لا حزنا ولا فرحا

أخترق زحام المدينة بخطى مترنحة تحمل رأسا ثقيلا وقلبا متعبا وجسدا كأنه “كعب أخيل” الذي أصابته سهام النبوءة في معركة طروادة لدى قدماء الإغريق.
ألج قاعة “يوغا الضحك” مستجديا فرحا قد يأتي.. من يدري.. فقديما قال الصينيون “الضحك يجعلك أصغر بعشرة أعوام من عمرك الحقيقي، أما البكاء فيحيل سواد شعرك إلى بياض”.
أصطف مع الباحثين عن السعادة أمام مدرب لتطوير المهارات البشرية يسمونه بـ”الكوتش”، والذي بدأ بتحريضنا على الضحك عبر مبادرة منه عسى أن يغمرنا الفرح عبر العدوى.
صحيح.. هل إننا نضحك لأننا سعداء أم إننا سعداء لأننا نضحك؟ ليت شعري ما الصحيح.
الجواب ظل، ومنذ أبحاث الفيلسوف بيركسون، في عهدة دارسين وعلماء نفس، لكني شخصيا، أرى في الضحك، كما في البكاء، لغزا إنسانيا معقدا، ويخص البشر وحدهم، فالحيوان لا يعرف الضحك ولا البكاء.. بما في ذلك الأبقار والتماسيح.
ظللت واجما متجهما في مكاني أتفرس وجوه الضاحكين في قاعة “يوغا الضحك”، وأمام “كوتش” يتلوى كخرطوم الكاوتشوك وهو يضحك ويحرضنا على الضحك بلا سبب.
نعم، لقد قالوا لنا صغارا إن الضحك بلا سبب علامة على قلة الأدب.. وأنا لا أريد أن أكون قليل الأدب أمام الغرباء والضيوف.. ولا حتى وحدي أمام المرآة.
لم يفلح الكوتش في نقل عدوى الضحك إلي بل زادني ذلك غضبا وتجهما، إذ كيف أضحك من شيء لا أفهمه.. إنه لمن المبكي أن يشتري الواحد الضحك أو يبيعه.. وكذلك البكاء على حد سواء.
لن تلتمع الدموع في عيني ضحكا أو بكاء لمجرد أن يطلب مني ذلك أحد أو يدعوني إليه كما حصل معي في مناسبات يبكي فيها أصحابها بدوافع قيل إنها “تطهيرية”، لكنها بلا سبب منطقي.
وعلى ذكر “التطهيرية” التي قيل إنها من تجليات المسرح منذ الآشوريين والبابليين والإغريق والرومان، فإني كثيرا ما كنت أقف في الظلام متعجبا من الجمهور الذي يضحك في مشاهد كثيرة من مسرحياتي التي كتبتها وأخرجتها.
أما عن عدوى المشاعر التي تنتقل في المجالس بين جمع من الناس، فلم أتذكر يوما أنها أصابتني، وبقيت كما قال المعري “تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد فما أعدتني الثؤباء”.
المشكلة أن الحالة صارت معي عكسية، إذ تنتابني الرغبة في البكاء عند الأفراح وتباغتني الضحكات في الأتراح.. وتلك – لعمري – معضلة أعاني منها وتسبب لي الحرج دائما.. تضحكني كلمة “لعمري” أحس أن أغلب قائليها من المتفذلكين والكذابين.
غادرت قاعة “يوغا الضحك” بشعر أبيض، لا ألوي على شيء، ومخلفا ورائي دويا من الضحك المجاني، ولكنه مدفوع الثمن.. إنه لأمر يثير البكاء.. تماما كما يثير البكاء المجاني الكثير من الضحك الغزير.