نهاية غامضة للبرغثي تعيد طرح ملف التصفيات السياسية في ليبيا

الأمم المتحدة تطالب بالتحقيق في ظروف وفاة وزير الدفاع السابق.
السبت 2023/12/23
وفاة البرغثي قد توسع دائرة الانقسام في ليبيا

أثارت وفاة وزير الدفاع الليبي السابق المهدي البرغثي جدلا سياسيا في الأوساط الليبية، وأعادت للواجهة معطى التصفيات الجسدية، خصوصا بعدما اعتبرت عائلته أن ما تعرض له يعد إعداما خارج نطاق القانون وجريمة قتل مكتملة الأركان، وسط مخاوف من أن يتحول ذلك إلى أسلوب معتمد في تنفيذ قرارات الإقصاء من المشهد السياسي.

 بنغازي (ليبيا) - أعاد الإعلان عن وفاة المهدي البرغثي طرح ملف التصفيات السياسية في ليبيا، لاسيما أن تلك الوفاة جاءت عقب اعتقال وزير الدفاع في حكومة الوفاق السابقة (البرغثي) من قبل وحدة عسكرية على إثر أحداث السادس من أكتوبر الماضي، والتي اتّهم فيها بمحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة الشرقية بالاعتماد على عناصر إرهابية تسللت خلسة إلى منطقة السلماني بمدينة بنغازي.

وأكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مساء الخميس، وفاة البرغثي ضمن سبعة آخرين من بينهم ابنه، اعتقلتهم قوات تابعة للقيادة العامة، وأعربت “عن قلقها إزاء الإعلان عن وفاة وزير الدفاع السابق المهدي البرغثي في بنغازي”، مشيرة إلى أن “ذلك يأتي في أعقاب اعتقاله من قبل السلطات في 7 أكتوبر مع عشرات آخرين، بما في ذلك عدد من أفراد أسرته”.

وأوضحت البعثة “قد تأكدت وفاة سبعة من المعتقلين، بمن فيهم البرغثي وأحد أبنائه، مع وجود مزاعم مثيرة مقلقة حول سوء المعاملة والتعذيب أثناء الاحتجاز”، مشيرة إلى أن “أسباب الوفاة لا تزال غير واضحة نظراً لمحدودية المعلومات الرسمية”.

وبحسب بيان البعثة، فإن “التقارير تفيد أن 40 شخصا آخرين ما زالوا في عداد المفقودين”، داعية “السلطات الليبية المختصة إلى إجراء تحقيق مستقل وشفاف في حالات الوفاة وتقديم معلومات عن مصير الأشخاص الذين ما زالوا في عداد المفقودين”.

أسرة المهدي البرغثي تطالب وزير الصحة بالكشف عن حقيقة أسباب وملابسات الوفاة وكل ما يتعلق بها من تواريخ

وجاء بيان البعثة الأممية بعد إعلان أسرة المهدي البرغثي، الثلاثاء، تلقيها اتصالا من المدعي العام العسكري التابع للقيادة العامة فرج الصوصاع أخبرها فيه بمقتل الوزير الأسبق، لتتهم مباشرة خالد وصدام ابني القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر بإعدامه.

واعتبرت الأسرة أن ما تعرض له البرغثي هو إعدام جرى خارج نطاق القانون وجريمة قتل مكتملة الأركان، لأنه “سلَّم نفسه سليما معافى دون أيّ إصابات في جسده وأنه كان واقفا على رجليه كما أظهر ذلك الفيديو الذي نشره جهاز الأمن الداخلي وسربه لجريدة مقربة منه”.

ويبلغ المهدي إبراهيم البرغثي 55 عاما، وهو من مواليد منطقة السلماني في بنغازي، ويتحدر من قبيلة البراغثة التي تعتبر جزءا من قبيلة العواقير ذات الحضور الاجتماعي الواسع في المنطقة الشرقية، تخرج عام 1990 من كلية الهندسة العسكرية برتبة نقيب مهندس، وعمل لسنوات في معسكر الرحبة للدبابات في بنغازي حتى ترقّى إلى رتبة عقيد في 2009، وهو العام الذي تولّى فيه منصب مساعد آمر المعسكر.

وكان المدعي العسكري بالقيادة العامة للجيش فرج الصوصاع أعلن في 13 أكتوبر تعرض  البرغثي لإصابات بليغة وخطيرة خلال مواجهات مع قوات أمنية رفض تسليم نفسه لها يوم السادس من أكتوبر، وقال في مؤتمر صحفي “إن رتلا مسلحا بأسلحة خفيفة ومتوسطة مكونًا من 40 شخصا بقيادة المهدي البرغثي تسلل إلى بنغازي وعند إرسال إحدى دوريات الشرطة العسكرية لتسليم نفسه لها والمجموعات المرافقة له رفض التسليم وتعامل مع الدورية بالسلاح”، مضيفا أن “الدورية طلبت دعم الأجهزة الأمنية والعسكرية،” و أن المواجهة تسببت في إصابة البرغثي بإصابات بليغة وخطيرة وكذلك عدد من مرافقيه، فضلا عن “استشهاد وإصابة عدد من الجنود من الجيش والأجهزة الأمنية”.

