عادل عبدالمجيد.. مطرب ليبي قليل الظهور رغم ثراء تجربته

تزخر ليبيا بالعديد من التجارب الفنية اللافتة، خاصة في المجال الموسيقي. فقد ذاع صيت الأغنية الليبية بفضل ألحانها المختلفة وكلماتها التي خطها شعراء مهمون علاوة على المطربين الذين قدموا فيها أداء نوعيا، وممن ساهموا في تألق الأغنية الليبية الفنان عادل عبدالمجيد.
“هز الشوق حنايا الخاطر/ هدر دمعك يا عيني ماطر/ خطرت إنت مسحت دموعي/ خطرت إنت نورت شموعي/ يا اللي حتى وإنت مباعد/ وين تخطر تهدى الخواطر/ حبيبي تهدى الخواطر”، بتلك الكلمات للشاعر فرج المذبل، ترنم الفنان عادل عبدالمجيد من ألحانه التي شكلها وفق رؤية تعبيرية رائعة، ليقدم للجمهور والذائقة والتاريخ واحدة من أجمل ما تتضمنه خزينة الأغاني الليبية.
اسمه الحقيقي عبدالمجيد إبراهيم جويلي، وهو من مواليد مدينة مصراتة في العام 1944، حيث نما وترعرع قبل أن ينتقل مع أسرته كغيره من الليبيين إلى مدينة بنغازي، حيث انضم إلى مدرسة ابتدائية صادف أن كان الشاعر مصطفى قادربوه مدرسا فيها، وهو الذي يعتبر من أهم وأبرز الشعراء الليبيين الذين كتبوا الشعر بالعامية والفصحى. وقد أحب اللغة العربية ونظم في مطلع حياته القصيدة الفصحى بنوعيها العمودي والحر، غير أن الأغنية الليبية هي التي أخذته. جدد كلماتها وخرج بها من اللهجة القديمة إلى كلمات ليبية متداولة، فكانت بصماتها واضحة على مسارات التطور الواضح في مفردات الأغنية.
تجربة ثرية
رغم ثراء تجربته وتميز رصيده الفني والموسيقي، إلا أن عادل عبدالمجيد يبقى قليل الظهور في بلاده ليبيا
إذا كان قادربوه أول من اكتشف موهبة الفتى اليافع الذي كان مغرما بالفنان فريد الأطرش وحافظا أغلب أغانيه، فإن الخطوة المهمة في حياته هي التحاقه في العام 1963 بركن الهواة في إذاعة بنغازي التي كان بثها انطلق في العام 1951، والذي كان يقدمه الفنانان شادي الجبل ومحمد صدقي وهما من ألمع الأصوات الغنائية التي أغنت الغناء الليبي خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
من هناك بدأت مسيرته الفنية، لاسيما بعد أن أطلق عليه الفنان الكبير حسن العريبي اسم عادل عبدالمجيد، وكانت أول أغنية يسجلها هي “انسيه ما تبكي” ألحان الفنان الفلسطيني علي أبوالسعيد الذي كان مدرس موسيقى بمدارس اللاجئين في قطاع غزة. ثم انتقل إلى ليبيا، حيث أقام وعمل حوالي 33 عاما في مدينة بنغازي كعازف كمان في فرقة الإذاعة الموسيقية ومدرس موسيقى في المدارس الليبية، وقدم عددا من الألحان للأصوات المحلية.
في العام 1964، كان عادل عبدالمجيد من ضمن المجموعة التي اختارها حسن العريبي للدراسة بمعهد الموسيقى في طرابلس، حيث أتقن العزف على آلة التشيللو. وخلال تلك الفترة، لحن له الموسيقار كاظم نديم أغنية “مش كل من جرب الحب” من كلمات خليفة فرج، وسجلها في إذاعة طرابلس. وبعودته إلى بنغازي، انضم للفرقة الموسيقية بإذاعته سنة 1967. وفي العام الموالي، تم اعتماده كملحن ليقدم أول ألحانه “كان فرح خاطري” و”نسيت طول غيابك”، ومن هناك لحن عددا من الأغاني من بينها “يا سلام ع الفرحة وبهجتها” التي فتحت أمامه أبواب الشهرة وأصبحت واحدة من أكثر أغاني الأفراح انتشارا في البلاد.
