هل يستغل الدبيبة ملف الهجرة للمساومة من أجل البقاء في السلطة؟

من المنتظر أن يطرح رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا عبدالحميد الدبيبة، خلال المؤتمر المزمع تنظيمه الأسبوع القادم حول الهجرة غير النظامية في أفريقيا والبحر المتوسط، جملة من النقاط أهمها دمج المهاجرين غير النظاميين في الاقتصاد الليبي، في خطوة لإثبات أهمية وجوده على رأس السلطة في طرابلس، وتأكيد قدرته على حل أكثر الملفات تعقيدا.
طرابلس- تستعد حكومة الوحدة الوطنية الليبية لعقد مؤتمر حول الهجرة القانونية في شمال أفريقيا ومنطقة البحر المتوسط تحت شعار “بحر متوسط آمن وجنوب مستقر”.
وسيشرف على المؤتمر رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة الذي ينتظر أن يطرح عددا من الحلول المرجعية لأزمة الهجرة غير النظامية وأفضل الطرق التي يمكن من خلالها تغيير صفتها إلى هجرة شرعية يستفيد منها المهاجرون ودولة الإقامة.
وسيشارك في المؤتمر الذي سينعقد يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر نوفمبر الجاري، وزراء العمل من دول الساحل والصحراء ووفود من إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي، وممثلون عن المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة في ملف الهجرة.
ويعتبر هذا المؤتمر الأول من نوعه في ليبيا التي تعدّ أحد أهم بلدان العبور من دول الساحل والصحراء ووسط أفريقيا في اتجاه الضفة الشمالية للمتوسط.
وكشفت صحيفة “الوطن” الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية أنّ حكومة الدبيبة وافقت لأول مرة على دمج المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء في الاقتصاد الليبي، وهو ما يرى فيه المراقبون تحولا مهما في موقف سلطات طرابلس من ملف الهجرة في ظل التجاذبات السياسية والاجتماعية التي تعرفها البلاد على نطاق واسع.
وترجح أوساط ليبية أن يكون هدف الدبيبة من الإعلان عن قرار دمج المهاجرين غير الشرعيين، هو إثبات أهمية وجوده على رأس السلطة التنفيذية في غرب ليبيا، وتأكيد قدرته على حل أكثر الملفات تعقيدا وإثارة لقلق الاتحاد الأوروبي، لاسيما منذ العام 2011.
ويتزامن ذلك مع ظهور مؤشرات على وجود اتفاق بين عدد من العواصم الغربية في مقدمتها واشنطن على تشكيل حكومة جديدة في ليبيا وفق ما نصت عليه القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 في السادس من يونيو الماضي، والمصادق عليها من قبل مجلس النواب في الثاني من أكتوبر الماضي.
وربط مراقبون بين موقف الدبيبة المستجد ووصول الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتونس بخصوص ملف الهجرة إلى طريق مسدود، مشيرين إلى أن رئيس حكومة الوحدة لديه الكثير من الأوراق التي يمكن أن يلعبها على هذا الصعيد، خصوصا وأن بلاده مقبلة على مشاريع كبرى لإعادة الإعمار في المنطقتين الشرقية والغربية، وعلى إطلاق مشاريع زراعية واسعة النطاق في الإقليم الجنوبي بدعم مباشر من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات النقدية الدولية.
وعرفت ليبيا في يونيو الماضي جدلا واسعا حول إمكانية موافقة رئيس حكومة الوحدة خلال زيارته إلى روما على توطين المهاجرين غير الشرعيين في بلاده، حيث حذر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي طلال الميهوب إيطاليا من توقيع أي اتفاقيات أو تعهدات مع الدبيبة، ودعا “القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر، إلى منع توطين أي مهاجر بجميع السبل في ليبيا عامة والرقعة الجغرافية تحت سيطرة القوات المسلحة خاصة”.
وبحسب بيانات صدرت عن وزارة الداخلية الإيطالية الاثنين، فإن 47 ألفا و300 مهاجر غير شرعي وصلوا من ليبيا إلى إيطاليا من بداية العام وحتى العشرين من نوفمبر الجاري.
