صورة الحاكم في الكاريكاتير رسائل أحدثت التغيير في مصر

رغم اتصافهم بحس الفكاهة المصريون لا يتقبلون السخرية من حاكمهم.
الخميس 2024/02/29
فترة مرسي كانت كرتونية كاريكاتيرية بحتة

الكاريكاتير ليس مجرد فن صحفي أو تشكيلي، بل هو كلاهما بينما يحمل وظيفة نقدية قوية تحتك بعوالم المجتمع السياسية وتساهم بشكل مؤثر في التغيير، سواء بالسخرية أو النقد لتشكيل وعي متمرد على الصور المتكلسة. وفي مصر كان فن الكاريكاتير أداة هامة لنقد السلطة مجسدة في شخصية الرئيس، بينما شهد هذا الفن مدا وجزرا.

قد تكون الرسوم الكاريكاتيرية مجرد مجموعة خطوط على ورق أبيض، لكن وقعها غالبا ما يكون شديد التأثير والخطورة، حيث بإمكانها أن تجسد الأحداث والأشخاص وتسطر تاريخ الشعوب والأمم، لذلك مع بداية الألفية الجديدة زاد الاهتمام الأكاديمي بدراسة الكاريكاتير سواء كفن تشكيلي أو كفن صحفي من حيث مضمونه وشكله ومن حيث تأثيره على الجمهور أو حتى دراسة القائمين عليه (رسامي الكاريكاتير)، ولكن لوحظت قلة المحاولات العربية التي استعرضت صورة الرئيس أو مؤسسة الرئاسة في الكاريكاتير.

من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة “صورة الحاكم في الكاريكاتير وعلاقته بالإعلام والجمهور” للباحثة الأكاديمية هنادي غريب المدرسة بقسم الإعلام كلية الآداب جامعة حلوان، والتي تتوقف عند كيفية تعرض فن الكاريكاتير للحاكم في الصحف المصرية، وقد اختارت صحف الأخبار، والوفد، والمصري اليوم ورساميها عينة للدراسة، لتنطلق في رصد ملامح سمات الصورة الإعلامية التي قدمها فن الكاريكاتير المنشور في هذه الصحف عن الحاكم المصري خلال الفترة الزمنية من 2010 إلى 2013 والتي تعاقب على حكم مصر خلالها العديد من الحكام (الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، المجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، الرئيس الأسبق محمد مرسي).

فن سياسي

هنادي غريب تدرس حجم التغطية الصحفية المعطاة للحاكم في مواد الكاريكاتير والقضايا والأفكار التي تم التركيز عليها
هنادي غريب تدرس حجم التغطية الصحفية المعطاة للحاكم في مواد الكاريكاتير والقضايا والأفكار التي تم التركيز عليها

 تكشف غريب في دراستها، الصادرة أخيرا عن دار العربي، عن الأطر الإعلامية التي تشكلت في إطار الصورة الإعلامية للحاكم، وذلك في سياق حدوث ثورتين شعبيتين “25 يناير، 30 يونيو”، لرصد الاختلافات والفروق في عرض صورة الحاكم خلال هذه الفترة، ولتوصيف إشكالية علاقة وسائل الإعلام، ومنها الصحف، بالحاكم خلال فترة زمنية اتسمت بعدم الاستقرار السياسي، وقياس مدى تغير هذه الرسوم من عدمه بتغير الحاكم.

وتدرس حجم التغطية الصحفية المعطاة للحاكم في مواد الكاريكاتير والقضايا التي تم التركيز عليها، وطبيعة الأفكار المتضمنة، وأهداف تناول الحاكم في الكاريكاتير، وآليات الإقناع المستخدمة في الرسوم، والقوى الفاعلة وعناصر الإبراز للوصول في النهاية إلى مجموعة من النتائج التي قد تسهم في تطوير أداء الصحف المصرية وفي تناولها الإعلامي لما هو متعلق بالشؤون السياسية والرئاسية.

تتمثل عينة الدراسة التحليلية في 841 رسما كاريكاتيريا عن الحاكم من إجمالي عدد 13119 رسما كاريكاتيريا تم حصرها في الصحف الثلاث خلال الفترة الزمنية للدراسة. وقد قامت الباحثة بتحليلها من خلال استمارة تحليل المضمون حيث بلغت رسوم الكاريكاتير الخاصة بالحاكم في جريدة الأخبار 141 رسما، وفي جريدة الوفد 119 رسما، وفي جريدة المصري اليوم 581 رسما.

