مشاورات لتأسيس كيانات جديدة: الأحزاب المصرية لم تتعظ من أخطاء الماضي

ثلاثة أحزاب ليبرالية ويسارية بصدد التشكيل.
السبت 2024/03/02
بانتظار ما ستقدمه الأحزاب الوليدة

لم تضعف الحالة الحزبية المتردية في مصر من حماسة بعض السياسيين في تشكيل أحزاب جديدة، حيث من المنتظر أن تظهر إلى النور في الفترة المقبلة ثلاثة أحزاب كانت لقياداتها تجارب سابقة لم تكن ناجحة.

القاهرة- يتجه عدد من السياسيين في مصر لتشكيل أحزاب جديدة الفترة المقبلة في وقت تعاني فيه الكيانات الموجودة من أزمات جمة نتيجة تفتت التيارات السياسية وهو ما نتج عنه وجود أكثر من مائة حزب أغلبها لا يعرفها الكثير من الناس، وليس لديها حضور، وإن وجد فهو شكلي على الساحة.

ولا يبدو أن الخطوات الجديدة تلقى ترحيبا في ظل قناعات بأن ما تحتاجه الحياة السياسية في مصر هو الاندماج وليس المزيد من الاسماء.

وكشف سياسيون من المحسوبين على التيار الليبرالي عن مشاورات لتشكيل حزب جديد يقوده الأكاديمي والبرلماني السابق عمرو حمزاوي، والذي لديه تجربة حزبية عانت من الجمود بعد أن أسس حزب مصر الحرية بعد اندلاع ثورة يناير 2011 بما يشي بأن الخطوة الجديدة قد تكون فائدتها ضعيفة.

وأعلن عدد من السياسيين الذين شكلوا “كتلة الحوار” في مايو من العام الماضي عن عزمهم التحول إلى حزب سياسي تحت اسم “حزب الحوار الوطني” بقيادة باسل عادل، وهم يعملون على جمع التوكيلات.

كريم العمدة: وجود أحزاب قديمة بلا فاعلية يدفع لتأسيس أخرى
كريم العمدة: وجود أحزاب قديمة بلا فاعلية يدفع لتأسيس أخرى

وكان الرئيس السابق لحزب تيار الكرامة، أحمد الطنطاوي أعلن بداية العام الحالي، عن إخطار لجنة شؤون الأحزاب ببدء تحرير توكيلات حزب “تيار الأمل” وقام بكتابة لائحة نظام الحزب وبرنامجه الذي لم يحمل جديداً مع تقاربه مع أحزاب يسارية في مقدمتها حزب تيار الكرامة، ولم يعلن بعد انتهاء مرحلة جمع التوكيلات.

وتواجه قيادات الأحزاب الجديدة انتقادات لعدم القدرة على إحداث الفارق في الكيانات والأحزاب السياسية السابقة التي انضموا إليها ما يعني أن خطواتهم المقبلة لتحقيق مكاسب شخصية أكثر من كونها تتعلق بتحريك الحياة السياسية التي تعاني حالة من الجمود.

وفي رأي بعض قيادات الأحزاب الجديدة فإن التناغم المفقود في تجاربهم السابقة يدفعهم لتدشين كيانات، وأن تنفيذ الأفكار التي يؤمنون بها بحاجة لقوى مستقلة تستطيع وضع الأهداف والمضي في تطبيقها بلا مضايقات أو صراعات.

وقال رئيس ومؤسس “كتلة الحوار” باسل عادل إن وجود أحزاب قديمة بلا فاعلية على الأرض يدفع لتأسيس أخرى لتشكل بديلاً مناسبًا عنها، بما يقود لتصحيح التجربة الحزبية المصرية، وما يحدث على الأرض هو أن الأحزاب غير الجادة تحافظ على مواقعها في حين تجد النماذج التي تسعى لإحداث تطور سياسي وحزبي مطبات على مستوى التأسيس.

وأوضح عادل في تصريح لـ”العرب” أن حزبه يواجه صعوبات لتأسيسه بسبب تكاليف التوكيلات مع استحداث شرط الحصول على “الفيش والتشبيه” (إجراء أمني يضمن عدم تورط أي من الموكلين في جرائم)، كما أن الحكومة استحدثت مكاتب للشهر العقاري تتعلق فقط بالإجراءات الخاصة بالتوكيلات السياسية وهي لا تتوفر في كافة محافظات الدولة، وبالتالي على الموكلين الانتقال مسافات بعيدة، كما أنه لا يجوز تقديم التوكيلات مجتمعة إلا في غضون ثلاثة أشهر فقط من بدء أول توكيل.

