معينة. ولا ريب في أن حرمان المرأة من إثبات أنثويتها في الآداب الإنسانية قديمها وحديثها، مرده إلى الاستحواذ الذي مارسته الذكورية، مستغلة تسامح الأمومة وتنازلها، وهو ما كان سببا في مأساتها ومصادرة سلطتها.
بيد أن الرواية النسوية العربية في مرحلتها ما بعد الحداثية اتخذت توجهات ومسارات لم تكن في المراحل السابقة قد عرفتها أو خاضت تجلياتها، وصارت المرأة أكثر انحيازا للصوت الأنثوي، وهو أمر لم يتحقق بيسر.
النزوع الأنثوي
الرواية النسوية المعاصرة قطعت أشواطا مهمة وهي تتقدم باتجاه إعلاء شأن المرأة وتوكيد فاعليتها الحياتية والثقافية
لقد سعى منظرو ما بعد الحداثة نحو توكيد حقيقة النسوية ونزعتها الأنثوية، وتحدثوا عن الهيمنة والتبعية والاستحواذ والمركزية والإعاقة والتحديق والتمثيل والتابع والمتبوع والجندر والسبيورغ والهجانة والجنوسة، بيد أن السمة الأنثوية تظل هي الملازمة للمرأة دوما، إذ لا يمكن للرجل الكاتب أن يتمثلها إبداعيا ولهذا بإمكاننا الحديث عن كاتب نسوي وشاعر نسوي، بينما لا نتحدث عن كاتب أنثوي أو شاعر أنثوي.
من هنا تكون مهمة النسوية عويصة أمام الذكورية فخطاب المرأة لا بد أن يكون مركزيا وأموميا، كإستراتيجية ذات فاعلية جديدة وعملية ثقافية مغايرة، تحاول زحزحة الأسس العتيدة للفحولة ومعاييرها، طارحة تساؤلاتها بحرية منحازة إلى ذاتها، غير محتاجة إلى انتحال صوت الذكورية، وهذا ما نجد تمثلاته في الرواية النسوية العربية المعاصرة.
ويبدو أن عوامل الإقصاء والتهميش والمصادرة مجتمعة هي التي جعلت الأنثوية سمة تكوينية تميز هذه الرواية فتواجه النسوية التحديات على شتّى الأصعدة، مؤمنة أن هذه السمة التي كانت يوما ما سببا في دونيتها وتبعيتها، هي التي ستكون سلاحها الثقافي الذي به تسترد قيمتها، وتؤكد هويتها بمركزية واضحة وجلية.
ومن الطبيعي أن تحاول الكاتبة العربية المعاصرة، مقاومة التبعية الذكورية كي لا تعطي الحق للرجل في التسيد، ومن صور المقاومة الصورة الثقافية التي تصمم على تهشيم الاعتداد والتعالي، ونبذ وجهة النظر التي ترى المرأة قابعة تحت ضغط المعاناة الواقعية من قبيل أن النساء مجبولات على المطاوعة والتسليم، وأن الطبيعة هي التي قد حكمت عليهن بذلك.
فالمرأة في الرواية النسوية لم تعد تهادن الذكورية، بل صار لها جوهرها الخاص الذي يراوغ ويحرّض على صناعة واقع جديد يغاير الرؤية المعتادة التي تحاول أن تثبت أن كل ما تسعى النسوية إلى إظهاره هو ضرب من الأحلام الدونكشوتية، وأن المرأة ليس باستطاعتها استنطاق ذاتها وتمثيلها أنثويا.
غدا النزوع الأنثوي في الكتابة النسوية ما بعد الحداثية، بمثابة الصوت الذي يحرض كيانها ويستنهض الانتفاض ويؤججه داخلها، فلا تتنازل بل تشخص وتكاشف وتحرض، وسلاحها فاعلية ذاكرتها في تعرية الواقع والغوص في مجاهيل نظامه البطرياركي، ليكون كفاحها من أجل ذاتها هو تمثيلها المنطقي لحقوقها ومنها أمومتها التي فيها وجودها الحقيقي، ومن خلالها تستعيد حلما غابرا في مسار تاريخها الطويل.
الجسد والعقل والصوت
لا خلاف في أن لتمثيل النسوية في صورتها الثقافية المتمثلة بالكتابة الروائية أشكالا مختلفة، منها: أولا الجسد، وله في الإبداع الروائي الذي تنتجه الكاتبة العربية تمثيلات تعبر من خلالها عن صوتها، كذات مؤنثة ترفض التلبس بالذكورة، متعالية على التبعية، ومتبرمة من الخضوع للمنظومة الثقافية البطريركية. ليكون الصوت النسوي صدى جسدها. وللغة والكتابة أن تكونا فاعلتين بالإرادة والثورة.