وتؤكد أن المضمون السياسي الساخر المقدم بالصحف المختلفة من خلال فن الكاريكاتير له أدواته اللغوية والأسلوبية والفنية وآلياته الإقناعية المختلفة على مستوى الصورة وأيضا النص المصاحب إن وجد في الرسم الكاريكاتيري (التعبيرات اللفظية والبصرية المستخدمة)، سواء جاء استخدام هذه الآليات في سياق نقدي، أو فكاهي، أو تحذيري، أو توجيهي، أو حتى تقريري.

والكاريكاتير السياسي له دوره التحفيزي الدافع لإحداث تغييرات سياسية عندما ينقد الأوضاع، ويسلط الأضواء على الأحداث السياسية والمجتمعية السلبية. كما أن له دوره الفاعل في عملية الإقناع السياسي والعمل على دعم الصورة الذهنية الإيجابية للسياسيين الممارسين للأدوار السياسية المختلفة لاسيما الحاكم، فالكاريكاتير ليس فقط فن المبالغة والتشويه بل يكون أحيانا للتمجيد والتعظيم.

وتلفت إلى أن من بين أسباب اختيارها للفترة الزمنية 2010 – 2013، تعاقب وتلاحق العديد من الأحداث السياسية البارزة في مصر، التي بدأت مع اجتياح موجات من الغضب الشعبي وقيام ثورة 25 يناير 2011 وإسقاط حكم ونظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ومرورا بتولي المجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي القيادة، حتى تسليم السلطة بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012 للرئيس الأسبق محمد مرسي، وانتهاء بإسقاط حكمه ونظامه بقيام ثورة 30 يونيو 2013 وتولي الرئيس السابق المستشار عدلي منصور رئاسة البلاد.

ومن ثم فقد شهدت هذه الفترة تولي أكثر من حاكم مقاليد إدارة البلاد خلال فترة قصيرة (أربعة حكام في أربع سنوات) وهي الفترة التي أعقبت حكما استمر ثلاثين عاما للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. وقد راعت وجود فترة سابقة ولاحقة لحكم كل حاكم لبيان صورته الإعلامية في الكاريكاتير أثناء حكمه وبعده.

رسوم ساخرة وناقدة

فن السخرية السياسية
فن السخرية السياسية

تكشف غريب أن الرئيس الأسبق محمد مرسي احتل الترتيب الأول في تناول كاريكاتير جريدة الأخبار لحكام الدراسة بنسبة كبيرة تخطت نصف رسوم الحاكم المنشورة خلال أربع سنوات، حوالي 51.06 في المئة، رغم قصر مدة حكمه التي لم تتجاوز العام الواحد، يليه الرئيس الأسبق مبارك بنسبة 33.33 في المئة، ثم المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي بنسبة 13.48 في المئة، وفي المؤخرة فئة مزيج بنسبة 2.13 في المئة، وهي رسوم الكاريكاتير التي جمعت أكثر من حاكم من حكام الدراسة في الرسم الكاريكاتيري الواحد.

 وفي جريدة الوفد ارتفعت نسبة رسوم كاريكاتير الحاكم مبارك لتحتل المرتبة الأولى بنسبة 42.2 في المئة، ثم رسوم الحاكم مرسي في المرتبة الثانية بنسبة 33.61 في المئة مع التأكيد على أن الفترة الزمنية التي سبقت وزامنت حكم الرئيس الأسبق مرسي لم يكن هناك في صحيفة الوفد سوى رسام كاريكاتير واحد، وجاء المجلس العسكري في المرتبة الثالثة بنسبة 22.69 في المئة، وأخيرا مزيج بنسبة 1.68 في المئة. وفي المصري اليوم جاءت رسوم الحاكم مرسي في المرتبة الأولى بنسبة 38.21 في المئة، ثم الحاكم مبارك بنسبة 36.66 في المئة، يليه المجلس العسكري بنسبة 19.28 في المئة، وأخيرا فئة مزيج بنسبة 5.85 في المئة.

وترى أن الرسوم المتعلقة بالحاكم مرسي احتلت الترتيب الأول لرسوم الحاكم في صحف الدراسة بنسبة 39.71 في المئة، ثم الرسوم المتعلقة بالحاكم مبارك في الترتيب الثاني بنسبة 36.86 في المئة، يليها رسوم المجلس العسكري بنسبة 18.79 في المئة، ثم فئة مزيج بنسبة 4.64 في المئة.

