"لكليكة في سويسرا" تخلق زمنا احتفاليا ممتعا ينصهر فيه الجمهور مع الفنانين

زكرياء لحلو لـ"العرب": ممارسة المسرح والولوج إليه تمرين ديمقراطي ضمن العدالة الاجتماعية.
الاثنين 2024/03/04
طاقم من الممثلين يحقق المتعة للجمهور

يرى المخرج والممثل المغربي زكرياء لحلو في حوار مع “العرب”، مع بدء جولة مسرحيته “لكليكة في سويسرا” بالمغرب، أن المجتمع المتحضر هو القادر على النظر إلى عيوبه بروح من الفكاهة والسخرية، وأن معالجة قضايا مثل الاستبداد والدفاع عن حقوق الإنسان تقع على عاتق المؤسسات الدستورية، في حين يكون دور المسرح تسليط الضوء على هذه القضايا وزرع الوعي بين الناس.

الرباط - المسرح في المغرب ليس مجرد فن ترفيهي، بل يعتبر وسيلة فعالة لنقل الرسائل والأفكار وتشجيع التفكير النقدي وتوجيه الانتباه نحو القضايا الهامة.

والمسرح في الحقيقة أداة فعالة للتواصل مع الجمهور وتسليط الضوء على قضايا الظلم والفساد بطريقة مثيرة للابتسامة، على سبيل المثال يمكن أن يستخدم المسرح المغربي مواقف كوميدية تستند إلى تجارب الحياة الواقعية في السجون لإظهار التناقضات والظلم في نظام العقوبات.

وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” لقاء مع زكرياء لحلو، أستاذ بالتعليم العالي للفن ومخرج وممثل مغربي، عن العمل المسرحي ذي التأليف المشترك “لكليكة في سويسرا”. وجددت مسرحية “لكليكة في سويسرا” لقاءها بالجمهور المغربي، من خلال مجموعة من العروض، انطلقت منذ 29 فبراير الماضي من الدار البيضاء، لتشمل مدنا مغربية أخرى، مثل فاس ومراكش والرباط.

زكرياء لحلو: في المسرحية تناولنا العلاقة مع السلطة كذريعة فقط لخلق مجموعة من المواقف الساخرة والكوميدية
زكرياء لحلو: في المسرحية تناولنا العلاقة مع السلطة كذريعة فقط لخلق مجموعة من المواقف الساخرة والكوميدية

وتدور أحداث مسرحية “لكليكة في سويسرا” ذات التأليف الجماعي للمخرج إسماعيل الفلاحي داخل أسوار السجن، حيث نتعرف على مجموعة من السجناء الشباب، منهم المسجلون في جرائم خطيرة ومنهم المعتقل قيد التحقيق، إذ تجمع السجناء علاقة متوترة مع الإدارة وسلطة المدير المتجبر، فأين تبدأ الحقوق وأين تنتهي؟ هل فعلا هناك استبداد من المدير أم أن النظام والأخلاق والمصلحة العامة تتطلب الانضباط واحترام القواعد الجاري بها العمل في المؤسسة السجنية ليسود الأمن؟

هناك حدث جلل سيجعل السجن محل أنظار العالم بأسره، فكيف سيغير مجرى الأحداث الأخرى وكيف سيؤثر في العلاقات بين السجناء والإدارة؟ حيث يتم كل ذلك في قالب كوميدي ساخر، مليء بالمفاجآت والمقالب والمواقف المثيرة والمشوقة والمضحكة.

والمسرحية من إنتاج شركة “كليك إيفنت”، ويشارك في التمثيل كل من سيمو سدراتي وزهير زائر وأيوب أبوالنصر وزكرياء لحلو.

ويقول الممثل المغربي لحلو في حديث مع “العرب” عن الرسالة الجماعية التي تحاول المسرحية نقلها، وتحديدا ما يتعلق بمفهومي الحقوق والحريات داخل السجون، “أظن أن الرسالة الحقيقية للمسرح هي تحقيق المتعة الفنية والجمالية، هي القدرة على خلق زمن احتفالي ينصهر فيه الجمهور مع الفنانين، زمن مواز يخرج فيه المتفرج من روتين الحياة ومن ضغوطها وعلاقاتها النفعية إلى زمن آخر متخيل، ممتع وشاعري، كل ذلك بغض النظر عن الموضوع المطروح أو القصة المحكية”.

تدور أحداث المسرحية داخل أسوار السجن
أحداث المسرحية تدور داخل أسوار السجن

ويمكن للكوميديا والسخرية أن تسلطا الضوء على قضايا جدية مثل القمع والاستبداد داخل بيئة السجن، وقد أكد هذا الفنان زكرياء لحلو موضحا أن “الكوميديا كانت دائما وستبقى وسيلة للتعبير عن قضايا جدية ومهمة وذات قيمة في المجتمع، فهي تستخدم السخرية والرمزية وتقوم على المفارقات والتناقضات وتقف عند العيوب الفردية والجماعية وتجعل منها مادة خصبة للإبداع الفني، وفي الكثير من الأحيان نصل إلى حد الكاريكاتير لطرح المواضيع حتى نخلق المسافة الكافية، ونتناولها بنوع من الابتسامة والسلاسة بعيدا عن أي تشنج”.

