"أنين صامت".. فيلم مغربي يطرح قضية التوحد وعلاقته بالمجتمع

المخرجة المغربية مريم جبور لـ"العرب": أبرز جانبا جديدا من حالات التوحد.
الخميس 2024/02/01
فيلم واقعي مؤثر

الكثير من الأفلام تناولت ما يواجهه البشر من خلل واضطرابات وأمراض في كشف لجزء هام من الطبيعة الإنسانية  التي يغفل عنها التمشي العام الذي يقسم خطأ الناس بين سليمين ومعطوبين، وهو ما يتجاوزه الفن موحدا بين البشر. المخرجة المغربية الشابة مريم جبور اختارت لفيلمها شخصية شاب يعاني التوحد، مقدمة رؤية جديدة للحالة. وقد كان لـ“العرب” معها هذا الحوار حول عملها الجديد.

الرباط - تعتبر السينما والأفلام التلفزيونية وسيلة فعالة لنقل الرسائل وتوجيه الانتباه نحو قضايا اجتماعية هامة، ومن بين هذه القضايا تبرز حملات التحسيس حول أمراض التوحد وأهمية التضامن الأسري مع المصابين به، إذ يتيح للمخرجين والمؤلفين فرصة لتسليط الضوء على تلك القضايا بشكل ملموس ومؤثر، وبالتالي، يكونون سببا في توجيه الانتباه إلى تحديات المجتمع ودعم الحملات التوعية حول معاناة المريض ومن يرعاه.

وإحدى القضايا الهامة التي يمكن للأفلام أن تلتقط قصصها وتعكس تأثيرها الاجتماعي هي التوحد، فهذه الحالة جزء من واقع العديد من الأسر حول العالم، حيث يمكن للمشاهدين فهم تحديات الأفراد المصابين بهذا الاضطراب، وكيف يمكن للتضامن الأسري أن يلعب دورا حيويا في دعمهم وتسهيل حياتهم اليومية.

رؤية جديدة

مريم جبور: اخترت أن يكون بطل فيلمي شابا لأبرز أن التوحد حالة لا ترتبط بالأطفال فقط بل بالشباب أيضا
مريم جبور: اخترت أن يكون بطل فيلمي شابا لأبرز أن التوحد حالة لا ترتبط بالأطفال فقط بل بالشباب أيضا

تعتبر حالات التوحد أحد الاضطرابات الطيفية التي تؤثر على التفاعل الاجتماعي والتواصل، وتظهر بتنوع واسع في الأعراض والتأثيرات على الأفراد المصابين، إذ يعيش الأفراد ذوو التوحد تجربة فريدة ويواجهون تحديات مختلفة داخل المجتمع، حيث قد يصطدمون بصعوبات في التفاعل مع الآخرين وفهم العالم من حولهم.

وتتباين حالات التوحد مما يعني أن تأثيراتها تظهر بشكل فردي على كل فرد يعاني منها، فبعض الأفراد قد يظهرون مهارات فائقة في مجالات معينة، في حين يحتاج آخرون إلى دعم مستمر وتوجيه، إذ تظهر عليهم صعوبات في التواصل الاجتماعي وفهم السياق الاجتماعي بوضوح، مما يؤثر على علاقاتهم الشخصية والمهنية، ويجدون صعوبة في التكيف مع بيئة متغيرة وفهم القواعد الاجتماعية المعقدة.

ويطرح فيلم “أنين صامت” للمخرجة المغربية الشابة مريم جبور قضية التوحد وعلاقته بالمجتمع. وتدور أحداث الفيلم في حي شعبي قرب البحر، حيث يعيش “يونس” مع والده الصياد “إدريس” إذ يعاني “يونس” البالغ من العمر 28 سنة من مرض التوحد الذي يتسبّب له في اضطرابات ويدخله عالمه الخاص، في الوقت الذي يقضي فيه “إدريس” معظم يومه في البحر، بينما يحاول “إدريس” بإمكانياته الخاصة وثقافته البسيطة معالجة ابنه بطرق تقليدية.

الفيلم من أداء كل من محمد خيري، وسعيد الرحماني، ونبيل عاطف، وتم اختيار فيلم “أنين صامت” في المسابقة الرسمية المشاركة في مهرجان الإمارات للأفلام الذي سيقام قريبا.

تقول المخرجة المغربية مريم جبور لـ”العرب” حول اختيارها موقع الحي الشعبي قرب البحر كمسرح لأحداث فيلمها “ليس هناك شيء محددة أحاول الوصول إليه من خلال اختيار الحي الشعبي قرب البحر، بل يعكس هذا الاختيار قرارا إبداعيا يستند إلى استدعاءات القصة لتتناسب البيئة مع السياق العام”.

