أزمة الدينار تدفع نحو تحريك المسار السياسي في ليبيا

نورلاند: اتفقت مع الكبير على الحاجة إلى ميزانية موحدة.
الخميس 2024/03/07

تسعى واشنطن، إلى لعب دور مهم في حل الأزمة الليبية، حيث أكد المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا ريتشارد نورلاند في لقائه مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير على الحاجة إلى ميزانية موحدة لإضفاء الشفافية والمساءلة على الإنفاق العام.

طرابلس - عادت ليبيا لتشهد حراكا واسعا على جميع الأصعدة في ظل تفاقم الأزمة المالية والخلاف المحتدم بين محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة، ودخول واشنطن بقوة على الخط، لتكريس دورها في تشكيل المشهد العام في الجغرافيا الليبية.

وكشف المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأميركية إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أنّه بحث مع الدبيبة أهمية مشاركة جميع الفاعلين الليبيين في العملية السياسية التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشكل بنّاء لإزاحة ما تبقى من عوائق أمام الانتخابات، بما في ذلك تشكيل حكومة تصريف أعمال.

وقال نورلاند: “كان لي أنا والقائم بالأعمال برنت لقاء جيد مع رئيس الحكومة الدبيبة في طرابلس في وقت يواجه فيه القادة الليبيون ضرورة التعامل مع قضايا جادة تتعلق بالميزانية والأمور المالية”.

عبدالمنعم العرفي: واشنطن تسعى إلى إفشال تمدد موسكو في أفريقيا
عبدالمنعم العرفي: واشنطن تسعى إلى إفشال تمدد موسكو في أفريقيا

وأضاف: “ناقشنا أهمية مشاركة جميع الفاعلين الليبيين في العملية السياسية التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشكل بناء لإزاحة ما تبقى من عوائق أمام الانتخابات، بما في ذلك تشكيل حكومة تصريف أعمال”، مشددا على أن بلاده تدعم أيضًا الجهود الليبية الرامية إلى توحيد المؤسسات الأمنية والحفاظ على سيادة ليبيا والتوصل إلى توافق وطني حول سياسات اقتصادية وسياسات ميزانية شفافة ومستدامة.

كما أعلن نورلاند أنّه اتفق مع الصديق الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي على أن ليبيا بحاجة إلى ميزانية موحدة وحماية الدينار الليبي من التدهور في السوق الموازي، قائلا: “إن على الليبيين أن يعرفوا كيف يتم إنفاق ثروة بلادهم” ومشيرا إلى أنه اتفق مع الكبير على ضرورة إضفاء الشفافية والمساءلة على الإنفاق العام ومساعدة البنك المركزي على حماية قيمة الدينار من مزيد التدهور في السوق الموازية، خاصة في ضوء التقارير التي تفيد بأن العملة المزيفة المستوردة يتم استخدامها لشراء الدولار واليورو.

ويأتي هذا التحرك بعد أيام قليلة من تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري نائبة لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مكلفة بالشأن السياسي، والذي اعتبره المراقبون تأكيدا على عودة الولايات المتحدة بقوة للتأثير في تفاصيل الملف الليبي بالتزامن مع احتدام الصراع على النفوذ في منطقة الساحل والصحراء وتفاقم الصراعات الإقليمية في السودان وشرق المتوسط.

وأكد نورلاند، الأربعاء، أنّه عبّر للمبعوث الأممي عبد الله باتيلي، عن دعم بلاده لجهوده القائمة لدفع العملية السياسية بليبيا، وقال إنّ النقاش القائم حول مشاكل الميزانية وانخفاض قيمة الدينار يؤكد على الحاجة إلى التنازلات وإلى حوكمة موحدة، داعيا كل الفاعلين إلى المشاركة في حوار لحل العوائق المتبقية التي تقف أمام مسار موثوق نحو الانتخابات.

 كما أبرز نورلاند أن لدى الولايات المتحدة واليابان أهدافا مشتركة في ليبيا تتمثل في تعزيز التقدم على المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، وعبر في تغريدة نشرتها السفارة الأميركية على موقعها بمنصة “إكس” عن تمنياته بالتوفيق للسفير الياباني الجديد لدى ليبيا شيمورا إيزورو في مهمته، قائلا: ”نتطلع إلى العمل الوثيق والمشترك”.

ويرى مراقبون، أن الولايات المتحدة تسعى إلى جمع حلفائها التقليديين على هدف واحد وهو التعجيل بحل النزاع السياسي في ليبيا لقطع الطريق أمام أية قوى أخرى مناهضة للدور الأميركي في المنطقة ككل.

ويضيفون أن واشنطن ترغب من خلال تعيين خوري في البعثة الأممية والاتصال بالفرقاء الليبيين إلى تحريك الأجواء، وملء الفراغات وقطع الطريق أمام النفوذ الروسي المتنامي بكثير من الهدوء.

واعتبر عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي أن “المبعوث الأميركي وسفراء أوربيين يدفعون باتجاه تشكيل حكومة جديدة لتوحيد المؤسسات وتشكيل مجلس عسكري، ودعا المبعوث الأميركي إلى الإسراع في هذه الخطوة، في ظل التوغل الروسي في دول أفريقية عدة من بينها ليبيا ومالي والنيجر والسودان. وأوضح العرفي أن “الولايات المتحدة لا يعجبها الوضع في ليبيا، وتسعى إلى قطع الطريق على موسكو من التمدد في أفريقيا”.

