شرق ليبيا يعطل مبادرة باتيلي: إما دعوة حماد أو استبعاد الدبيبة

بنغازي (ليبيا) - اتسعت دائرة الرفض للمبادرة التي أعلن عنها رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا عبدالله باتيلي الخميس الماضي، وارتفعت الأصوات المنتقدة لفحوى المبادرة والمشككة في جدواها، في إشارة جديدة إلى فشل المجتمع الدولي في فهم طبيعة المشهد السياسي الليبي وسبر أغوار الأزمة وتحديد أولويات الحل.
وأكد مصدر رفيع المستوى من القيادة العامة للجيش الوطني في بنغازي عدم المشاركة في أيّ حوار ما لم تدع إليه الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد، معتبرا أن أيّ حوار لا يمثل الأطراف الفاعلة وعلى رأسها الجيش الوطني هو حوار فاشل ولن ينجح.
وأشار المصدر لتلفزيون “المسار” المقرّب من الجيش إلى أن آخر لقاء للمبعوث الأممي في بنغازي تم إبلاغه فيه بموقف القيادة وبدوره أخبرها بقبوله إضافة ممثلين عن الحكومة الليبية، وبما أن المبعوث الأممي لم يلتزم بما قاله في الاجتماع فإن قيادة الجيش لن تشارك في هذه المبادرة. وتابع المصدر أن أيّ حوار سياسي بين الأطراف الفاعلة لا تشمله دعوة لممثلين عن الحكومة الليبية، هو حوار غير متوازن وغير مقبول.
مجلس النواب يعتبر أن حكومة الوحدة الوطنية تحظى بمساندة كاملة من البعثة الأممية في خرقها للقوانين وتجاوزها للشرعية
وبموقف قيادة الجيش يتضح الموقف العام من المبادرة الأممية في المنطقة الشرقية، ويتبين حجم الخلافات بين المبعوث الأممي والفاعلين الأساسيين في بنغازي ومناطق نفوذ الجنرال خليفة حفتر.
وأوضحت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن الفاعلين الأساسيين في شرق ليبيا أبدوا موقفا حازما من مبادرة باتيلي بسبب تجاهله للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب مقابل دعوته حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها لاجتماع الطاولة الخماسية، وأضافت أن المبعوث الأممي أصبح في ورطة، ولا حل أمامه إلا دعوة رئيس حكومة “الاستقرار” في بنغازي أسامة حماد أو استبعاد رئيس حكومة الوحدة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة من المبادرة، لكن في الحالتين ستظهر خلافات جديدة من الصعب تطويقها، أبرزها أن حكومة حماد غير معترف بها دوليا رغم أنها تبسط نفوذها على حوالي 70 في المئة من مساحة البلاد، وحكومة الدبيبة منتهية الولاية وغير معترف بها في شرق البلاد وجنوبها، ويرفض قائد الجيش ورئيس البرلمان الجلوس إلى جانبها حول طاولة الحوار.
وتابعت المصادر أن موقف قيادة الجيش قطع الطريق نهائيا أمام المبادرة، وكشف عن وجود خلل عميق في رؤية البعثة الأممية للحل السياسي في البلاد، لاسيما أنها تستمع إلى مختلف الآراء ثم تتعمد تجاهل بعضها وتحاول فرض موقفها الخاص من النقاط الخلافية عبر الاستقواء بأطراف معينة على حساب أخرى.
وكان عمداء 56 مجلسا بلديا في شرق البلاد وجنوبها قد أعلنوا تأييدهم موقف الحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب الرافض لمبادرة باتيلي بشأن عقد اجتماع تحضيري بمشاركة ممثلي الأطراف الرئيسية الخمسة، من دون دعوة حكومة أسامة حماد. كما أعلن عمداء 20 بلدية من غرب ليبيا، ضم أصواتهم إلى باقي البلديات من الشرق والجنوب الرافضة لسياسة البعثة الأممية في ليبيا.