الفيلم يحمل مجموعة من المشاعر والأحاسيس مثل الألم والمعاناة والسعادة وهذه مشاعر أرادت المخرجة تشاركها مع الجمهور
الفيلم يحمل مجموعة من المشاعر والأحاسيس مثل الألم والمعاناة والسعادة وهذه مشاعر أرادت المخرجة تشاركها مع الجمهور

واستخدمت المخرجة تقنيات إخراجية مبتكرة لتصوير مشاهد يونس وهو يعاني من مرض التوحد مع والده الصياد، وتعلق على ذلك “تأتي تلك التقنيات في شكل اعتمادي على الكاميرا المتحركة، خاصة في المشاهد التي تصور نوبات يونس، إذ ساعدتني في نقل تأثيرات تلك النوبات بشكل واقعي ومؤثر، كما اعتمدت الإخراج الصامت كغموض يجرّ الجمهور إلى عالم يونس، مع التركيز على الأحاسيس بدلا من الحوارات الكلامية، ممّا أضفى طابعا خاصا وعميقا على تجسيد تجربة يونس وعلاقته مع والده”.

وتضيف عن سبب تقديم شخصية يونس بعمر 28 سنة، وكيفية تأثير ذلك على رؤية المشاهدين لتجربته مع الأب إدريس “اخترت هذا السن بهدف إبراز جانب جديد ومختلف من تجربة التوحد، في ظل أن معظم الأعمال الفنية تركز على قصص الأطفال الصغار الذين يعانون من التوحد، فإن اختيار عمر يونس البالغ 28 سنة يعكس تحولا فنيا ويسلط الضوء على التحديات التي قد تستمر مدى الحياة”.

ويؤثر هذا الاختيار، وفق المخرجة، على رؤية المشاهدين لأنه يظهر العزلة والتحديات التي يواجهها “يونس” كشخص بالغ، وتفاعله اليومي مع أبيه، كي يتسنى للجمهور فهم أعمق للتحديات التي يواجهها الأفراد الذين يعيشون مع التوحد وكيف يؤثر ذلك على حياتهم وحياة من حولهم.

وتكشف مريم جبور أهمية التفاصيل البسيطة في تصوير حياة “يونس” ووالده “إدريس” موضحة “تكمن في إبراز عمق العلاقة بين الأب والابن، وهذا من خلال تسليط الضوء على التفاصيل اليومية واللحظات الصغيرة، إذ يتم نقل قوة الحب والارتباط بينهما، وهذه التفاصيل تكشف عن الروابط العاطفية وتبرز جوانب إنسانية تجعل الجمهور يشعر بالتعاطف والتفاعل مع شخصيات الفيلم”.

أهمية التفاصيل

فيلم برؤية واقعية
فيلم برؤية واقعية

في حديثها عن إعداد الممثل وتقديم شخصية معقدة مثل شخصية “يونس” تقول جبور “تجسيد شخصية مصابة بالتوحد بشكل واقعي يتطلب فهما دقيقا للسلوكيات والعادات المميزة للأفراد ذوي هذا الاضطراب، وفي هذه الحالة يضطر الممثل للتعمق في البحث والدراسة لفهم الطريقة التي يتفاعل بها الأفراد المصابون بهذا النوع من المرض، مما يتطلب جهدا إضافيا لتقديم أداء يعكس تجربة هؤلاء الأفراد بشكل حساس ودقيق”.

وتوضح المخرجة مميزات العلاقة التي تربط “إدريس” مع “يونس” خاصة في ظل ثقافته البسيطة وقيمه العائلية قائلة “الجانب المميز هو علاقتهما بالبحر، فيونس يعيش في عالمه الخاص داخل غرفته الصغيرة، منشغلا بصناعة البواخر الصغيرة، بينما يقضي والده يومه في صيد السمك، من جهة أخرى يظهر هذا التفاعل من خلال علاقة الحب التي تجمعهما خاصة في غياب الأم، وتظهر عندما يقوم الأب بإحضار فقيه معالج بالرقية الشرعية، نتيجة جهله بأعراض التوحد”.

وتقول مريم جبور عن تقنيات التصوير التي اعتمدتها في تفاعل “يونس” مع العالم الخارجي “تم تصوير عزلة يونس أولا داخل منزله، وهو يعيش بمفرده وسط قطع خشب ومسامير يستخدمها في صنع مراكب خشبية، ثم جاءت محاولات والده لإخراجه من هذه العزلة، وهذا يشكل التحدي الذي تم التغلب عليه في نهاية الفيلم”.

وتضيف المخرجة المغربية حول تركيزها على قضايا التوحد والتفاهم والتقبل في المجتمع بقولها “يحمل الفيلم مجموعة من المشاعر والأحاسيس مثل الألم، والمعاناة، والسعادة، وهذه المشاعر هي التي أردت مشاركتها مع الجمهور من خلال العديد من المشاهد، وتعتبر هذه التجارب جزءا من تجربتي الشخصية، إذ يبرز أيضا كيف تأثر رجل يواجه صعوبات مع ابنه المصاب بالتوحد، ويجدر بالذكر أن القصة مستوحاة من أحداث حقيقية، ولكن تم تقديمها بتفاصيل فيلمية تقريبية”.

13