الإعلام المصري يعتمد على الشعبوية في الرد على الشائعات حول حرب غزة

برامج التوك شو ليست ذات فاعلية في تشكيل وعي الجمهور.
الأربعاء 2024/02/14
أسلوب غير مفيد

حضرت اللهجة الشعبوية في مختلف البرامج على القنوات المصرية للرد على الشائعات بشأن الموقف المصري من تطورات الحرب في غزة، وهو أسلوب تمت تجربته ولم يقنع قطاعات واسعة تتأثر بشائعات تمررها جهات معادية.

القاهرة - حضرت التطورات الجارية في قطاع غزة والاستعدادات الإسرائيلية لاجتياح رفح بكثافة في الإعلام الفضائي والمحلي بمصر، وانعكست على زيادة المساحة المخصصة لتناول الشأن الخارجي، في ظل استنفار ظهر في ردود بعض وسائل الإعلام على تصريح أطلقه أخيراً الرئيس الأميركي جو بايدن وتحدث فيه عن إغلاق معبر رفح في بداية الحرب قبل تدخله لإقناع الرئيس عبدالفتاح السيسي بفتحه.

وبدا بيان الرئاسة المصرية رداً على تصريح بايدن نقطة انطلاق نحو تقديم المزيد من التحليلات التي ركزت على الجهود المصرية في التعامل مع تطورات غزة، غير أن وسائل الإعلام استهدفت أساسا الداخل دون أن تترك تأثيراً قويًا في الخارج.

وحضرت اللهجة الشعبوية التي يستخدمها البعض من مقدمي برامج “التوك شو” في الرد الإعلامي على تصريح الرئيس الأميركي، وتضمنت إشارات تحوي تشكيكا في قدراته الذهنية، وهو أسلوب تمت تجربته ولم يقنع قطاعات واسعة تتأثر بشائعات تمررها جهات معادية تضع مسؤولية ضعف دخول المساعدات عبر معبر رفح على عاتق القاهرة، ما يتماشى مع الرواية الإسرائيلية التي قدمت إلى محكمة العدل الدولية.

وعلق الإعلامي مصطفى بكري في برنامجه “حقائق وأسرار”، على قناة “صدى البلد”، على كلام بايدن قائلًا “الراجل ده قاعد يهبّل بكلام مش عارف معناه، فقد عقله، مش عارف الأخ من الأخت، ده لو عندنا نوديه الخانكة أو العباسية (هذا الرجل يهذي بكلام لا يعرف معناه، فقدَ عقله، لا يميز بين الأخ والأخت، لو كان عندنا لنقلناه إلى الخانكة أو العباسية)، في إشارة إلى مستشفى الخانكة للأمراض العقلية ومستشفى العباسية للصحة النفسية.

إبراهيم الصياد: الوقت يداهم الجهات المعنية بإنشاء فضائية إخبارية متطورة بلغات أجنبية
إبراهيم الصياد: الوقت يداهم الجهات المعنية بإنشاء فضائية إخبارية متطورة بلغات أجنبية

وأضاف بكري “الرئيس الأميركي وتصريحاته أن السيسي رئيس المكسيك دليل قوي على الحالة العقلية التي وصل إليها، هذا المعتوه بدلا من أن يدين ما يجري في غزة، جاي (أتى) يرمى أخطاءه على مصر، أي مصيبة نحن نعيشها، واحد مجنون في تل أبيب وآخر معتوه في واشنطن”.

ويتفق خبراء الإعلام على أن اللغة التي يستخدمها الإعلام المصري قد تصلح لمخاطبة قطاع في الداخل لا يبدي اهتماماً بما يدور على الحدود الشرقية، لكنه لا يشكل أداة إعلامية يمكن الاعتماد عليها في مخاطبة شريحة كبيرة من المصريين تتلقى بشكل مستمر أنباء مرتبطة بالموقف المصري في غزة من وسائل إعلام أجنبية.

ومع أن فضائية “القاهرة الإخبارية” لعبت دوراً مهمًا في تقديم وجهة النظر المصرية إلا أن تقديم معلومات حول ما يدور في كواليس التطورات الراهنة بشكل كثيف من خلال الإعلام العربي والأجنبي يجعل هناك رغبة في متابعة ما ينقله هذا الإعلام.

وتكمن الخطورة في اكتفاء الإعلام المصري بأن يكون رد فعل على ما يتم تداوله من أنباء، وهو أمر بحاجة إلى خطة واضحة تنقله من الدفاع إلى الهجوم، فحجم الشائعات والمعلومات غير الدقيقة التي تتدفق حول الدور المصري في الحرب الحالية على غزة يصعب وأده بالنفي فقط، ذلك أن الأمر يتطلب قدرا من النقاش الموضوعي الذي يسهم في خلق رأي عام يقتنع بما تمرره جهات رسمية من معلومات.