وغنى عبدالمجيد من ألحان فنانين آخرين، فكانت أغنية “عيرني وقلبي” و”يا شمس يا شموسة” و”الشمس في رحلة” من ألحان عبدالجليل خالد، و”عيونك الحلوة” و”عاتبيني” للملحن إبراهيم فهمي، و”يا سلام ع النسمة” و”أنا عربي” ألحان عبدالحميد شادي.
شارك عادل عبدالمجيد في “ملحمة مسيرة النضال” مع محمد حسن وسهام شماس وألحان عبدالجليل خالد، وسجلت في بيروت سنة 1974، وغنى في دار الأوبرا المصرية عند افتتاحها أغنية “أنا عربي”، ومثل بلاده كعازف ومطرب في تونس والجزائر والمغرب ومصر ولبنان واليمن وعدد من الدول الأفريقية. وفي العام 1978، شارك في العمل الملحمي الكبير “رحلة نغم” من كلمات الشاعر الكبير فضل المبروك وألحان الفنان المبدع محمد حسن.
سجل الفنان عادل عبدالمجيد حوالي 250 أغنية بصوته الشجي، تعامل خلالها مع شعراء كبار كعبدالسلام قادربوه، وفضل المبروك، وسليمان الترهوني، وعوض الهوني، وعبدالسلام زقلام، وعلي قبيلي، وعثمان الوزري، ومحمد المهدي، وفرج المذبّل. كما غنى من ألحان الكثير من الفنانين، وفي مقدمتهم إبراهيم أشرف الذي يعتبر من أبرز صانعي النغم في ليبيا خلال النصف الثاني من القرن العشرين .
ولحن عبدالمجيد لعدد من الأصوات، كتونس مفتاح “والله ما يسواكم والي” وسلوى الجزائرية “يا بنتي يا نبض القلب” ومحمد نجم “يا ليام” وناصر حمدي “ما تعبنيش معاك” ومحمود الرملي “الوحدة” وسالم بن زابية “يا عز الغوالي”. وغنى للأطفال 15 فزورة قصيرة بمناسبة شهر رمضان، وشارك في منوعة “الواحة” للشاعر الكبير عبدالله منصور مع الفنانين محمد حسن ومريم السعفي وخالد الزواوي.
قليل الانتشار
ليبيا تزخر بالمواهب الفنية لكن خصوصيات المجتمع وإكراهات الواقع وطبيعة الأنظمة التي تداولت على الحكم حالت دون تمكين تلك المواهب من التعبير عن نفسها
رغم ثراء تجربته وتميز رصيده الفني والموسيقي، إلا أن عادل عبدالمجيد يبقى قليل الظهور في بلاده. ولم يواصل الغناء خارجها، إلا من خلال مساهماته في حفلات “الخيمة الغنائية” التي كان يقودها الفنان الراحل محمد حسن، والتي كانت مرتبطة في أغلب الأحيان بظروف سياسية وفي إطار رسمي. وهو ما يشير إلى حقيقة واضحة، وهي أن صاحب أغنية “هز الشوق” و”عاتبيني ” لم يأخذ حقه كاملا بالرغم من تكريمه في مهرجان الموسيقى للعام 2001، وحصوله على وسام العمل الصالح عن مجمل أعماله الفنية.
يقول البعض إن ليبيا تمتاز بأنها تزخر بالمواهب الفنية، لكن خصوصيات المجتمع وإكراهات الواقع وطبيعة الأنظمة التي تداولت على الحكم حالت دون تمكين تلك المواهب من التعبير عن نفسها، وتأكيد حقها في البروز والتألق والانطلاق نحو فضاءات أوسع في الداخل والخارج.
ومع ذلك، فهناك، من يعتقد أن عادل عبدالمجيد هو الذي اختار العمل في صمت، رغم أن حرفته الغناء والعزف والتلحين. وسعى في مناسبات عدة للاعتزال نتيجة قناعاته الخاصة. ولكن ما يوجب الإجماع في الساحة الثقافية والفنية الليبية أنه فنان قرر أن يكون محترما في مساره ومسيرته، وأن يحافظ على مسافة بينه وبين السلطة، كما أنه كان على الدوام صعبا في اختياراته من حيث الكلمة واللحن والأسماء التي يتعامل معها. لقد اختار الاحترام على الانتشار.