"إصلاحات" في الأردن تنذر بمزيد تأجيج الجبهة الاجتماعية

صندوق النقد الدولي يقرض عمّان 1.2 مليار دولار بشروط مرفوضة شعبيا.
الاثنين 2023/11/13
إصلاحات موجعة

لا يترك عجز الموازنة المزمن للحكومة الأردنية خيارات سوى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وهو ما يجعل الجبهة الاجتماعية أكثر غليانا ويمهد لفترة عدم استقرار داخلي يتوقع أن تكون مكلفة.

ينذر توصل الأردن إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، على مستوى الخبراء، للبدء بتنفيذ برنامج جديد للإصلاح المالي يمتد على أربع سنوات بقيمة إجمالية تصل إلى 1.2 مليار دولار، بالمزيد من تأجيج الجبهة الاجتماعية المتوترة أصلا. ورغم تأكيد الحكومة الأردنية أكثر من مرة على أن برنامج الإصلاح المالي والنقدي لن يكون على حساب المواطنين، إلا أن ذلك لا يقنع الأردنيين الذين يتجهزون للمزيد من الأعباء في ظل غلاء السلع الأساسية وتدهور مقدرتهم الشرائية وارتفاع معدلات البطالة والفقر.

ويقول مراقبون إن العجز المزمن للموازنة الأردنية لا يترك لها خيارات سوى مزيد الرفع في الضرائب وزيارة أسعار الحاجيات الأساسية خاصة المياه والكهرباء من أجل تحصيل إيرادات مالية إضافية لتسديد الديون وفوائضها. ويؤكد هؤلاء المراقبون أن صندوق النقد الدولي لن يمنح الأردن استثناء للأردن في طريقة عمله التي تفرض ما يعتبره إصلاحات ضرورية وهو في حقيقة الأمر ضرب للاستقرار الاجتماعي.

ومن أبرز شروط صندوق النقد للدول المقترضة رفع الدعم عن الحاجيات الأساسية مثل الغذاء والمياه والكهرباء وحتى الأدوية لتوفير موارد مالية إضافية، وهو ما يمهد لعدم الاستقرار الاجتماعي لمواطنين يعانون أصلا من تراجع مقدرتهم الشرائية وبالكاد يوفرون حاجياتهم اليومية. وتختلف مسميات الحكومات لقروض صندوق النقد الدولي بين برنامج إصلاح مالي أو إعادة هيكلة نقدية إلا أن الهدف واحد ألا وهو مزيد إثقال كاهل المواطنين بالضرائب. وبالنسبة إلى الحكومة الأردنية المأزومة اقتصاديا والتي لا تمتلك خيارات كثيرة فإن الضرائب ورفع الدعم هي الحل المؤلم والسهل لتحصيل إيرادات مالية.

محمد العسعس: البرنامج سيساعد المملكة في المحافظة على الاستقرار المالي
محمد العسعس: البرنامج سيساعد المملكة في المحافظة على الاستقرار المالي

وقال وزير المالية الأردني محمد العسعس في بيان إن البرنامج تم إعداده من قبل وزارات ومؤسسات أردنية مختصة وسيساعد المملكة في المحافظة على الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي عبر رفع تنافسية الاقتصاد الوطني ودعم التصدير بهدف خلق الوظائف لتخفيف نسبة البطالة، إضافة إلى التوسع بالحماية الاجتماعية.

وأكد العسعس التزام الحكومة في الاستمرار بمكافحة التهرب والتجنب الضريبي، وهو ما يحقق عدالة ضريبية ويرفع الإيرادات العامة للخزينة دون إضافة أيّ أعباء ضريبية جديدة على المواطنين، مشددا على أن البرنامج لا يتضمن رفعا لأيّ ضرائب أو فرض ضرائب جديدة.

ونقل البيان عن محافظ البنك المركزي الأردني عادل شركس تأكيده التزام البنك في برنامج “تسهيل الصندوق الممدد” الجديد بالاستمرار في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمصرفي في المملكة بما في ذلك الحفاظ على سياسة سعر الصرف الثابت للدينار الأردني مع الدولار، وتعزيز الشمول المالي في المملكة وتسهيل وصول المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل.

كما أكد الالتزام بتطبيق أفضل الممارسات الدولية في ما يتعلق بقطاع التأمين، وزيادة تعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والحفاظ على وضع الأردن كدولة غير مدرجة في القائمة الرمادية من قبل مجموعة العمل الدولي، فضلاً عن الاستمرار في تطوير أنظمة الدفع الرقمية في المملكة.

