"ورق الذكريات" للإماراتية صالحة غابش.. فلسفة الخوف والوجع

الكاتبة صالحة غابش تعرض في روايتها كل الأحداث التي أرادت الكشف عنها من خلال تضفير حاضرها المرئي بماضيها البعيد.
الثلاثاء 2024/02/06
امرأة تتذكر وتتساءل (لوحة للفنانة سارة شمة)

لا شك في أن أحداث حياة المبدع تؤثر على مجريات الأمور في أدبه وشعره، وهو ما يؤكده الأكاديمي والناقد الراحل صلاح فضل، حين قال إن السيرة الذاتية للكاتب تُعد عنصرا جوهريا في الكتابة الروائية، حتى وإن توارت الذات وبدا الكاتب بعيدا عن التورط في علاقات وحياة شخوص العمل وفضائها.

ويقول الروائي والمترجم السوري هيثم حسين في كتابه “الشخصية الروائية”: “إن كل إنسان مشروع شخصية روائية. وأن يومياته وحياته الخاصة تشكل أرضا خصبة لآلاف الروايات. وأن شخوص العمل تقترب بشكل أو بآخر من شخصية كاتب العمل نفسه ليشكلا مزيجا من شخصية متخيلة وأخرى واقعية”.

بوكس

ومن خلال ذلك، تقفز لدينا السلطة النافذة للمؤلف. وهو ما ينطبق على الشاعرة والأديبة الإماراتية صالحة غابش في روايتها الأخيرة “ورق الذكريات” الصادرة عن هيئة الشارقة للثقافة، والتي تطرح الأسئلة حول الوجود والإنسان، والذات، والخوف، وذلك من خلال اللعب مع المفاهيم الدينية والثقافية، مع عدم نسيان المرحلة العمرية للراوية أو البطلة.

تعيش بطلة الرواية على ذكرياتها مع زوجها رجل الأعمال الذي انفصلت عنه، وتلتقيه ليلة زواج ابنتهما، ويرفض أن تعود وحدها للبيت، من خلال الصور والذكريات التي جمعت بينهما منذ الصبا. وتربط ذلك بذكرياتها مع والدها الذي كان مستشارها في أمورها الحياتية والشخصية، وهو ما يؤكد أن الحب– مهما كانت الخلافات – لا يموت.  ويبقى قابعا في دهاليز العقل. وبمجرد النظرة التي تأتي بلا ترتيب، تشتعل جذوته من جديد. لذلك تجاهد “آمنه” لمعرفة حقيقة ما يدور بداخلها، وهل ما زالت تفتقد “سعيد” حبيب العمر وشريك الحياة، وهل النور الذي تحسه في نفسها بداية لعودة حياتها؟

ويستشف من القراءة المتأنية للرواية أن صالحة غابش تؤكد على أربعة شروط يختار الإنسان على أساسها شريك حياته، والشرط الأول هو إصرار المرأة على اختيار رجل صعب لتقلب مزاجه، والشرط الثاني هو المرأة العفيفة التي تضع كرامتها فوق كل اعتبار مهما كانت المكاسب التي ستجنيها، والشرط الثالث هو الوفاء المرضي للزوج والحبيب رغم الإحساس بالقهر، فيما الشرط الرابع والأخير هو إحساسها بأنها المنقذة لاعتقادها الراسخ بأن هذا الرجل دوما بحاجة إليها.

بوكس

وتتساءل الراوية في الصفحة الأولى من الرواية قائلة: “ما الذي يخيفنا من الذكريات؟ وما الوجع الذي تحمله ونريد أن ننفضه من الذاكرة؟”، وتجيب على تلك الأسئلة بأسئلة: “إحباطاتنا؟ أوجاعنا؟ آلامنا التي تشعرنا أننا أقزام؟، عزلتنا في حضور من يشعرون أنهم الأهم في الحياة، وأنت (تقصد نفسها) مثل الكلمة الوحيدة ذيلت في هامش بحث مهم؟”، وكلها أسئلة تبحث من خلالها صالحة غابش عن الوجود وماهيته، لذلك قدمت روايتها بإهداء فلسفي وهو “إلى كل سردية تمنحنا الفرصة من الانتقال من سطر لآخر والبوح بما تخفيه السرائر”، وهي تيمة ممتدة منذ زمن الأولين فيودور دوستويفسكي ومارسيل بروست وميغيل دي ثيربانتس وبسكال وغيرهم.

اعتمدت غابش في روايتها “ورق الذكريات” التي تقع في 128 صفحة، على تقنية الفلاش باك بعنصريه الداخلي والخارجي. وهي طريقة عرضت من خلالها كل الأحداث التي أرادت الكشف عنها من خلال تضفير حاضرها المرئي بماضيها البعيد، منطلقة منه إلى نقطة ضوء جديدة تقودها إلى المستقبل، وترتيب حياتها بشكل آخر يعتمد على بيئتها الثقافية والدينية وحبها لوالدها الذي ارتبطت به لدرجة الجنون، ووصاياه التي تحفظها عن ظهر قلب، وزياراتها اليومية له في المستشفى الذي يعالج فيه.

وتنتهي الرواية – التي بدأت بالتساؤلات –  بعودة البطلة إلى بيتها وتجاهل وجود زوجها سعيد الذي كان ينتظرها ويطلب العودة إليها، لكنها تنهض بقوة المرأة – رغم أحزانها – وتغلق باب الغرفة، وهو ينادي عليها: آمنة، آمنة دعينا نتحدث.

12