أمير وهيب لـ"العرب": غياب جماهيرية الفن التشكيلي يعود إلى عدم وجود فنانين حقيقيين

يبدي الكثير من الفنانين التشكيليين تخوفا من سطوة الذكاء الاصطناعي وتأثيراته المتوقعة واللامتوقعة على الفن، لكن الفنان المصري أمير وهيب يرى أن تدخل هذه التكنولوجيا الحديثة في الفن لا يخلق إلا مسوخا ونسخا تشابه إلى حد كبير أعمالا سابقة كانت نتاج موهبة إنسانية حقيقية.
القاهرة- تبقى مشكلة تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الفنون بوجه عام محل نقاش لا يتوقف مع التطورات الهائلة في هذا المجال التي جعلت التكنولوجيا لها قدرة على تغيير حركة الإبداع، وهو أمر دفع “العرب” إلى الغوص أكثر في مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على التأثير في الفن التشكيلي وإبداعاته التي لها علاقة مباشرة برؤية الفنان وحضوره الإنساني لتوصيل الرسالة الإبداعية إلى المتلقي.
قال الفنان التشكيلي المصري أمير وهيب في حواره مع “العرب” إن العمل الفني الرقمي بوجه عام ثورة في عالم الطباعة وله أهمية كبيرة لما يتسم به من دقة، لكن إذا قرر الفنان أن يتعامل مع هذا التطور الذي يأخذ شكلا أكبر ناحية الطباعة باعتباره لوحات حقيقية فذلك يشبه من ترتدي إكسسوارات من زجاج على أنها مجوهرات.
وأضاف أن التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لا يجعلنا أمام فن جديد يمكن تقديمه بعد أن يتلقى “البرمجة” أو “الأمر” من الفنان، ويعتمد على المخزون الإبداعي الذي يضعه الفنانون ولا يمكنه التأليف أو الإبداع، ومهما توسعت قدراته في النهاية يبقى اصطناعيا، أي غير طبيعي تغيب عنه الروح التي تشكل قيمة الفن التشكيلي.
وأكد وهيب أن الجزء البصري في الذكاء الاصطناعي يمكن تشبيهه بالسيارة ذاتية الحركة، فمن المفترض أن ترى كل ما حولها، بينما هي تسير في طرق تم تنفيذها خصيصا لها، وتسير بسرعة معينة وتقف بعد فترة زمنية محددة وهكذا، والدليل أن هذه السيارات يصعب أن تتحرك في شوارع مصر لأنها ستتعرض لحوادث.
وتابع “هذا الكلام ينطبق على الفن، لأن الذكاء الاصطناعي يرى ما لديه وليس ما لدى الآخرين، ونحن في النهاية أمام إنسان آلي، مهما كانت درجة ذكائه خارقة، لن يضحك ولن يبكي وهي من أساسيات الفن”.
لدى الفنان المصري أمير وهيب قناعة بأن الذكاء الاصطناعي لن يؤثر على الفن التشكيلي، وكل ما يستطيع فعله هو تسريع عملية الاستنساخ، إلا أنه شدد في الوقت ذاته على قيمة التطورات التكنولوجية وأثرها على تطوير عملية تعليم الفنون، كما أنها تساعد على أن يرى الفنانون تفاصيل ومعلومات أكثر دقة ووضوحا.
ودائما ما تكون لدى الفنانين رؤية مفادها أن الإبداع لا يأتي من خلال تطور أدوات الصناعة، لكنه يرتبط بتطور الإنسان ذهنيا وفكريا، وأن الكثير من المبدعين على مر التاريخ لم يكونوا بحاجة إلى التقنيات التكنولوجية ليتركوا بصمات إبداعية على مدار عصور سابقة، والفيصل هو كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة المنتج المقدم كي يبقى عاملا مساعدا وليس رئيسيا.
وتوصلت دراسة نمساوية إلى أن الفن الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يمكنه بالفعل تحفيز استجابة عاطفية من البشر حتى عندما يرون صورا بسيطة نسبيا للذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن أيا منها لا يولد نفس المشاعر القوية، مثل اللوحات المنجزة بواسطة الفنانين عبر الجهد والتخيل البشري.
وأوضحت الدراسة التي جرى نشرها في مجلة “كمبيوتر إن هيومن بيهافيور”، وأشرف عليها علماء من جامعة فيينا أقاموا أبحاثهم على مجموعة واحدة من الأشخاص الخاضعين لاختبار عرض لوحات الذكاء الاصطناعي عليهم، أن جميع الأشخاص أكدوا على شعورهم ببعض المشاعر مع فن الذكاء الاصطناعي بدرجة أقل من اللوحات العادية.
أوضح أمير وهيب في حواره مع “العرب” أن “اللوحات الطبيعية تشبه إلى حد التطابق حضور شخص إلى المسرح لمتابعة المسرحية ومشاهدة الممثلين عليه، إنما في حالة اللوحات الاصطناعية، فهذا الشخص يشاهد المسرحية من خلال صور مطبوعة”.
وأشار إلى وجود فرق بين الفن بالذكاء الاصطناعي وبين الفن التوليدي أو التوالدي، وعلى الجمهور معرفة أن الفن في حد ذاته هو “النتيجة النهائية التي يتوصل إليها الفنان بعد وجود فكرة وتقنية في التلوين أو الرسم”.