وقال رئيس قطاع الأخبار الأسبق في التلفزيون المصري إبراهيم الصياد إن “القاعدة المهمة التي تشير إلى أن استقرار مصر لا يحدث دون استقرار الجبهة الشرقية تتطلب سياسة إعلامية تتماشى مع خطورة الوضع الراهن، ما يجعل الاعتماد على أساليب قديمة غير مجد، ولا يحقق المرجو من أهداف الإعلام الذي يعلب دوراً مهمًا في التوعية”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “وسائل الإعلام المصرية تقف الآن في زاوية واحدة وعليها تقديم الحقائق بشفافية مع مراعاة مقتضيات الأمن القومي، وعدم ترك الشائعات التي تتعلق بالدولة تتسرب وتمر مرور الكرام وسط بيئة خصبة تساعد على تشويه الحقائق وتؤثر سلبًا على معنويات وتوجهات المواطنين بشأن ما تتخذه الدولة من خطوات جادة للتعامل مع خطورة الأوضاع الأمنية بالقرب من سيناء”.

حجم الشائعات والمعلومات غير الدقيقة التي تتدفق حول الدور المصري في الحرب الحالية على غزة يصعب وأده بالنفي فقط

وشدد على أن العلاقة بين الجهات الرسمية ووسائل الإعلام بحاجة إلى تعديلات جذرية، وأن الصحافيين في مصر عليهم ألا يلتزموا بما يتم تقديمه لهم من معلومات، وهم بحاجة إلى المشاركة في صياغة الرسائل التي تقدمها الدوائر الحكومية، والاكتفاء بنشر ما يتم توفيره من معلومات لا يتسق مع الأساليب الحديثة لإقناع المشاهدين ومن المهم التأكيد على توفير أكبر قدر من الحقائق قبل نشرها في وسائل إعلام أجنبية.

وذكر الصياد لـ”العرب” أن “الوقت يداهم الجهات المسؤولة عن إدارة المشهد الإعلامي بشأن إنشاء فضائية إخبارية متطورة بلغات أجنبية، من بينها اللغة العبرية، لمخاطبة المجتمع الإسرائيلي الذي يرفض ممارسات حكومته، وهو ما يفعله الإعلام الإسرائيلي الموجه إلى الجمهور العربي حاليًا، والاعتماد على البيانات الرسمية والبعثات الدبلوماسية كما كان في السابق لن يحقق الانتشار الذي تعتمد عليه الحكومات المختلفة”.

وتجاوب الإعلام المصري مع أخطار الاعتماد على الرأي الواحد ومنح مساحة أكبر اتساعاً لوجهات نظر متباينة للحضور في برامج وقنوات فضائية عدة، وبدت هناك رسائل مهمة مفادها أن الخلاف حول التوجهات الداخلية للحكومة المصرية يجب أن يكون بمعزل عن أي توافق تجاه التعامل مع الأخطار الوجودية.

وقالت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة نجوى كامل إن “الإعلام المصري وقع من قبل في أخطاء عديدة لأنه لم يركز على محاور الوعي المهمة في وقت واجهت فيه الدولة تحديات أمنية صعبة في مقدمتها الحرب على الإرهاب، وجاء التركيز على برامج المنوعات واستخدام سياسة الإلهاء في وقت تتزايد فيه الأخطار عبر الحدود، وهو ما جعل بعض المواطنين يتحدثون عن ارتفاع أسعار بعض السلع الهامشية في أجواء قد يندلع فيها صراع عسكري في أي لحظة”.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “المواطن المصري لا تصله رسائل خطورة الوضع على الحدود، والجمهور يتأثر بما يتلقاه من معلومات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مع انتشار اللجان الإلكترونية التي تشكك بشكل مستمر في أي دور للدولة تجاه أزمة غزة أو غيرها من الأزمات التي تتعارض مع مصالح قوى معادية أخرى، وهو ما يتطلب وضع خطة لإدارة الأزمة من أجل التعامل مع الوضع الراهن الذي غاب فيه دور لجان الأزمات داخل الوزارات والهيئات، ومن بينها الإعلام الذي تأثر بالحالة العامة”.

وأكد الصحافي عبدالله السناوي السبت، في تصريحات أدلى بها خلال استضافته في برنامج “المساء مع قصواء” على فضائية “سي.بي.سي”، على ضرورة أن يدافع المواطنون عن أمنهم القومي، على الرغم من ظروفهم الاقتصادية.

5