وأظهرت البيانات أن نحو 30 ألفا من هؤلاء المهاجرين غادروا من المنطقة الغربية الخاضعة لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، في حين وصل العدد الباقي منطلقا من المنطقة الشرقية التي يبسط عليها الجيش الوطني بقيادة الجنرال خليفة حفتر، نفوذه كاملا.
◙ أوساط ليبية ترجح أن يكون هدف الدبيبة من الإعلان عن قرار دمج المهاجرين غير الشرعيين، هو إثبات أهمية وجوده على رأس السلطة التنفيذية في غرب ليبيا
ووفقا لأحدث تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، فإنه منذ بداية العام حتى الحادي عشر من نوفمبر، تم اعتراض 13 ألفا و611 مهاجرا في البحر، وإعادتهم إلى ليبيا، منهم عشرة آلاف و352 رجلا و943 امرأة و494 قاصرا، بينما لم تتوافر بيانات بجنسيات ألفي و433 مهاجرا. كما توفى 939 شخصا منهم، فيما لا يزال 1248 في عداد المفقودين بعد غرق مراكبهم في البحر المتوسط.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية أن إجمالي عدد المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا بلغ 704 آلاف و369 شخصا، 79 في المئة منهم رجال و11 في المئة نساء و10 في المئة أطفال.
ويوجد 53 في المئة من المهاجرين في المنطقة الغربية و34 في المئة بالمنطقة الشرقية و13 في المئة في المنطقة الجنوبية، في حين يبلغ متوسط تكلفة الرحلة إلى ليبيا 863 دولارا للمهاجر الواحد.
وأشارت المنظمة إلى أن 25 في المئة من المهاجرين يحملون جنسية النيجر، و24 في المئة من مصر، و18 في المئة من السودان، و11 في المئة من تشاد و4 في المئة من نيجيريا، بينما وصلت نسبة البطالة بينهم إلى 23 في المئة.
وأكد وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي أن بلاده تعاني من تدفقات الهجرة غير النظامية وأن المسؤولية كبيرة على منتسبي الجهاز في الحد من هذه الظاهرة التي تسببت في تراكم الديون على جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بسبب إعاشة المضبوطين وإيوائهم وترحيلهم.
وفي سبتمبر الماضي، كشفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حاجتها إلى تمويل إضافي بقيمة 3.7 مليون دولار على الأقل لتلبية الاحتياجات الملحة للمهاجرين في ليبيا، لاسيما في ضوء التطورات السريعة في الدول المجاورة، خاصة السودان والنيجر والحدود مع تونس.
متابعون يرون أن أي قرار ليبي بشأن التعامل مع الهجرة سيحتاج إلى توافق بين مختلف الفرقاء في طرابلس وبنغازي
وقالت المفوضية إنها تخطط لتحسين خدمات الرعاية الصحية المقدمة في مراكز الصحة الأساسية والعيادات التي تستضيف المهاجرين، لافتة إلى أن نقص الأدوية والعلاجات من أكبر الاحتياجات الصحية في ليبيا، وتسبب ذلك في تحول بعض الحالات الطبية البسيطة إلى حالات مهددة للحياة.
كما أنها تهدف إلى توسيع نطاق “المشاريع سريعة الأثر” في ليبيا، وهي مشاريع صغيرة الحجم ومنخفضة التكلفة تمولها بعثاتها ويجري التخطيط لها وتنفيذها في إطار زمني قصير، بالتعاون مع السلطات والمجتمعات المحلية، وترتكز على التعليم والصحة وتقوية المجتمعات المحلية، والرياضة والبنية التحتية، ويستفيد منها نحو 20 ألف شخص بشكل مباشر.
وتخطط المفوضية لإجراء برامج لتطوير قدرات ومهارات العاملين في مختلف الوكالات الحكومية، بما في ذلك مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية وخفر السواحل.
ويرى المتابعون لملف الهجرة غير النظامية أن أي قرار ليبي بشأن التعامل مع الظاهرة سيحتاج إلى توافق بين مختلف الفرقاء الأساسيين، وخاصة في طرابلس وبنغازي، مشيرين إلى أن أي قرار قد يتخذه الدبيبة في اتجاه استيعاب المهاجرين غير النظاميين في الاقتصاد المحلي، سيحتاج إلى بقائه في الحكم فترة طويلة لتنفيذ مشروعه، وهو ما يطمح إليه حاليا في مواجهة محاولات الإطاحة به.