وفي حديثه عن العوائق التي تواجه المؤلف والمخرج المسرحي في عملية تصور بيئة السجن بشكل كوميدي دون التساهل في تجسيده للقضايا الاجتماعية الهامة يشير لحلو إلى أن “مسرحية ‘لكليكة في سويسرا’ هي إبداع جماعي لمجموعة من الفنانين المتمرسين، نحن الآن بصدد القيام بجولة في عدة مدن مغربية تحت إشراف فني لزهير علوان، أما بخصوص تناول القضايا الاجتماعية فأظن أننا في المسرحية لا نتطرق إلى سجن

بعينه أو مؤسسة بعينها وإنما حاولنا التطرق إلى فكرة السجين وعلاقته بالسجان، إذ تناولنا العلاقة مع السلطة كذريعة فقط لخلق مجموعة من المواقف الساخرة والكوميدية والتي تصل إلى حد العبث، لا ندعي في هذه المسرحية معالجة أي شيء نحن فقط نضحك من أنفسنا ومن بعض الأعطاب التي نعيشها في علاقاتنا الإنسانية عموما”.

ويمكن للمسرحية أن تحفز الجمهور على التفكير في مفاهيم مثل العدالة الإنسانية داخل بيئة مليئة بالمفاجآت والمواقف الكوميدية وقد عبر عن هذا الممثل المغربي قائلا “المجتمع المتحضر هو مجتمع يستطيع أن يضحك على عيوبه ويسخر منها، هو كأفراد وجماعات ومؤسسات قادر على رؤية العيوب دون أي عقدة نقص أو تشنج أو رفض، فالمصالحة مع الذات تبدأ من الوقوف على النواقص والبوح بها والسخرية منها”.

المسرح انعكاس للقضايا الإنسانية ولحقوق الإنسان، حيث يصارحنا بها، فهو مساحة للبوح الجميل لا أقل ولا أكثر
المسرح انعكاس للقضايا الإنسانية ولحقوق الإنسان، حيث يصارحنا بها، فهو مساحة للبوح الجميل لا أقل ولا أكثر

ويستدرك “أما معالجة الاستبداد والدفاع عن حقوق الإنسان والانتصار لها فهي مسؤولية البرلمان والمؤسسات الدستورية التي تسير الدولة، فهي التي تمتلك السلطة على التأثير المباشر في الواقع، والمسرح انعكاس لتلك القضايا، حيث يصارحنا بها، فهو مساحة للبوح الجميل لا أقل ولا أكثر. والمسرح ينشر الوعي بين الناس وينتصر للقيم الكبرى بأشكاله التعبيرية المتنوعة، فممارسة المسرح في حد ذاته تمرين ديمقراطي وحق الولوج إليه هو شكل من أشكال العدالة  الاجتماعية”.

يذكر أن المسرح يظهر، من خلال العديد من الأعمال في المشهد الثقافي المغربي، دورا مهما في استخدام السخرية والفكاهة كأداتيْن للتعبير عن الانتقادات الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك الأنظمة الإدارية والسجون.

كما يمتاز المسرح المغربي بقدرته على تقديم رؤى مبتكرة وجريئة عن القضايا الحساسة بطرق فنية مبتكرة ومرحة، إذ تعتمد الكوميديا على استخدام الطرافة والسخرية بشكل ذكي لاستعراض نقاط الضعف والانتقادات الموجهة إلى الأنظمة الإدارية ونظام السجون، ويتجلى هذا الأسلوب في تقديم مجموعة متنوعة من الطرائف الساخرة، والتي تتنوع بين المسؤولين الفاسدين والحراس الظالمين والسجناء الساذجين، وهو ما يسلط الضوء بشكل مبتكر على القضايا الاجتماعية والسياسية في المجتمع المغربي.

كما تتنوع الفرق المسرحية في المغرب بين الفرق المستقلة والمؤسسات الثقافية، وكل واحدة منها تسعى إلى تحقيق أهداف ثقافية وفنية محددة، وهي تعتمد على مجموعة من العناصر الثقافية المحلية في أدائها، مثل اللغة العربية والأمازيغية والثقافة الإسلامية والتقاليد المحلية، ما يمنح عروضها طابعا مميزا ويجذب جمهورا واسع النطاق،

كما تسعى إلى استخدام خشبة المسرح كوسيلة للتواصل والتفاعل مع الجمهور، حيث تقدم عروضا تتناول قضايا اجتماعية وسياسية ملحة، مثل الفقر والظلم والهجرة والهوية الوطنية، وتسلط الضوء على تجارب البشر وتحدياتهم.

15