ولا غرابة في أن نجد في الرواية الواقعية تفكرا يخرج بالمرأة عن مواضعات الجنس والجسد والخطيئة والشهوة، ناظرا إليها بإيجابية تدحض بعض المسلمات الاجتماعية، لاسيما حين يكون المفكر في المرأة هو الرجل كما في رواية “عالم بلا خرائط” لجبرا إبراهيم جبرا وعبدالرحمن منيف وفيها يرى السارد المرأة أصلا “المرأة هي بداية الخليقة هي كل المتعة وهي أصل الأشياء قبل آدم”، وهذا التصور بالطبع يعاكس ما تنص عليه اللوائح والمدونات الذكورية.
ثاني تمثلات النسوية العقل، إذ تذهب الفيلسوفة جينيف أويد إلى تحليل طبيعة العقل من أرسطو إلى سيمون دي بوفوار، فترى أن العقلانية ارتبطت بالذكورية التي تنظر إلى المرأة على أنها ليست عقلا، وهي من الناحية الرمزية متسمة بعدم العقلانية والرجل متسم بالعقلاني. وهذا ما ترفضه النسوية التي ترى المرأة فاعلة وواعية تقتحم الحياة بجرأة تبغي إنجاز مشروع يعطي قيمة لفكرها كي تضارع الرجل، ولعلها تتجاوزه متغلبة على عصور سحيقة من الاستبداد والدونية.
وقد استطاعت الروائية العربية أن ترتقي في بعض الأحيان بالمرأة إلى أن تكون مؤدية لأدوار فكرية لا تختلف في أهميتها عن أدوار الرجل، مما نجده من سطور فكرية تبثها الساردة في تضاعيف السرد كمداخلات هنا أو هناك وقد تجعلها على لسان إحدى الشخصيات النسوية كما في رواية “السقوط في الشمس” لسناء شعلان التي فيها تعيش البطلة حالة من التشظي ما بين ذاتها والآخر الذي تراه تارة مضطهدا لها ومستغلا لضعفها متجبرا عليها، وتراه تارة أخرى أنيسا وعطوفا.
وقد يدفع الارتكان إلى العقل نحو الإحساس بالقدرة على النقد واتخاذ موقف مناسب إزاء الواقع المعيش، كما هو حال الساردة المثقفة في رواية “أنثى غجرية” لرسول محمد رسول، فقد كانت قد قرأت كتبا فلسفية كثيرة باحثة في كل ذلك عما يعزز قدرتها على مواجهة عوقها الأنثوي. واستيعابها للفلسفة النسوية يجعلها قادرة أكثر على اختيار المفاهيم ومناقشتها.
وقد يغدو التفكر النسوي عبارة عن هذيانات واستدلالات تُظهر الذكورية غير لائقة بالأنثوية، كما في رواية “بريد الليل” لهدى بركات، التي فيها يكون الليل هو الحد الفاصل، الذي به تتحقق رغبة الأنثى في الانتقام ورغبة الذكر في الاستحواذ. والكثير من الأفكار النسوية تبث في هذه الرواية على شكل عبارات مبتسرة، وفيها تناصب المرأة الهيمنة الذكورية العداء تفكرا في المكان واتساعا في الوجود وتماهيا في الذات. فمثلا يتغشى بصر بطلة رواية “سيدات زحل” للطفية الدليمي ببصيرة خاصة بها تتلمس طريقها في العتمة وقد غيّرت الأماكن مواقعها.
الروائية العربية استطاعت أن ترتقي بالمرأة لتكون مؤدية لأدوار فكرية لا تختلف في أهميتها عن أدوار الرجل
ومن ذلك أيضا التأزم الفكري بمفاهيم سياسية واجتماعية تتصل بالاستعمارية والرأسمالية والماركسية والإنسانية الجديدة والمادية والآلة ورأس المال ونظريات الإرهاب الفردي والجماعي والثورية في حركة الشعب والمشاعية في حركة الأفراد.
ثالثا: الصوت، وبه تغامر المرأة بثقة وتتحدى بقوة، كي تصنع سرديتها الجمالية التي توسم بأنها نسوية، مؤشرة على نضج تجربتها وعلو كعبها في عالم الإبداع ولاسيما عالم الرواية.
ويتجلى النزوع نحو مركزة الصوت النسوي في توظيف الشخصية ساردة أو بطلة أو كليهما معا، كذات مؤنثة، تتكلم بضمير الأنا متجاوزة حالة الخوف معبرة مباشرة عن نفسها، من دون حاجة إلى سارد خارجي يتولى عنها البوح والإعلان، ومن هذا النزوع أيضا البناء الدائري، بالتناوب ما بين قصتين ترصد القصة الضمنية منها القصة الإطارية. وهو ما مثّلته رواية “في فمي لؤلؤة” التي قامت على بنية دائرية، وبشكل إرصادي فيه قصة رئيسة أو إطارية بطلتها شمسة، وقصة ضمنية بطلاها مرهون وآمنة.