واشترط صندوق النقد الدولي 38 شرطًا ليساعد الأردن، من أبرزها رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات الأساسية وإعادة النظر في الضرائب والرسوم، حيث ركزت الشروط على زيادة إيرادات خزينة الدولة من الضرائب من خلال إعادة النظر في قانون ضريبة الدخل وتخفيض الشرائح المشمولة بالإعفاءات الضريبية والتقدم باتجاه فرض الضريبة التصاعدية، ورفع الأعباء التي تتحملها الحكومة في دعم أسعار السلع والخدمات الرئيسية كالمياه والكهرباء، حيث اشترط الصندوق رفع الدعم عنها بالكامل.

وأشرف برنامج صندوق النقد الدولي على برنامج في الأردن لتحفيز النمو خلال السنوات الثلاث الماضية ومع ذلك لم يتجاوز النمو حاجز 2.5 في المئة. ومن شروط الصندوق خفض الدين العام المقدر حاليًا بنسبة 92 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ليصل عند نهاية البرنامج إلى 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وخفض العجز في الموازنة.

ويشير محللون إلى أن “توصيات” صندوق النقد الدولي التي التزم بها الأردن مقابل حصوله على قرض لها تأثير سلبي على الاستقرار الاجتماعي في المملكة. وكانت الحكومات الأردنية السابقة قد اتخذت قرارات صعبة أدت إلى تراجع مستويات المعيشة وتآكل الدخول وزيادة الفقر، منها إزالة الدعم عن المشتقات النفطية عام 2012، والخبز عام 2017، ضمن ما قالت الحكومات وقتها إنها برامج إصلاح مالي.

وشهدت المملكة احتجاجات وإضرابات خلال السنوات الماضية رفضا لتدهور الوضع الاقتصادي والغلاء خاصة في أسعار المحروقات لكن سرعان ما تم احتواؤها. وشكلت الإيرادات الضريبية نسبا مرتفعة من حجم الموازنة الأردنية لسنة 2023، إذ بلغت تحصيلات الإيرادات من الضريبة العامة على المبيعات نحو 4200 مليون دينار، مسجلة بذلك نموا نسبته 4 في المئة عن الموازنة الماضية.

◙ الأردنيون يتجهزون للمزيد من الأعباء المالية في ظل تدهور مقدرتهم الشرائية وارتفاع معدلات البطالة والفقر

وأقرت الحكومة الأردنية في الأول من ديسمبر الماضي موازنة عام 2023، متوقعة أن يبلغ عجز الموازنة بعد المنح الخارجية 2.5 مليار دولار، وأن يبلغ التضخم 3.8 في المئة، وبمعدل نمو حقيقي يبلغ 2.7 في المئة. وتأتي الموازنة وسط شارع مضطرب شهد إضرابات واسعة نهاية العام الماضي للمطالبة برفع الضرائب وتحسين المستوى المعيشي، ويعاني الاقتصاد من تضخم في الأسعار حاولت الحكومة امتصاصه من خلال رفع أسعار الفوائد على القروض، ما أصاب قطاعات تجارية بحالة ركود.

وكانت الحكومة قد واجهت انتقادات حادة بسبب ارتفاع الأسعار وإخفاق السياسات الاقتصادية، وتطورت إلى احتجاجات في العديد من المحافظات للمطالبة بتخفيض أسعار المشتقات النفطية، وشهد الأردن على إثرها إضراب الشاحنات ووسائل النقل العام عن العمل لارتفاع الكلف التشغيلية، وكاد يخرج عن الطابع السلمي.

وقال مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب النائب ضرار الحراسيس في تصريحات صحفية إن هنالك مخاوف في الأردن من إقدام الحكومة على رفع أسعار بعض السلع ورفع الدعم عن الخدمات بشكل نهائي، مثل المياه والكهرباء، في إطار الالتزامات المطلوبة منها تجاه برنامج الإصلاح الاقتصادي المزمع توقيعه مع صندوق النقد الدولي.

وأضاف أن هنالك مطالبات متكررة من صندوق النقد والبنك الدوليين بإلغاء الدعم الذي تقدمه الحكومة لبعض شرائح مستهلكي الكهرباء والمياه ومجالات أخرى، بهدف تخفيض عجز الموازنة وزيادة العوائد المالية للخزينة. وتابع بأنه يجب الكف عن التفكير برفع الدعم عن الكهرباء والمياه المقدم للشرائح الفقيرة ومتدنية الدخل، وذلك لعدم إحداث تراجع آخر في مستويات المعيشة ورفع نسب الفقر التي بلغت مستويات قياسية.

2