"الإعلام في القرآن الكريم" يحلل آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها

على الإعلاميين قراءة القرآن لفهم أصول المهنة.
الأحد 2024/01/21
الإعلام يتطلب أخلاقا نص عليها القرآن

مع ما يشهده الإعلام من تطور كبير في وسائله وطرق عمله، خاصة مع دخول التكنولوجيا وسلاسة تداول المعلومة وسرعتها، فإن هناك واقعا آخر قاتما يترسخ يوما بعد يوم يجعل من الحقل الإعلامي مجالا للأكاذيب والتشويه والإشاعات، وغيرها من ظواهر تحتاج إلى تربية إعلامية، وهو ما قدمه النص القرآني قبل قرون من الآن.

في كتابه “الإعلام في القرآن الكريم” يذهب الأكاديمي محمود يوسف، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إلى أن الإسلام معني بالتواصل وضوابطه وآدابه، إذ يستهدف أن نرى بعضنا بعضا ونحن في صورة طيبة ويعطي فرصة لتعديل الأمور قبل التواصل.

 ويدعم المؤلف كتابه باستشهاد متكرر من القرآن الكريم، الكتاب الجامع لكل زمان ومكان، فيقدم برؤيته وخبرته الممتدة عبر عقود في الدراسات الإعلامية، خبرات إضافية للإعلام الإسلامي، أو الإعلام من منظور القرآن الكريم، مع مقارنات واقعية غاية في الأهمية من الواقع والممارسة اليومية سواء للإعلاميين المحترفين أو الجمهور والمؤثرين والمشاهير عبر منصات ووسائط التواصل الاجتماعي.

التربية الإعلامية

الكتاب سياحة عقلية وفكرية عبر بوابة الإعلام، تعمق اليقين والإيمان بأن هذا القرآن هو كلام الله المعجز الذي يتعبد بتلاوته، وكيف يمكن أن تتلاقى هذه المفاهيم والقواعد الإعلامية المعاصرة في إطارها المهني والأخلاقي مع ما أشار إليه القرآن منذ عدة قرون.

في سورة النور الآية 27 يقول تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ. حتى تستأنسوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا”، وهنا دلالة على أننا أمام دين يعكس النظام والالتزام والانضباط ويعنى بآليات صناعة صورة المسلم لدى الآخرين ولفت النظر إلى البيوت كمحور ارتكاز لحق الخصوصية، لكن المشاهدات الواقعية تدل على أن حرمات البيوت وخصوصيات الناس صارت منطقة مستباحة، وإذا كان الإسلام قد فرض على الناس آدابًا لدخول البيوت فإن هذه الآداب والضوابط لا ينفي أن تنتهك من وسائل الإعلام.

l

يمضي الكتاب في تحليل الممارسة الإعلامية (الدعائية) التي عرفت ألوانا من السلوكيات غير المهنية والأخلاقية، فإذا بالبيوت وأحشائها وأسرارها ومكالماتها، صارت مضمونا تذيعه قنوات فضائية ومحطات خاصة وأحيانا تكون مملوكة للدول، تحت مسمى ما بات يعرف بالتسريبات التي تكشف الأسرار وتقتحم الخصوصيات، وتعرض حياة الناس الخاصة. وهذه تعكس صورة ملامح غير مقبولة لوسائل الإعلام التي تقوم بمثل هذه السلوكيات، وهي سلوكيات مجرمة تجرمها مهنية الإعلام وترفضها أخلاقياته.

ويشير إلى أن هناك نماذج بشرية تعرض بذاتها خصوصياتها داخل بيوتها على الآخرين، وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات مسجلة لفتيات ونساء في ملابس خليعة وأوضاع مخلة، وتعبيرات وحركات مسيئة. مما دفع أجهزة الأمن إلى إلقاء القبض على الكثير منهن وتوجيه اتهامات تتعلق بإشاعة الفاحشة والترويج للرذيلة ونشر الفجور وإذاعة التدني والانحطاط.

سنرى من خلال هذا الكتاب كيف أحاط القرآن الكريم الكلمة بسياج من الحماية، وجعل لها رسالة، وأناط بها دورا ومهمة.

