خيار الحكومة الموحدة يتصدر المزاج السياسي العام في ليبيا

بدأ مقترح تشكيل حكومة جديدة موحدة في ليبيا يتحول إلى مزاج عام يتصدر المشهد السياسي في ظل استمرار الجدل حول متطلبات المرحلة القادمة والمسار الانتخابي وتوحيد مؤسسات الدولة.
وبالكثير من الوضوح اعتبر المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي أن الحل الوحيد لتحقيق الأمن والازدهار لليبيا هو تشكيل حكومة جديدة موحدة؛ ليست حكومة غرب أو شرق وإنما حكومة لكل الليبيين. وأكد في مقابلة مع قناة “«الحدث” السعودية السبت أن “القادة الليبيين في موقع المسؤولية يدركون أنهم فشلوا في الاستجابة لتطلعات الشعب الليبي”، مشددًا على أن الليبيين مازالوا يتوقون إلى التغيير.
وفي إشارة إلى المسؤولين الذين يتصدرون السلطة حاليا رأى باتيلي أنه “من المؤسف أن أولئك الذين يقودون ليبيا اليوم يتشبثون بمناصبهم ومواقعهم، ويستفيدون من الوضع القائم على حساب الشعب الليبي”. وتابع أن “هنالك حكومة في الغرب وأخرى في الشرق تتنازعان الشرعية. والواقع أنه ليست هنالك أيّ مؤسسة تتمتع بالشرعية في ليبيا”.
مشاورات تجري بين عدد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية للتوصل إلى توافق على إيجاد حل يقنع الجميع
كما أكد على ضرورة أن يدرك مجلسا النواب والدولة أن “وقتهما قد نفد وأن عليهما خلق وضع سياسي يسمح بالتغيير”.
وقبل ذلك أوضح باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي أن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، جدد التأكيد خلال مناقشاتهما للأوضاع في البلاد على أن القضية الرئيسية التي ينبغي أن تُطرح على جدول الأعمال هي تشكيل حكومة موحدة، لأن هذا سيكون من الصلاحيات الرئيسية لمجلس النواب باعتباره “السلطة الشرعية الوحيدة” المعنية بهذا الشأن، وأنه سوف يشارك فقط في حال إما مشاركة الحكومتين أو استبعادهما معا، بينما يصر عبدالحميد الدبيبة على أنه لن يتنحى عن منصبه الحالي إلا بعد إجراء الانتخابات، ما يعني أن حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها ستشرف على العملية الانتخابية المقبلة.
وتعتبر مسألة الحكومة الجديدة حجر عثرة في طريق الحل السياسي، وأدت إلى فشل المبادرة التي كان المبعوث الأممي أطلقها في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، والتي كانت ترتكز على عقد لقاء خماسي بين رؤساء مجلسي النواب والدولة والمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والقائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر.
وعلمت “العرب” أن هناك مشاورات تجري بين عدد من الفاعلين الإقليميين والدوليين حول ضرورة حلحلة الأزمة السياسية بتشكيل حكومة جديدة عبر الدمج بين حكومة الدبيبة والحكومة المنبثقة عن مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، وتكليف صدام حفتر بحقيبة الدفاع في سياق تهيئة الظروف الملائمة لتوحيد المؤسسة العسكرية، كما تم طرح إمكانية تكليف الدبيبة بمنصب رئيس المجلس الرئاسي بدلا من محمد المنفي، ليكون بذلك القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال المرحلة القادمة.
وفيما تحدثت تقارير متخصصة عن تبني القاهرة مقترح دمج الحكومتين ودعوتها أنقرة إلى الموافقة عليه أكد فتحي المريمي، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب، أن هذا الموضوع غير مطروح حتى الآن، وقال “بتشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات، ستنتهي جميع المراحل الانتقالية”، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي يطلب من الأطراف الليبية بإلحاح أن تسارع إلى إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة تشرف عليها في كافة أنحاء البلاد.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن مشاورات تجري بين عدد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية للتوصل إلى توافق على إيجاد حل يقنع الجميع، وأن موضوع دمج الحكومتين قد يكون الحل المناسب لاحتواء الفرقاء الأساسيين، لكن لا ضمانات لنجاح المقترح إذا تمسكت الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الليبي باستمرار الوضع على ما هو عليه خدمة لمصالحها وحفاظا على امتيازاتها.
وفي سياق متصل قال المبعوث الأميركي الخاص السفير رتشارد نورلاند إن بلاده تجدد التزامها بدعم الليبيين جميعا لاختيار حكومة موحدة، داعيا القادة إلى منح الأولوية للصالح العام.
وضمن تدوينة على موقع السفارة الأميركية في منصة إكس بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لثورة 17 فبراير أبرز نورلاند “تؤكد الولايات المتحدة من جديد التزامها بدعم الليبيين من الشرق والغرب والجنوب في جهودهم لتحقيق تطلعاتهم طويلة الأمد نحو اختيار حكومة موحدة تضمن التنمية المتساوية لجميع مناطق البلاد وتحقيق السلام والازدهار على المدى البعيد”.
وكانت واشنطن قد أطلقت منذ الصيف الماضي عددا من الإشارات حول مساندتها مبدأ تشكيل حكومة ليبية موحدة تدير شؤون البلاد إلى حين تنظيم الانتخابات التي تفرز السلطة الجديدة الدائمة.
وبات هناك شبه إجماع في الداخل الليبي على ضرورة تجاوز مرحلة الانقسام الحكومي بإيجاد حكومة قادرة على إدارة شؤون كامل الجغرافيا الليبية، على أن تكون محل ثقة مختلف الفرقاء في إدارة الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والرئاسية.
ويجد هذا المقترح دعما من قبل أطراف داخلية عدة من بينها “حراك مصراتة” الذي نقل إلى عدد من العواصم الإقليمية والدولية موقفه المتمسك بالإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، فيما شدد الدبيبة قبل أيام على الرفض التام لمسألة تشكيل حكومة جديدة، وأكد أن حكومته جاءت لتكون آخر مرحلة انتقالية في ليبيا، وشدد خلال حضوره القمة العالمية للحكومات في دبي على أن المرحلة الثانية ستكون الاتفاق على قاعدة دستورية لتنظيم الانتخابات ثم إجرائها.
وينتظر أن يواصل موضوع تشكيل حكومة جديدة تصدر الاهتمام داخل المشهد السياسي الليبي، وبين الفاعلين الإقليميين والدوليين، بالتزامن مع استمرار الدبيبة في إقناع حلفائه بضرورة بقاء حكومته إلى حين تنظيم انتخابات تأتي بسلطات جديدة تعبر عن إرادة الشعب. لكن حتى هذا الطرح يثير جدلا وسعا، باعتبار أن المقربين منه يتحدثون عن قناعته التامة بالاستمرار في الحكم لسنوات أخرى، وعدم استعداده للتخلي عن السلطة مهما كانت الأسباب، وذلك لعدد من الاعتبارات منها أنه بات يمثّل أبرز مراكز النفوذ المالي والاقتصادي ويحظى بدعم تيار المفتي المعزول الصادق الغرياني وأغلب أمراء الحرب في المنطقة الغربية، إلى جانب اعتماده على دبلوماسية العقود والصفقات في ضمان مساندة بعض العواصم المؤثرة في الملف.