سجال بين صالح وتكالة ينذر بتعليق جهود الحلّ في ليبيا

طرابلس- انخرط رئيسا مجلسي النواب والأعلى للدولة في ليبيا في سجالات عبثية حول صلاحيات كلّ منهما، في ظل الصراع القائم حول تقاسم السلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد، وهو ما بات ينذر بتعليق جهود الحلّ السياسي في البلاد وخاصة في ما يتصل بالقوانين الانتخابية والمبادرة الأممية.
واعتبر رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، في افتتاح أولى جلسات المجلس في العام الجديد، أن إصدار القوانين والتشريعات هو اختصاص أصيل لمجلس النواب، ولا يحق لأي جهة التدخل في إصدارها أو إلغائها، وشدّد على أن مجلس النواب هو السلطة التشريعية الوحيدة، وأنه “لا يوجد شريك مع مجلس النواب لإصدار القوانين والتشريعات”.
وقال صالح إن “تواصلنا مع الأجسام الأخرى يأتي في إطار التشاور فقط، ولا يحق لمجلس الدولة الاعتراض على القوانين الصادرة من البرلمان”، وذلك في إشارة إلى الاتفاق السياسي الصادر في ديسمبر 2015 بالصخيرات المغربية الذي منح مجلس الدولة الصفة الاستشارية في سياق إعادة تدوير بقايا المؤتمر الوطني العام المنتخب في العام 2012، والمعبر عن موقف التيار السياسي الرافض لنتائج الانتخابات التشريعية للعام 2014.
◙ تتفاعل قضية القوانين الصادرة عن مجلس النواب والتي تجد صدّا من مجلس الدولة لتشكل منطلقا آخر للخلافات بين المجلسين
وتمرّ العلاقات بين المجلسين بحالة من التوتر وفقدان الثقة على خلفية الموقف من القوانين الانتخابية الصادرة عن اللجنة المشتركة 6+6 في يونيو الماضي، والتي صادق عليها مجلس النواب في الثاني من أكتوبر، ولا تزال تواجه جدلا واسعا حول النقاط الخلافية التي تتضمنها.
وأكد رئيس مجلس الدولة محمد تكالة رفض ما وصفها بالقرارات الفردية الصادرة عن مجلس النواب، وخاطب عقيلة صالح بالقول إن “المجلس يرفض كل القرارات الفردية الصادرة عن مجلس النواب التي لم يراع فيها التشاور مع المجلس الأعلى للدولة عند إصدارها”.
وتطرق تكالة إلى المنشور الذي تم تعميمه على الحكومة وأجهزة الدولة، وكذلك المؤسسات والأطراف الإقليمية والدولية، والداعي إلى عدم الاعتداد بأي تشريعات تصدر من مجلس النواب، واعتبارها غير ذات تأثير، ما لم يصدر عن المجلس الأعلى للدولة ما يفيد استيفاءها شروط صحة إصدارها، وفق تعبيره.
واستند تكالة في خطابه إلى نصوص الاتفاق السياسي الليبي، وما ألحق به من مقررات ووثائق. بالإضافة إلى الرغبة في جسر هوة الخلافات، وخاطب صالح بالقول إنها “لم تجد لدى مجلس النواب تجاوبا، بل عزما على التمادي في تكريس سطوتكم”، وهو ما يعكس “رغبة مضمرة في تقويض كل مساعي تجاوز حالة الانسداد السياسي القائم”.
وتابع تكالة موجها حديثه إلى صالح “إن مواصلتكم تجاهل مناشدتنا المتكررة، وإصراركم على التفرد بإدارة مقاليد الأمور بالبلاد، الذي بلغ حدّ الافتئات على سلطات تنفيذية، كان آخرها قانون بشأن الحج والعمرة والتي لن تكون الأخيرة”، وفق تعبيره.
وأقرّ مجلس النواب في الرابع عشر من نوفمبر الماضي، وبالإجماع قانون إنشاء الهيئة العليا للحج والعمرة، بعد استيفاء مناقشته.
وفي الثاني عشر من ديسمبر، دعا تكالة، رئيس مجلس النواب إلى إلغاء القانون لمخالفته للاتفاق السياسي وما ألحق به من مقررات ووثائق يقضي جوهرها بضرورة خلق حالة تواصل وتفاهم بين المجلسين، وتوسيع دائرة التشاور، والتنسيق بينهما لإقامة التوافقات المطلوبة في كل ما يتصل بإدارة الشأن العام من مسائل.
وأكد رئيس مجلس الدولة عدم موافقته واعتراضه على إصدار القانون لمخالفته قواعد وأسس ومعايير إصدار التشريعات، طبقا لأساليب وطرق التفسير والتأويل السليمة لنصوص الاتفاق السياسي والوثائق والمقررات ذات الصلة.
واعتبر القرار انتهاكا لمبدأ الفصل بين السلطات “إذ تمّ من خلاله نقل تبعية جهاز تنفيذي إلى سلطة تشريعية، وفيه ميل للتفرد بالسيطرة على مقاليد الأمور”.
ويرى مراقبون أن القانون المتعلق بإلحاق الهيئة العليا للحج والعمرة بمجلس النواب يمكن أن يتطور بشكل يزيد من تعميق الأزمة بين الطرفين، نظرا للرمزية التي تمثلها تلك الهيئة لاسيما في سياقات الصراع السياسي الخاضع للغلاف الديني بين أطراف ذات مرجعيات عقائدية مختلفة، كدار الإفتاء بطرابلس التي يرأسها الصادق الغرياني المصنف في قوائم الإرهاب الصادرة عن مجلس النواب، وهيئتي الأوقاف والشؤون الإسلامية بطرابلس وبنغازي.
وأصدر رئيس مجلس النواب في 18 ديسمبر، قرارا بتعيين محمد صالح رئيسا للهيئة العامة للحج والعمرة، واستند في قراره إلى القانون رقم 31 لسنة 2023 الذي أصدره مجلس النواب بشأن إنشاء الهيئة العليا للحج والعمرة.
وكان محمد صالح قد أقيل في وقت سابق، من عضوية هيئة الحج وشؤون العمرة بعد تحقيق أجرته لجنة تحقيق إداري عام 2022، حول وجود مخالفات في موسم الحج.
وينتظر أن تتفاعل قضية القوانين الصادرة عن مجلس النواب والتي تجد صدّا من مجلس الدولة لتشكل منطلقا آخر للخلافات الحادة بين المجلسين والتي تدفع نحو تأبيد الأزمة، بما يخدم الأطراف الراغبة في التمسك بمقاليد الحكم إلى أجل غير مسمى.