قامت المؤلفة بجعل القصة الإطارية ذات بطولة نسوية خالصة تسرد بضمير الأنا بينما تكون الضمنية ذات بطولة ذكورية وأنثوية تسرد بضمير الغائب وتتعمد جعل الشخصيات النسوية مصرة على التحرر وعدم الاستسلام لما هو معتاد وقدري. وفي هذا تحد للأنثى في معرفة مدى بسالتها في المواجهة وجدارتها في امتلاك زمام السرد بقوة وإصرار، ممركزة صوتها على حساب الآخر. وهذا ما يجعل رؤية العالم نسوية تتيح للمرأة أن تتحول إلى فارسة تقتحم أسوار القلعة التي استبعدتها دهرا طويلا، ليكون لها صوتها المنفرد ونصها الأنثوي المبدع ولغتها السيادية الخاصة.
تحولات روائية
أما على صعيد التحولات، فإن الرواية النسوية المعاصرة قطعت أشواطا مهمة وهي تتقدم باتجاه إعلاء شأن المرأة وتوكيد فاعليتها الحياتية والثقافية. وللمرأة الأديبة أثر مهم في أن تكون للرواية العربية سمتها النسوية التي تفترق في أهدافها وتوجهاتها عن الرواية الذكورية. وفيما يأتي بعض تلك التحولات.
أولا النزعة الاقتحامية وفيها تمحور المرأة فاعلا وموضوعا ودالا ومدلولا وقيمة وجسدا، وهذا يعني التحول والتغاير تجسيدا لغاية منطوية على المراجعة وإعادة النظر، وبما يحوّل الحاضر إلى موضع للتجربة وامتلاك القوة.
ثانيا مناصرة البيئة، إذ ما من سبيل أمام النسوية لاستعادة إرثها إلا بتوكيد ماهيتها. ولأن الكون عام أو عمومي لذا تغدو البيئة سبيلا فيه تستعيد النسوية طبيعتها وهو ما يسمى بالنسوية البيئية أو الإيكولوجية وفيها يكون الوعي النسوي متفاعلا مع البيئة ومهتما بمفاهيم البيئة المستدامة رافضا التدمير البيئي والتلوث الإشعاعي ومعترضا على تجريف المساحات الخضراء والاحتباس الحراري والنفايات النووية.
ثالثا الالتصاق بالمكان وهو ما نجده في الرواية النسوية الفلسطينية وفيها جسدت المرأة الواقع اجتماعيا وسياسيا وعسكريا في كل ما يتعلق بالاحتلال الصهيوني والتشتت في المخيمات والمعسكرات ومناطق اللجوء والإيواء والارتحال.
وكل ذلك يجري عبر استدعاء التاريخ وتوظيف الذاكرة ففي رواية “ترانيم الغواية” لليلى الأطرش نجد البطلة العمة ميلادة أبونجمة امرأة مسنة بذاكرة شائخة مهددة بالزهايمر، لكنها مع ذلك حية ومتجددة بالذكريات تتحدى المحو وهي تريد احتواء الآخر (من قال إن الزهايمر يمكن أن يهزم امرأة مثلها؟ تزهو بالذكرى وتنتعش بعنفوانها) وكلما استدعتها بدت فاعليتها قوية تقاوم النسيان ومفعمة بالتفاصيل المتدفقة على الدوام، والذي يحفز العمة على الاستدعاء هو الهجرة بدءا بهجرة أبيها سالم إلى تشيلي ثم هجرة أخويها وابن أخيها إلى أميركا.
وما بين الهجرة والعودة تغدو ذاكرة العمة منيعة لا مخرومة، وهي تسترجع تفاصيل هجرة أخويها إبراهيم وحبيب غير الشرعية وكيف عملا في سفينة شحن صغيرة إلى أن حصلا على الجنسية بالتبعية.
وفي رواية “حبي الأول” لسحر خليفة تندمج الذاكرة بالخيال كتوأمين بهما يزدوج حضور البطلة بغياب الحبيب، فتتساءل بحدس أنثوي “أليس غريبا أن نعيش الخيال كما لو كان جزءا منا من حاضرنا من ماضينا كما لو كان كلا فينا؟ أليس غريبا أن نتذكر ما ليس لنا؟ أليس غريبا أن نشعر بالحب لمن رحلوا وعادوا إلينا بورق وصور؟”.
ومن أساليب الالتصاق بالمكان الحملقة والتحديق كما في رواية “أصل الهوى” لحزامة حبايب وفيها كانت الحملقة سلوكا باتجاه المقاومة وتأكيد حق العودة. وتمتعت ميلادة أبونجمة بهذا السلوك سواء في نظرتها للآخرين أو في نظرة الآخرين لها كإنسانة متفردة ومختلفة عن بنات جيلها “إذا مرت في طريق أو دخلت مكانا تابعتها عيون النساء قبل الرجال”.