الكاريكاتير له دور تحفيزي دافع لإحداث تغييرات سياسية بنقده للأوضاع وتسليط الضوء على الأحداث السياسية والمجتمعية السلبية

تؤكد هذه النتيجة زيادة مساحة السخرية السياسية من خلال وسائل الإعلام المختلفة مع تولي الرئيس الأسبق مرسي مقاليد الحكم، لاسيما وأن النسبة الأكبر من الرسوم المتعلقة بالحاكم مبارك والتي كانت تحمل اتجاها سلبيا ضده تم إنتاجها ونشرها بعد تنحيه عن الحكم فيما عدا الرسوم المنشورة بصحيفة المصري اليوم خلال عام 2010 (64 رسما خاصا بمبارك) غالبيتها للفنان عمرو سليم الذي هاجم الرئيس الأسبق مبارك بشدة خصوصا في ما يتعلق بمشروع التوريث.

ولم يتناول كاريكاتير صحيفة الوفد الحاكم خلال عام 2010 سوى في أربعة رسوم فقط وكانت في نهاية العام ومع تصاعد الأحداث السياسية في تونس وقيام الثورة التونسية. أما صحيفة الأخبار فإن اتجاهها نحو الرئيس الأسبق مبارك كان مؤيدا وداعما دائما، حتى الرسوم المنشورة الخاصة بالحاكم خلال عام 2010 وهي 18 رسما كان يغلب عليها الاتجاه الإيجابي نحو الحاكم وأحيانا مجاملته خصوصا في المناسبات القومية كعيد تحرير سيناء ونصر أكتوبر، وأيضا أثناء رحلته العلاجية في ألمانيا خلال شهر مارس 2010.

وتشير غريب إلى غلبة الإطار السياسي كإطار موضوعي استخدمته رسوم كاريكاتير الحاكم في الصحف المصرية المختلفة، إذ حفلت الفترة الزمنية للدراسة بالعديد من الأحداث السياسية الجسيمة في عهد كل حاكم من حكام الدراسة، كما أولى رسامو الكاريكاتير اهتماما بـ”الإطار الشخصي” في تناول الحاكم في رسومهم لاسيما في رسوم الحاكم مبارك في ما يخص صحته ورفاهيته في شرم الشيخ بعد التنحي وفي بعض الإجراءات المتعلقة بمحاكمته.

أما الحاكم مرسي فتناوله الكاريكاتير في ما يتعلق بضعف شخصيته داخل جماعة الإخوان المسلمين وسيطرة الجماعة على مؤسسة الرئاسة وتراجعه عن قراراته في أكثر من موقف سياسي لاسيما قرار عودة مجلس الشعب المنحل ثم التراجع عنه وتأكيد احترامه للقضاء، وتعيين المستشار عبدالمجيد محمود – النائب العام الذي عزله – سفيرا لمصر في دولة الفاتيكان ثم التراجع عن القرار، ولم يقف الأمر عند حد القرارات، بل تخطاها إلى الإعلانات الدستورية، عندما أصدر إعلانا دستوريا في 22 نوفمبر تضمن تحصين القرارات الرئاسية وجعلها غير قابلة للطعن حتى إقرار دستور جديد ومجلس شعب جديد كما حصن مجلس الشورى واللجنة التأسيسية للدستور بحيث لا يُحل أي منهما، وبعد صراع مع القوى السياسية ودماء سالت في الميادين المصرية اعتراضا على الإعلان تم إلغاؤه في 8 ديسمبر 2012.

صورة الحاكم

الكاريكاتير لم يتناول كفاية الحاكم في مصر
الكاريكاتير لم يتناول كفاية الحاكم في مصر

في استطلاعها لرؤية رسامي الكاريكاتير تجاه تقبل الجمهور المصري لنقد حاكمه والسخرية منه، تقول “أجمع رسامو الكاريكاتير عينة الدراسة أن المصريين رغم ولعهم بالسخرية لكنهم لا يتقبلون السخرية من حاكمهم دائما. فيما عدا الفنان عمرو عكاشة الذي له اتجاه مختلف في ذلك حيث علق قائلا ‘منذ قديم الأزل والشعب المصري ساخر بطبعه، حتى جمال عبدالناصر الذي كان معشوق الجماهير تم رسمه كاريكاتيريا وتقبله الشعب المصري'”.