لكن أسرة البرغثي فندت ما ورد على لسان الصوصاع، وقالت في بيان مشترك أصدرته مع عائلات بعض مرافقي وزير الدفاع السابق إنها تلقت قبل أيام نبأ “وفاة عدد من أبنائها، وبعض رفاق البرغثي الذين قدموا لزيارته والسلام عليه”، مشيرة إلى “تلقيها طلب السلطات المحلية في بنغازي لاستلام الجثامين، إذ تبين لها أن من بين المتوفين ابن عم البرغثي محمد سعد عبدالحميد والرائد هيثم الصفراني ومحمود الأسود ومعتز العنيزي”.

المهدي البرغثي سعى للتمرد على المشير خليفة حفتر من خلال قيادته لعدد من العمليات التي استهدفت وحدات الجيش

وألقت أسرة البرغثي وأسر مرافقيه المسؤولية القانونية والاجتماعية لما حدث على كل من وزير الصحة عثمان عبدالجليل، والمدعي العام العسكري بالمنطقة الشرقية فرج الصوصاع، ورئيس جهاز الأمن الداخلي بالمنطقة الشرقية أسامة الدرسي، ووزير الداخلية عصام بوزريبة، مطالبة وزير الصحة بالكشف عن حقيقة أسباب وملابسات وفاتهم وكل ما يتعلق بها من تواريخ، وأيضا الكشف عن تقارير الطب الشرعي المتعلقة بكل متوف.

وفي أوائل أكتوبر الماضي، كشفت الأجهزة الأمنية عن تورط البرغثي في محاولة للتمرد على قيادة الجيش بالتعاون مع أطراف مؤثرة في مواقع القرار بطرابلس، وقال جهاز الأمن الداخلي بالمنطقة الشرقية إن عناصر خلية السلماني التخريبية التي حاولت زعزعة استقرار المدينة قد تلقت ضربة موجعة، في إشارة إلى وزير الدفاع الأسبق المهدي البرغثي الذي عاد مؤخرا إلى المدينة. وأضاف الجهاز أنه أطاح بالبرغثي وعدد من الأشخاص معه في قبضته وقبضة القوات المسلحة، وأنهم فقدوا عددا من عناصر الخلية خلال مقاومتهم للقوات، موضحا أن تأخر نشر خبر اعتقال البرغثي كان لضمان الإطاحة ببقية خليته في عدة مناطق.

لكن قبيلة البراغثة استنكرت ما وصفتها بـالإجراءات التعسفية التي قامت بها القيادة العامة، وحذرت من “استخدام القوة ضد المواطنين”، معتبرة أن “استخدام العنف سيواجه بالعنف وقد تتجه الأوضاع في بنغازي خاصة وفي عموم برقة نحو الانهيار”، لافتة أن “العميد المهدي البرغثي عاد إلى مدينته ومنزله وأسرته ولم يعلن عن ممارسته أيّ نشاط ضد أيّ طرف مهما كان”، وفق نص البيان الصادر عنها.

وقالت القبيلة إن عودة  البرغثي إلى بنغازي جاءت “بعد تشاور مع بعض أعيان القبيلة” بعد أن “أعلنت المؤسسة العسكرية أنه لا مانع لديها من عودة كل من يرغب في العودة من المخالفين لها إلى مدينة بنغازي”، وأشارت إلى أن “قوات القيادة العامة استخدمت السلاح ولم تراع التراتبية العسكرية”، مضيفة أن “البرغثي تفاجأ بقدوم سيارات عسكرية تابعة للقيادة العامة تريد اعتقاله واقتياده كمجرم من المجرمين بعد عودته إلى منزله سالمًا للقاء أهله وأهالي بنغازي”.

ولفتت إلى أن “المجموعة التي كانت قادمة لاعتقال البرغثي استعملت القوة وبادرت باستخدام السلاح، ولم تراع التراتبية العسكرية، ولم تحترم الأقدمية في العمل العسكري، ولم تكن تنتمي للشرطة العسكرية كقطاع مسؤول عن اعتقال العسكريين”.

كان للبرغثي دور بارز في التمرد العسكري على نظام العقيد الراحل معمر القذافي في بنغازي في عام 2011

ويرى مراقبون، أن عدة معطيات برزت لتشير إلى أن مصيرا غامضا ينتظر البرغثي، ومن ذلك إعلان المدعي العام العسكري التابع للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي أن التحقيقات الخاصة بمجزرة براك الشاطئ قد استكملت، وتم الانتهاء من سماع أقوال أسر الضحايا والشهود وتوثيق جميع الأدلة ضد المتهمين المتورطين في الجريمة.