وينص قانون الأحزاب في مصر على أن يقدم القائمون على إنشاء الحزب إخطاراً مكتوبا بتأسيسه إلى لجنة شؤون الأحزاب مصحوبًا بتوقيع خمسة آلاف عضو من أعضائه المؤسسين مصدقًا رسميًا على توقيعاتهم، وترفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب، وبصفة خاصة نظامه الأساسي ولائحته الداخلية وأسماء أعضائه المؤسسين وبيان الأموال التي تم تدبيرها لتأسيس الحزب ومصادرها واسم من ينوب عن الأعضاء في إجراءات تأسيس الحزب.

وشدد باسل عادل على أن تأسيس حزب سياسي يتطلب 2.5 مليون جنيه (75 ألف دولار تقريبًا) فيما يتعلق بقيمة التوكيلات والإجراءات والانتقال من محافظة إلى أخرى وهو مبلغ ضخم بالنسبة إلى حزب وليد مازال يشكل قاعدته الجماهيرية.

ويؤمن القائمون على الأحزاب الجديدة بأن المواطنين الذين اختاروا الصمت وعزفوا عن المشاركة السياسية هم أكثر وعيًا ومستعدون إلى إعادة النظر في موقفهم، إذا وجدوا المناخ العام الذي يساعدهم على ذلك، وإذا اقتنعوا بوجود أحزاب لها رؤى واضحة وموضوعية ويمكن أن تشكل حلاً لمواجهة التحديات الراهنة.

في المقابل فإن المعارضين لتوسيع قاعدة الأحزاب يرون أن السؤال الرئيسي الذي يجب الإجابة عليه يرتبط بمدى قدرة الأحزاب الجديدة على تقديم برامج مختلفة وتعتمد على بناء كوادر وعلاقات جماهيرية واسعة، وما هي الإضافة التي سيقدمها الحزب للحياة السياسية بما يكسر حاجز الانفصال بينها وبين الجماهير بعد أن ظلت غالبية الأحزاب حبيسة مقارها.

​ حسن سلامة: العمل الحزبي في مصر يحتاج إلى بيئة مختلفة ​​  ​
حسن سلامة: العمل الحزبي في مصر يحتاج إلى بيئة مختلفة

وأوضح أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة أن الاتجاه نحو تدشين المزيد من الأحزاب له أسباب شخصية، بمعنى أن فكرة الزعامة وتصدر المشهد العام من الموروثات المصرية المهيمنة على العمل الحزبي العام منذ تأسيسها قبل أكثر من مئة عام، إلى جانب أسباب بنيوية، فالأحزاب الموجودة لم تعتد التنسيق السياسي بالعمل العام وهناك العديد من التكتلات التي لم يشعر بها أحد بما فيها تكتل المعارضة داخل الحركة المدنية التي انتهت بالفشل.

وأكد سلامة في تصريح لـ”العرب” أن العمل الحزبي في مصر يحتاج إلى بيئة مختلفة وثقافة سياسية وفهم لأدوار الأحزاب بصورة مختلفة، وأن الأشخاص الذين يتصدرونها بحاجة لإعادة النظر في أدوار الكيانات التي ينتمون إليها أو لديهم تقارب سياسي معها بحيث تصبح موجودة على الأرض، بدلاً من الاتجاه لتدشين أسماء جديدة تجعل الشكوك تدور حول أهدافها وتضعها في مواجهة اتهامات بأنها تحقق مصالح شخصية لكوادر سياسية غابت عن المشهد.

ويتفق البعض من السياسيين على أن عدم وجود حزب قوي للأغلبية يملك برنامجا سياسيا واضحا وشعبية قوية تضعه على رأس المشهد الحزبي، يساهم في خلق حالة التفتت الراهنة، فوجود الحزب الوطني المنحل مثلاً أو الحزب الاشتراكي أو حزب مصر وهي أحزاب ارتبطت بالسلطة وسيطرت على الأغلبية ساهمت في تقوية أحزاب المعارضة التي حاولت منافستها وعملت على مناكفتها وهو أمر لا يتواجد في الوقت الراهن في مصر، مع ضعف أحزاب الموالاة وتأثيرها في الشارع.

ولفت حسن سلامة في حديثه لـ”العرب” إلى أن عدم القدرة على بناء حزب أغلبية قوي يدعم تحسين أداء باقي الأحزاب يعود إلى أنه لا توجد نخبة جديدة لتحل محل النخبة السياسية القديمة، وأن الأسماء الرنانة في الحقب الماضية لا توازيها أسماء مماثلة الآن، والعديد من النخب السابقة امتلكت فهما ووعيا واضحين، بمعنى أن العمل السياسي المؤسسي يغيب في الوقت الحالي.

وذكر أن الدولة المصرية بحاجة إلى تنشئة نخبة سياسية تفهم معنى الحياة الحزبية أو استحداث كيان يكون مسؤولا عن تقديم نخب قادرة على قيادة المستقبل، خاصة مع الحديث عن الجمهورية الجديدة التي تحتاج إلى نخب تتوافق معها وتستطيع استكمال أركانها، وعلى رأسها الأحزاب التي تتنافس على السلطة بصورة سلمية وتكون لديها الرؤية القابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

2