في سورة النمل الآية 22 يقول تعالى “وجئتك من سبأ بنبأ يقين”، إشارة إلى أن المصدر كان معايشا الواقعة لم يأخذها من مواقع التواصل ولا رصدها وهو جالس في غرفة مكيفة ولا أملاها عليه أحدهم. وبالتالي فإن الاتزام بنقل الأخبار الصادقة والمعلومات الصحيحة يجعل وسائل الإعلام كمنظمات تجسد الاتجاه السليم من حيث الالتزام بالقواعد الأخلاقية والدساتير المهنية للعاملين في مجال الإعلام، وكذلك المنظمات التي تستفيد من المفاهيم العلمية للعلاقات العامة.

‎يتطرق يوسف إلى مسألة التعامل مع وسائل الإعلام وبخاصة المنصات الرقمية، ويشدد على ضرورة تربية الجمهور إعلاميًا، فيقول “علموا الجمهور عدم التسرع في إذاعة الأخبار قبل التحقق منها، ففي سورة النساء الآية 83 يقول تعالى “وَإِذا جَاءَهُمْ أَمْرٌ منَ الأَمْنِ أو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولو رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِين يَسْتَنبِطُونَه ‎مِنْهُمْ”. فالتربية الإعلامية معرفة متخصصة ترشد الجمهور وتعلمه كيف يتعامل مع المضامين الإعلامية التي تنقلها وسائل الإعلام: تعرضا أو اختيارا أو انتقاء، مع ضرورة تجنب الكلام أي المضمون الذي لا فائدة منه، وتحاشي كل سلوك لا جدوى له، “وإذا سَمِعُوا اللغو أَعْرَضُوا عَنْهُ” سورة القصص 55، “وإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كرامًا” سورة الفرقان 72، ومقاطعة المضامين التي تهدف إلى التشكيك في ثوابت الدين ومفاهيمه ونصوصه “وإِذا رَأَيْتَ الذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عنهمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره (3)” الأنعام 68.

القرآن أحاط الكلمة بسياج من الحماية وجعل لها رسالة وأناط بها دورا ومهمة وهذا رهان الإعلام المكتوب

أما واقع الحال فهو بالغ المرارة، هناك أناس يعانون من خلل نفسي ورغبة في الظهور وتوجه نحو الشعور بالأهمية، يريدون أن يكونوا مقصدا للجمهور فيروجون أخبارا ومعلومات قد تكون من نسج خيالهم، أو يعرضونها بطريقة مبالغ فيها، وقد شاع ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي.

يطرح المؤلف السؤال المهم: ما العمل، وكيف يتعامل الجمهور مع هذه الحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ ويجيب “التأكد من أن صاحب الحساب ذو معرفة متخصصة تؤهله للحديث في القضايا المطروحة، فبعض الناس يطرح نفسه حلالا للعقد لكن لنسأل ما صلته العملية بما يكتب؟ كما يجب التأكد من أن صاحب الحساب يقدم مضمونا متوازنا كما يتحدث عن السلبيات يعرض الإيجابيات، أما إذا كانت صفحته تصور الدنيا قتاما وسوادا وتفرز طاقة سلبية تصيب بالإحباط والاكتئاب فلا داعي للتعرض لصفحته”.

ويدعو يوسف كذلك إلى إقامة الدليل على صدق ما يطرح وسلامة ما يعرض. والتأكد من التزامه بعدم التعميم والقفز من حالات فردية إلى تعميم ظاهرة إيجابية أو سلبية على قطاعات كثيرة في المجتمع. علاوة على التثبت من النفع والفائدة، حيث توجد مواقع لا تقدم رأيا سليبا، ولا معلومة مفيدة، ولا تجربة أو خبرة حياتية نافعة. إنما تجد الهزل والإسفاف والتدني.