وقال حسن الصغير وكيل وزارة الخارجية الأسبق إن 77 بلدية ليبية تعارض نهج باتيلي ومنهجه وخياراته، وتصطف خلف موقف أسامة حماد وحكومته وهذا الموقف الذي حظي لاحقاً بدعم مجلس النواب كاملاً.
وأضاف “إذا لم يعد باتيلي حساباته قبل فوات الأوان سيضع نفسه وبعثته وأمينه العام في وضع حساس وخطير لا يحسدون عليه، وليس فقط سياسيا بل على كل الأصعدة الرسمية والشخصية”.
وكانت حكومة أسامة حماد استنكرت قيام البعثة الأممية بدعوة وإشراك كيانات منبثقة عن اتفاقات سابقة لبحث معوقات سير العملية الانتخابية، وأوضحت في بيان لها أن ما صدر عن البعثة بدعوتها لتسمية الرئاسي وحكومة الوحدة التي انتهت مدتها وولايتها لا تمثل أيّا من أطياف الشعب الليبي ولم تنتخب يوما منه ولم تنبثق من كياناته الشرعية المنتخبة، مبدية استغرابها من إقحام حكومة منتهية الولاية في حوار يخص الشعب الليبي عموما وتقصي حكومة معينة من مجلس النواب المنتخب وتعمل وتبسط نفوذها في أغلب أرجاء الوطن.
بموقف قيادة الجيش يتضح الموقف العام من المبادرة الأممية في المنطقة الشرقية، ويتبين حجم الخلافات بين المبعوث الأممي والفاعلين الأساسيين في بنغازي ومناطق نفوذ خليفة حفتر
وبحسب متابعين للشأن الليبي فإن باتيلي ارتكب جملة من الأخطاء، وكان عليه تصحيحها بصفة عاجلة، وذلك نظرا إلى طبيعة التوازنات السياسية المرتبطة بتوازنات اجتماعية وثقافية وبعلاقات متداخلة في مستوى المكونات العرقية والمناطق والقبائل والمدن والقرى وغيرها.
من جانبه، ينظر مجلس النواب الى إقصاء حكومته على أنه ضرب لشرعيته وتجاهل لموقعه التشريعي ولمخرجاته التنفيذية، ويعتبر أن حكومة الوحدة الوطنية تحظى بمساندة كاملة من البعثة الأممية في خرقها للقوانين وتجاوزها للشرعية، في ما هناك شبه إجماع على أن السلطات الحاكمة حاليا في المنطقة الغربية هي نتاج عمليات سياسية فاشلة وتم تجاوزها بانتهاء صلاحياتها، والعمل على إدماجها في عملية سياسية جديدة يعني محاولة لإعادة تدويرها بما يخدم أجندات الأطراف المستفيدة منها والمتحالفة معها.
كما أن مجلس النواب يفسّر مبادرة باتيلي على أنها ضربة موجهة إلى التعديل الدستوري الثالث، وإلى القوانين الانتخابية التي صادق عليها في الثاني من أكتوبر الماضي، ونشرها بالجريدة الرسمية، وإلى دوره وموقعه وشرعية بعد أن تحول إلى رقم على الهامش يتم العبث به وفق حسابات الأطراف المتداخلة.
وتنطلق المبادرة من دعوة توجه بها باتيلي إلى الأطراف المؤسسية الرئيسة في ليبيا للمشاركة في اجتماع سيعقد في الفترة المقبلة بغية التوصل إلى تسوية سياسية حول الخلافات القائمة بين الفرقاء الأساسيين بخصوص تنفيذ العملية الانتخابية، على أن يقوم كل طرف بتحديد من سيمثله في اجتماع تحضيري يتم خلاله الاتفاق بشأن موعد اجتماع قادة مؤسساتهم ومكان انعقاده وجدول أعماله، وتحديد المسائل العالقة التي يتوجب حلها لتمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الشروع في تنفيذ قانوني الانتخابات الصادرين عن مجلس النواب.