وللمكان تأثيره المهم في إصرار المرأة على العودة ففي رواية “حبي الأول” لسحر خليفة تغدو فلسطين هي دار العيلة التي لا بد من العودة إليها، وتسرد البطلة ( نضال) كيف فارقت فلسطين عقودا وعاشت في غربة وارتحال.
وبالرغم من فجاعة هذا الواقع فإنه لا يمنعها من العودة لتضع نهاية لحياة السفر والهجرة، بادئة حياة جديدة في دار العيلة وقد عادت إليها لأجل أن تبنيها وتعيد إليها رونقها. وتساعدها إرادتها الصلبة على الالتصاق بفلسطين ومقاومة المحتل مسترجعة ذكريات التهجير القسري الأليم “مر احتلال وعواصف وزلزال رهيب جعل مدينتنا مقلوبة.. وكذا الاحتلال مثل الزلزال وكذا الهجران والوحشة وبقايا أهل هجروها وغابوا عنها رحلوا عنها.. باتوا ذكرى في زمن عتيق منقطع”.
وهو ما نجده أيضا في رواية “عباد الشمس” للكاتبة نفسها وفيها البطلة محاورة عنيدة وهي تريد إثبات أن قضية الوطن مثل قضية المرأة “ككل المثقفين متناقض متذبذب.. قضية المرأة جزء أساسي من قضية الوطن“.
والالتصاق يعني رفض التآكل والذوبان كما في رواية سوزان أبوالهوى “بينما ينام العالم” التي من عناوين فصولها المتوزعة بين “النكبة والنكسة والندبة والغربة وبلادي نهاية وبداية” يتضح ما في شخصياتها ومنها شخصية آمال التي تعاني نزعة سلبية في التعايش مع المخيم “في مخيم اللاجئين الذي ستسميه إسرائيل أرض خصبة للإرهابيين ووكر فاسد للإرهاب كنت شاهدة على حب يتضاءل أمامه الوجود”.
وفي رواية “عين المرآة” للبانة بدر تتمكن الشخصيات آمنة وعائشة وزينب من العودة إلى فلسطين “كل سنوات البعاد عن البيت لم تنس عائشة حكايات العشية التي كانت تنعم عليها بها الأم منذ زمن طويل” وخطرت في بالهن تساؤلات عدة وهن يرين أمواجا بشرية تتلاطم هاربة من فلسطين “أيحدث معنا هذا لأننا نريد العودة إلى فلسطين.. لماذا اندفعوا وراء رعبهم إلى ما يتصورونه حياة في الخارج؟ لماذا لم يعرفوا أنهم سيواجهون ما يلقونه الآن بعد رحلة المرارة والتعب .. لو كانت لديهم ذرة من الحكمة لعرفوا.. أنه كان من الأفضل أن يبقوا هناك يعيشون أو يموتون“.
وتقرر بطلة رواية “حبي الأول” أن ضعفها يجعلها قوية متمكنة من العودة النهائية إلى فلسطين بعكس كثيرين غيرها وهو ما تعتمده أيضا ميلادة التي فضلت البقاء على الهجرة مخالفة المجموع الذي أغوته الهجرة، مترنمة بالمثل الشعبي “اللي يطلع من داره بيقل مقداره”، بعكس أخويها اللذين ظل حلم العودة يراودهما بعد أن أدمنا الهجرة وورثا حبها من أبيهما ملقيين بالعجز مرة على القدر “قدري البحر ولا راد للقدر والمكتوب” ومرة أخرى على الحظ “حظي يلاعبني كلما رجعت إلى البلاد غافلني وظل ورائي فيجبرني على الرحيل”.
والتساؤل الدائم والممض نسق ثقافي يمنح الشخصيات النسوية المزيد من الالتصاق بالمكان، كما في شخصية عائشة في رواية “عين المرآة” فالتشبث بالأرض سمة أنثوية كونها هي الحضن الطبيعي الذي فيه تتجسد الذات النسوية، وعن ذلك تقول الساردة في رواية “بينما ينام العالم”، “كانت فلسطين تنبعث من عظامي إلى أواسط حياتي الجديدة ببساطة ومن دون إعلان مسبق.. يتحول شجر الصفصاف المتهدل في ميدان وبتنهاوس إلى أشجار تين في جنين.. كان وخزا متواصلا ينبض في خلايا جسدي.. ومن ثم يعود ليكمن في الأعماق”.
ولا خلاف أن الروائية النسوية الفلسطينية أثبتت جدارتها في أن يكون لها خطابها المختلف عن الخطاب الذي يكتبه الرجل عنها، مستقلة بهويتها وفيها يتحدد وجودها وتتبلور كينونتها.