بينما يرى الفنان مخلوف رؤية مختلفة تماما حيث صرح قائلا “منذ القديم والمصريون يرسمون حكامهم بنوع من التبجيل والتقديس وأحيانا التأليه، وكانت تعاليم الرسم تأتي من الكهنة، حتى وحد أخناتون الديانات وتحرر من الكهنة، فتحرر الرسامون من القيود الدينية وظهر تصوير الحاكم دون المعايير المتناسقة التي كانت مراعاة فيما قبل. أي أنه باختلاف الظروف وباختلاف الحاكم يتغير اتجاه الجمهور نحو تقبل رسم الحاكم بشكل كاريكاتيري من عدمه”.

ويضيف “في بداية عهد مبارك لم يتم رسمه في الكاريكاتير، وبعد فترة عندما تم رسمه كان يتم من خلال رسم المشهد كله كاريكاتيريا ما عدا مبارك يتم رسمه لايف ‘بورتريه في أزهى صورة’، ويُرسم في سن معين وليس عجوزا، ولم يتقبل الجمهور السخرية من مبارك إلا بداية من 2005 وبشكل محدود، ولكنه زاد في السنوات التالية حتى تنحيه، واختلف الجمهور حول نقد المجلس العسكري، وتقبُل السخرية منه، ولاحظنا ذلك في المصري اليوم من خلال الاتصال والتفاعل مع جمهور الصحيفة، بينما تقبل الشعب السخرية من مرسي بدرجة كبيرة للغاية فيما عدا المنتمين إلى التنظيم التابع له كانت ردود أفعالهم عنيفة للغاية”.

المضمون السياسي الساخر المقدم بالصحف المختلفة من خلال فن الكاريكاتير له أدواته اللغوية والأسلوبية والفنية

 ويستكمل الفنان مصطفى سالم قائلا “علاقة الحاكم بالشعب لا بد وأن تكون قائمة على الاحترام وليس التقديس، والجمهور لا بد وأن يرى الحاكم في وضعيته الطبيعية كموظف عام في الدولة يعمل وله أخطاؤه التي يجب أن يحاسب عليها. ورسام الكاريكاتير من مهامه تصيد الأخطاء وإبرازها بهدف التصحيح وليس السخرية فقط”.

وكان ذلك تعليقا على أن الجمهور رغم تقبله لنقد الحاكم في الخمس سنوات الأخيرة (2010 – 2014) لكنه مع قدوم الرئيس السيسي انخفض معدل هذا القبول وبشدة على حد تعبير رسامي الكاريكاتير عينة الدراسة، في حين لم يستنكر الفنان عمرو سليم ذلك بل أكد أن الحذر مطلوب الآن عند تناول الحاكم في الكاريكاتير للتحديات الكبيرة والظروف الراهنة للبلاد بالإضافة إلى الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الحاكم المصري حاليا لدى شعب مصر.

وتوضح غريب أن جميع رسامي الكاريكاتير عينة الدراسة أكدوا أن الحاكم في مصر لا يزال لا يتم تناوله بشكل كاف واختلف تناوله من فترة إلى أخرى. فيقول الفنان مخلوف “نقد الحاكم بشكل مباشر في الكاريكاتير منذ بداية عهد مبارك لم يكن مسموحا به قبل عام 2005 وتجربة صحيفة الدستور”. وبرر الفنان هاني شمس ذلك قائلا “سمح مبارك لتجربة صحيفة الدستور بأن تبقى في النور لفترة بناء على ضغوط أميركية تنادي بالحريات الإعلامية”.

ويتابع “وزاد انتقاد مبارك في الكاريكاتير قبيل رحيله واستمر نقد الحاكم مع المجلس العسكري ومع مرسي بشكل واضح. وفي عهد مرسي زاد التضييق على رسامي كاريكاتير الصحف القومية على عكس ما يظنه البعض بأن الحريات الإعلامية زادت في عهده. بل كان أي رسم يؤول بطريقتهم، مثلا عندما أرسم كاريكاتيرا به فاكهة المانجو حتى وإن لم يكن يتعلق بمرسي من قريب أو بعيد يتم تأويله على أنه سخرية منه بعد حديثه عن أن زيادة محصول المانجو من أهم إنجازاته”.

وأكد الفنان عمرو سليم أنه تم التخلص من الكثير من القيود المانعة لتناول الحاكم في الكاريكاتير بعد سقوط نظام مبارك. ووصف الفنان عمرو عكاشة فترة حكم الرئيس الأسبق مرسي بأنها “كانت فترة كرتونية كاريكاتيرية بحتة”.

13