أفعال قبل الأقوال

الكتاب سياحة عقلية وفكرية عبر بوابة الإعلام، تعمق اليقين والإيمان بأن القرآن قدم حلولا لتقويم السلوك

في ضوء الواقع الذي أصبحت الجماهير تعايشه من تعاظم دور مواقع التواصل، وسرعة توصيلها للأحداث والمعلومات، وكثرة الأمور المسكوت عنها في الإعلام التقليدي، وتباطؤ الأجهزة الإعلامية الحكومية والقنوات الرسمية في نقل المعلومات وخاصة ما يتعلق منها بالأزمات، في ظل ذلك أصبحت الكثير من الأجهزة والجهات تعتمد على هذه المواقع في رصد اتجاهات الرأي العام واتخاذ قرارات في ضوء ذلك، وهو ما تترتب عليه توجهات وسلوكيات غير صحيحة.

إن ما ينشر عبر هذه المواقع إنما هو مؤشرات فقط، ولا يعكس حقيقة اتجاهات الرأي العام، هذا بالإضافة إلى أن الكثير مما ينشر يفتقد إلى الدقة والمصداقية، وقد تقف خلفه جهات تنشر الشائعات وتروج الأكاذيب خدمة لأهداف خاصة.

ويورد المؤلف التهديد الإلهي لمروجي الشائعات ففي سورة الأحزاب الآية 60 يقول تعالى “لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ في المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا”.

وفي واقع الحال في الحياة المعاصرة، يحلو لبعض الأشخاص من راغبي الشهرة ومحبي الظهور أن يجذبوا أنظار الناس إليهم بجعل أنفسهم مصدرا للأخبار والمعلومات، فتنطلق ألسنتهم تنال من السمعة والأعراض والمكانة والهيبة والصورة الطيبة لبعض الأشخاص.

كما أصبحت الشائعات سلاحاً لدى بعض أنظمة الفساد في الكثير من دول العالم شرقه وغربه يستخدم لترويج الأكاذيب والأباطيل والافتراءات ضد الأفراد والدول والنظم، بغية إحداث تأثير سلبي، وبالمثل انحرفت بعض وسائل الإعلام التقليدية عن مهنيتها، وأصبحت أداة تستخدم لخدمة أغراض دعائية وسياسية، وراحت تروج الشائعات ضد الأفراد والجماعات والكيانات لتشويه الصورة وتلويثها.

وتحوي الممارسة السياسية في بعض دول العالم ألوانا من السلوكيات التي تستهدف المعارضين عن طريق تشويه سمعتهم وإلصاق التهم بهم، وانتهاك حق الخصوصية عن طريق تشويه وتلطيخ سمعتهم وأقاربهم، وبهذا كله أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مجالا خصبا لنشر الشائعات وترويجها دون دليل أو برهان.

تتلاقى المفاهيم والقواعد الإعلامية المعاصرة في إطارها المهني والأخلاقي مع ما أشار إليه القرآن منذ عدة قرون

ولا يكتفي يوسف بطرح أصل الداء، إنما يوظف خبرته الواسعة في طرح مقترحات للعلاج فيقول “ينبغي على الدول والحكومات والمنظمات العمل على منع ظهور وانتشار الشائعات عن طريق عدة آليات، منها تقديم الحقائق والمعلومات بصفة مستمرة، وعدم حجب المعلومات والحقائق المتعلقة بالقضايا ذات الأهمية، وسرعة الرد على الشائعات وتفنيدها، وسرعة التجاوب مع حاجة الجماهير إلى المعلومات عند ظهور الأزمات”.

“ما علمت لكم من إله غيري”، القصص 38، “ما أريكم إلا ما أرى” غافر 29، “فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين” الزخرف 54. تشير الآيات إلى قادة رأي فاسدين مارسوا التأثير السلبي في غواية الناس وإضلالهم، ومع ذلك تعكس رسالة مؤداها أن كل من يحوز صفات وخصائص تؤهله لتوجيه الناس ونصحهم وإرشادهم، عليه أن يوظفها في الاتجاه الإيجابي الذي يحقق مصالح العباد ورضى رب العباد، وأن ينأى بنفسه عن محاكاة نماذج قادة الرأي ذوي التأثير السلبي.

ولأنه من كبار أساتذة العلاقات العامة، يقترب محمود يوسف من جوهر هذا التخصص ويستشهد بقوله تعالى “وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ” البقرة 204 – 205. حيث تعرض الآية لواقع الكثير من الناس في الحياة، عندما يحلو قوله ويسوء فعله، يتحدث بالحديث المنمق الجميل، الذي لا يتطابق مع فعل خبيث وسلوك قبيح.