وأشار إلى أن “الدبيبة طالب بقوانين انتخابية عادلة لإجراء الانتخابات وقاعدة دستورية وهذا شيء مستحيل، لأن القوانين لم تقص أحدا، لكن هناك أزمة ثقة بين جميع الأطراف السياسية”، مردفا أن “واشنطن استفاقت لخطر التمدد الروسي وستعمل على استقرار ليبيا من خلال تشكيل حكومة موحدة تتجه بالبلاد نحو الانتخابات”.

وبحسب أوساط ليبية مطلعة، فإن كثيرا من التحركات تدور بعيدا عن الأضواء، لإقناع الدبيبة بمغادرة منصبه وتأمين خروجه دون تبعات، ودون تحقيق في التهم الموجهة إليه وإلى حكومته، وخاصة المتعلقة بسوء التصرف وإهدار المال العام. وكان الدبيبة أبدى، الثلاثاء، استعداده للتعاون مع مصرف ليبيا المركزي لوقف نزيف تهريب الأموال، مشيرا إلى أن الحديث عن إفلاس الدولة “مجرد افتراءات”.

الأزمة المالية المتداخلة التي تعرفها البلاد، يمكن أن تدفع إلى التعجيل بالحل السياسي، لاسيما أن بعض الفاعلين الأساسيين في السلطة الحالية قد يجدون أنفسهم متورطين في عدد من الملفات والقضايا الشائكة

وقال: ”مستعدون للتعاون مع مصرف ليبيا المركزي لوقف نزيف تهريب الأموال.. الإشاعات التي تتحدث عن إفلاس البلاد مجرد افتراءات باطلة هدفها الإبقاء على الوضع الراهن ومحاربة مشروعات التنمية والإعمار وسنرد عليها بالأرقام والإحصائيات”. بالمقابل، اقترح محافظ مصرف ليبيا المركزي على رئيس مجلس النواب عقيلة صالح سرعة إقرار ميزانية موحدة وترشيد الأنفاق العام وإعادة النظر في بعض السياسات المالية، ومعالجة الإنفاق الموازي مجهول المصدر، وإقرار حكومة موحدة وتوحيد الإنفاق العام.

كما اقترح فرض رسم (ضريبة) على سعر الصرف الرسمي بقيمة 27 بالمئة لكافة الأغراض باستثناء القطاعات التي تمول من الخزانة العامة ذات الطابع السيادي والخدمي فقط، وسيكون سعر الصرف مضاف إليه الضريبة ما بين 5.95 دينار للدولار و6.15 دينار للدولار على أن تُخفّض أو تُرفع الضريبة حسب ظروف الإيرادات وتطور النفقات. واعتبرت أوساط ليبية، أن خطوات الكبير لا يمكن أن تكون من دون علم الجانب الأميركي الذي يكاد يكون الراعي الحصري لمصرف ليبيا المركزي والداعم الأبرز لمحافظه، وأن الرسالة وصلت بحذافيرها إلى الدبيبة.

وقد اتهمت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب برئاسة أسامة حمّاد، حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بالتسبب في تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين، وإلحاق الضرر البليغ بالاقتصاد الوطني. وأكدت في بيان لها أن حكومة الدبيبة تسببت في ارتفاع أسعار النقد الأجنبي مقابل العملة المحلية، سواء على مستوى السعر الرسمي أو أسعار السوق الموازي، كما أعلنت عن ضم صوتها لصوت محافظ مصرف ليبيا المركزي المطالب بوقف الحكومة منتهية الولاية عن إهدار المال العام والمبالغة في الإنفاق بلا جدوى، معتبرة أن نفقات حكومة الدبيبة فاقت الـ420 مليار دينار في عامين فقط حسب ما جاء في خطاب المحافظ، وأن عملية الصرف قد تمت دون وجود أي فائدة تعود على الدولة الليبية وشعبها، واستحواذها على الإيرادات السيادية من مختلف القطاعات والتصرف فيها بعيدا عن القانون.

وطالبت حكومة حماد، كل الجهات القضائية والمحاسبية والرقابية إلى الإسراع بوضع ما تضمنه كتاب الكبير تحت مظلة المحاسبة، مشددة على ضرورة التحقيق مع كل من أجرم في حق الشعب الليبي وأجياله القادمة، والكشف عن ماهية الجهة التي تتولى الإنفاق مجهول المصدر.

ويرى مهتمون بالشأن الليبي، أن الأزمة المالية المتداخلة التي تعرفها البلاد، يمكن أن تدفع إلى التعجيل بالحل السياسي، لاسيما أن بعض الفاعلين الأساسيين في السلطة الحالية قد يجدون أنفسهم متورطين في عدد من الملفات والقضايا الشائكة إن لم يبادروا بالبحث عن حلول مناسبة والمساهمة في تجاوز النفق مقابل حصولهم على ضمانات سياسية وقضائية خلال المرحلة القادمة.

4