 وكانت جماعات إرهابية اقتحمت قاعدة براك الشاطئ الجوية في 18 مايو 2017، وقامت بأسر مجموعة كبيرة من المدنيين والعسكريين ونفذت فيهم حكم الإعدام الميداني بالذبح أو الدهس بالسيارات أو إطلاق النار في الرأس، لتصل حصيلة الضحايا في ذلك اليوم المأساوي إلى قرابة 145 قتيلا، وبعد سيطرتهم على قاعدة براك الشاطئ الجوية، حاول الإرهابيون التقدم إلى وسط المدينة ليواجهوا مقاومة عنيفة من الجيش الوطني الليبي، أجبرتهم على التراجع والفرار من القاعدة.

وكان للبرغثي دور بارز في التمرد العسكري على نظام العقيد الراحل معمر القذافي في بنغازي في عام 2011، إذ قاد برفقة عدد من أفراد معسكر الرحبة دبابتين لاقتحام مقر كتيبة الفضيل بن عمر، كبرى الكتائب الأمنية للقذافي في بنغازي. وشارك في معارك أخرى ضد النظام وقتها. وبعد عام 2011، عمل على إعادة بناء معسكر الرحبة، وغيّر تسميته إلى الكتيبة 204 دبابات.

ويعتبر البرغثي من أبرز الضباط الذين شاركوا في إطلاق معركة الكرامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر في مايو 2014 قبل أن ينشق عنها بقبوله في منتصف يناير 2016 منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني في سياق الصراع على السلطة والمصالح والتوازنات الاجتماعية والقبلية. وسعى البرغثي للتمرد على حفتر في العام 2016 من خلال قيادته لعدد من العمليات التي استهدفت وحدات الجيش في وسط البلاد وجنوبها، وذلك من خلال تحالفه مع إبراهيم الجضران الآمر السابق لحرس المنشئات النفطية، وبعض ميليشيات الإسلام السياسي.

ويرى أنصار البرغثي أنه تعرض للاستدراج الى بنغازي، ومن هناك تمت تصفيته بسبب مناهضته لقيادة الجيش وتورطه في قيادة عدد من محاولات التمرد ضدها، فيما ينفي مناصرو المشير خليفة حفتر ذلك، ويشددون على أن البرغثي هو الذي سعى الى استغلال قرار العفو في تنفيذ خطة انقلابية في بنغازي والمنطقة الشرقية بالاعتماد على جماعات مسلحة وعناصر إرهابية وبعض التيارات القبلية التي كانت تستعد للتحرك في أكثر من منطقة.

وشهدت بنغازي عددا من التصفيات خلال السنوات الماضية من أبرزها اغتيال محمود الورفلي، القائد العسكري في قوات المشير خليفة حفتر والمطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، في مارس 2021، بعدما استهدفه مسلحون مجهولو الهوية بالرصاص مع أحد مرافقيه في مدينة بنغازي. وقبل ذلك، اغتُيل رئيس أركان الجيش الوطني السابق اللواء عبدالفتاح يونس في 28 يوليو 2011 في بنغازي شرق البلاد بعد استدعائه حينها من “جبهة البريقة” للتحقيق من قبل المجلس الوطني الانتقالي السابق.

وشهدت ليبيا منذ العام 2011 العشرات من عمليات الاغتيال السياسي لعل أبرزها تلك التي استهدفت الزعيم الرحل معمر القذافي وابنه المعتصم بالله في 20 أكتوبر من ذلك العام بعد اعتقالهما من قبل مسلحين وهما على قيد الحياة في مدينة سرت، كما تعرض المئات من العسكريين والأمنيين السابقين والإعلاميين والناشطين السياسيين والحقوقيين والقضاة وغيرهم للتصفية الجسدية وخاصة في الفترة ما بين 2011 و2014.

وشهدت ليبيا الحديثة أول اغتيال سياسي يوم 5 أكتوبر 1954 عندما قام الشريف محي الدين السنوسي بإطلاق الرصاص على ناظر الخاصية الملكية إبراهيم الشلحي المقرب من الملك فأرداه قتيلا، ليترتب عن هذه الأمر إصدار الملك أمر يمنع بموجبه جماعة الإخوان المسلمين من ممارسة أيّ نشاط سياسي واتخاذ إجراءات لمراقبة ومحاصرة قياداتها وعناصرها الليبية ربما للشكوك بعلاقة القاتل بالجماعة في ليبيا. ويخشى الليبيون من أن تتحول التصفيات الجسدية إلى أسلوب معتمد في تنفيذ قرارات الإقصاء في مواجهة الخصوم السياسيين أو لتنفيذ أحكام الإعدام خارج إطار القانون، أو لطي الملفات العالقة قبل الكشف عن مضامينها، والتي قد تحرج هذا الطرف أو ذاك.

4