وقد نزلت الآية في الأخنس بن شريق الذي كان يتحدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام معسول وعبارات جميلة، لكن نفسه تنطوي على إضمار سوء عبر عنه من خلال سلوكيات عرضها القرآن على أنها جوهر الفساد، لأنها استهدفت إهلاك الحرث والنسل، وهنا يؤكد المؤلف أن التطابق بين القول والعمل يعكس أسوة سلوكية تكسب المتحدث مصداقية وتصنع له صورة إيجابية قوامها الالتزام وعدم تناقض القول مع الفعل.

يظهر التناقض بين الفعل والقول في صور عديدة في الحياة المعاصرة، تعدت الأفراد إلى المنظمات بأنواعها سواء كانت حكومية أو خاصة.

هناك أناس يعانون من خلل نفسي ورغبة في الظهور وتوجه نحو الشعور بالأهمية، يريدون أن يكونوا مقصدا للجمهور فيروجون أخبارا ومعلومات قد تكون من نسج خيالهم

وتقدم بعض المنظمات في عالم اليوم نفسها إلى المجتمع في صورة طيبة عبر وسائل إعلامها ترتكز على تقديم سلعة أو خدمة متميزة وسعر مناسب، ومسايرة للتطور في أذواق الناس، ومعاملة إنسانية لائقة لجماهيرها، وتتفاعل مع الجماهير لاستطلاع أراءها بشأن كل ما يتعلق بنشاطها، وتقديم برامج للمسؤولية الاجتماعية تتجاوب مع احتياجات المجتمع، لكن واقع الحال يؤكد أن ما حملته مضامين اتصال هذه المنظمات، مجرد حديث عن واقع لا وجود له، فلا السلعة جيدة، ولا الخدمة مميزة، والسعر مبالغ فيه، والمعاملة للجمهور غير لائقة، وبرامج المسؤولية الاجتماعية مجرد حبر على ورق.

الناس تتقبل الأفكار ممن يتشابه معها (لغة، أسلوب، حياة، عمل، معايشة)، “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ” إبراهيم 4 أي ينطق لغتهم، “وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ” (الأنبياء 8). يأكل طعامهم، “وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ” الفرقان 7، يشاركهم التجول في الأسواق يبيع ويشتري.

 والخلاصة أنه كلما تشابه الإعلامي والسياسي والمصلح الاجتماعي مع جمهوره في ملامح كثيرة، كلما كان أقدر على التأثير فيهم، وإقناعهم، فلا تؤثر رسالة الإعلامي والسياسي والمصلح في الجمهور بمعزل عن سلوكيات هذا وتصرفات ذاك، وكلما كانت تلك السلوكيات تقترب من تصرفات وسلوكيات الجماهير، كلما كان ذلك أدعى إلى تصديقه والتجاوب معه، وتقبل أرائه وأفكاره.

في إطار الديمقراطيات الغربية يعد مشهدا عاديا أن نرى وزيرا أو مسؤولا أو رئيس وزراء يستقل قطارا ويركب دراجة، ويقف في طابور انتظارا لدوره، في حين نرى مسؤولين في دول العالم الثالث يسيرون في مواكب تعج بالعشرات من السيارات والحرس والدراجات النارية ثم يقف هذا المسؤول ليحدثك عن التقشف. تتعاظم مصداقية الأول، وتتلاشى مصداقية الثاني كيف يصدق مواطن شخصا يراه غريبا عنه منفصلا عن واقعه.