إذا كان الفنان بحاجة إلى فكرة أو أنه يرى أن أسلوبه أصبح غير جذاب يمكنه أن يلجأ إلى الفن الاصطناعي، وفي هذه الحالة تكون النتيجة النهائية متوقعة، أما في حالة الفن التوليدي، بحسب وهيب، فهو يعتمد على الكمبيوتر أيضا لكن الفرق الوحيد أن هذا الفن هو عشوائي ونتيجته غير متوقعة.
وقال وهيب إن الفن التشكيلي بالنسبة له مملكة خاصة به، والتشكيل هو ظلال العالم والفلاسفة والأدباء والفنان يحلل ويقدم رؤيته من خلال التشكيل إلى أن ظهرت الكاميرا التي مكنت فيما بعد من التسجيل السينمائي والتي أحدثت هزة للفن التشكيلي وقت ظهورها.
واعتبر الفنان المصري أن الكثير من المجتمعات التي وصفها بـ”الجاهلة” تتعامل مع الفنان على أنه “الممثل” في حين أن التمثيل ينتمي إلى “فن الترفيه” وهذا الترفيه يشمل ممثل السينما والمسرح والتلفزيون والسيرك والبهلوان والبلياتشو والساحر.
وأمير وهيب على قناعة بأن الفن التشكيلي في مصر لا يحظى بأي جماهيرية لأنه لا يوجد فنانون، وهناك خطأ منتشر يعتقد من خلاله كل من يجيد الرسم بأنه فنان ويبدأ في تقديم رسومات في غاية السذاجة وينتظر الإعجاب والتكريم.
وأضاف لـ”العرب” أن الفنان لا بد أن يقدم فنا جديدا وجميلا وأن تكون أعماله أصلية وليست منقولة، فالجمهور معذور لأن هذه الرسومات غير كافية لجذبه والانسجام والتفاعل مع هذا الفن، ويشبه ذلك حد التطابق شخصا صوته جميل يجيد الغناء فيظل يردد أغاني عبدالحليم حافظ وينتظر من الجمهور التفاعل مع هذه الأغاني لأن صوته جميل، والجمهور لديه الحق بألا يتفاعل معه لأنه لا يقدم إنتاجه الخاص به.
ووصل وهيب إلى محطة مشاهير الرسامين في رحلة استمرت أكثر من 30 عاما بدأت من التخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1993 بقسم العمارة، وكانت أول مشاركة له في معرض جماعي كمصمم موبيليا بحكم دراسته.
وفي العام 2001 وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تلقى دعوة للمشاركة في معرض جماعي في نيويورك وحمل هذا المعرض عنوان “فن من القلب” وجرى اختياره ضمن مجموعة من الفنانين المصريين لهذا التجمع للتصدي إلى إلإرهاب، وبعد ذلك أقام في الولايات المتحدة ودشن بعض المعارض ووضعت لوحاته في واجهات المعارض الكبرى.
يعتبر وهيب أن معرض “رؤية معمارية” في مكتبة نيويورك العامة لمدة 4 شهور كان السبب الرئيسي في لفت الانتباه الشديد إليه، إذ إن المكتبة لا تعرض إلا موضوعا جديدا غير مسبوق بالإضافة إلى مبلغ مالي، وأصبح رسميا من الفنانين المعروفين في نيويورك بسبب معرض غير مسبوق بعنوان “ساعات مدينة نيويورك” عن الساعات المثبتة في الشوارع وعلى المباني.
وأكد الفنان المصري في حواره مع “العرب” أن عملية اختراق نيويورك كانت صعبة ومرهقة ومكلفة، فهي عاصمة الفن التشكيلي في العالم والمنافسة فيها شرسة جدا وكي يتفوق الفنان لا بد أن يجتهد ويبحث عن فكرة جديدة، مضيفا “في نيويورك شاهدت ما لم أكن أتوقعه، عدد قاعات العرض يتجاوز الألف وغالبيتها مساحتها تشبه متحف الفن الحديث في ساحة الأوبرا والمتاحف العملاقة، فاشتركت كعضو في متحف المتروبوليتان وأصبحت أتردد عليه يوميا بموجب هذه العضوية”.
هناك خطأ منتشر يعتقد من خلاله كل من يجيد الرسم بأنه فنان ويبدأ في تقديم رسومات ساذجة
ويرى وهيب أن مشكلة الفن التشكيلي في مصر تبدأ من التعليم الذي مازال يتبع منهج وسياسة “الكتاتيب” بعد ظهور الذكاء الاصطناعي، وتلقى تعليمه منذ الحضانة وحتى الثانوية في مدرسة الفرير الشهيرة في مصر التي تأسست على يد عائلة فرنسية شهيرة وكانت غاية هذه العائلة تعليم فقراء فرنسا قبل أن تفتح عدة فروع لها في مصر منذ أكثر من مئة عام، وكان الهدف هو تعليم فقراء مصر أيضا.
وتابع “هذه المدارس إذا تأملت كيانها، أولا من الناحية المعمارية، فهي بالأساس منشأة معمارية لها مواصفات كبناء ومساحات للأنشطة الرياضية والترفيهية، وهو ما ترك تأثيره الإيجابي على الحس الفني، لأن المدارس في مصر لا يطبق أغلبها المواصفات المعمارية الصحيحة، كما أن طاقم التعليم غير مؤهل لعملية الشرح، إلى جانب استمرار السيطرة الفكرية من التنظيمات المتشددة على عقول الطلاب”.