كما تثور علامات استفهام كثيرة بشأن سلوكيات كبار المسؤولين من رؤساء ووزراء وأمراء في دول العالم الثالث حين يصابون بأمراض، فنجدهم يسارعون بالسفر إلى دول أوروبا وأميركا طلبا للعلاج، لماذا لا يعالج نفسه في مستشفيات بلاده؟ هل هو لا يثق بنظام الصحة في بلاده؟ إذا كان الوضع كذلك لماذا يتغنى هؤلاء بأسطورة الرعاية الصحية لبلدانهم أمام الإعلام؟ على نفقة من يتم هذا العلاج؟ ومن يتحمل تكلفة مرافقيه؟ ألا يعد هذا تمييزاً عندما يرى المسؤول حياته أثمن من حياة بقية المواطنين؟ كيف يمكن للمواطن أن يثق في إعلام يعبر عن الكبار وكلام الكبار، وحديث الأغنياء، وقضايا الأثرياء، يرى المواطن العادي هؤلاء من الإعلاميين غرباء عنه، وهو غريب عنهم ليسوا منه ولا هو منهم.

الكلمة الطيبة

تبقى الكلمة المكتوبة وسيلة مهمة
تبقى الكلمة المكتوبة وسيلة مهمة

 يمضي الكتاب ليؤصل لدور الكلمة، فيقول “تبقى الكلمة المكتوبة وسيلة ذات أهمية، يقبل الناس عليها مادامت متمسكة بأسباب قوتها: المهنية والأخلاقية، ولهذا لن يلتفت الجمهور إلى صحف كثيرة تصدر وعناوينها واحدة، كأن كاتبها واحد لا مجال إذن للمنافسة، ولن يلتفت الجمهور إلى صحف تتجاهل قضايا الناس الحيوية وتغض الطرف عن المشكلات الحياتية لعامة الناس، ولن تهتم الناس بصحف تعرض رأيا واحدا وتحجب ما سواه: الصفوة، الحكام الزعماء، كبار الساسة، رؤساء الأحزاب، حاضرون على حين يغيب الجمهور”.

 لن يحرص الجمهور على قراءة صحف كتابها مغرضون منافقون أكلوا على كل الموائد، وقالوا الشيء ونقيضه وخدموا كل الأنظمة وصفقوا لكل صاحب سلطة، ولن يقرأ الجمهور صحفا تغتال الرأي الآخر، وتشوهه وتتهمه بالخيانة والعمالة، ولن يعبأ الجمهور بصحف تنتهك حق الخصوصية، وتنبش في سير الناس وأعراضهم، وتعبث بالثوابت، وتتعارض مع مصلحة الوطن.

“وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” سورة البقرة 83، “وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” سورة الإسراء 53، “فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيْنَا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى” سورة طه 44، “وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا” سورة النساء 5، “وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً” سورة الأحزاب 32. من هذه الآيات من القرآن نقر بأن الكلمة الطيبة تصنع خطوط اتصال، والكلمة الخشنة السيئة تقطع الاتصال.

يقول تعالى “وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ”، سورة آل عمران 159، “لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ” سورة النساء 148، “وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدوا بِغَيْرِ علم” سورة الأنعام 108.

قول فاحش – كلمة بذيئة أو عبارة متدنية تجعل المضمون يفقد صفة الإعلام، كما أن الدعاية الخبيثة أداة هدم.

يقول الله “قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ” سورة الأنعام 33، “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ” سورة الحجر 97.

وإذا كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو الأسوة والقدوة والنموذج قد تأثر بهذه الأقاويل والأراجيف والأكاذيب، والقرآن يشير إلى ذلك التأثير النفسي الذي عانى منه الرسول “ليحزنك”، “يضيق صدرك”، فما بالنا بأفراد عاديين لا يمتلكون حصانة الأنبياء الإيمانية ولا إعدادهم لحمل الرسالة.

وهذا يدلنا على الآثار السلبية التي تحدثها الأكاذيب والأراجيف وحملات التشكيك التي توجه ضد الدول والشعوب.

ومن الواجب رصد هذه الحملات وتحليل مضمونها وكشف أساليبها، وعدم تجاهلها، الرد على تلك الافتراءات والأكاذيب بالإعلام الصادق والحقائق الدامغة، تحصين الجمهور وتقوية عوامل المناعة، وتجريم محاولات الهدم والتدمير، وتأثيم أفعال مروجي الشائعات ومرددي الأكاذيب، فالعديد من آيات الذكر الحكيم توضح ضرورة حماية سمعة الناس وصيانة صورتهم من العبث والتشويه والتحريف، “أن تصيبوا قوما بجهالة فتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”.

11