إشارات جافة بين السلطة والأحزاب في الجزائر

الرئيس تبون استقبل في مكتبه عددا من قادة الأحزاب من مختلف المشارب السياسية والأيديولوجية لكن ملامح الجفاء تبقى هي نفسها خاصة مع رغبة السلطة الجديدة في البلاد تجاوز الطبقة الحزبية.
الجمعة 2023/11/10
سلطة "شاوره.. وخالف رأيه"

بين التوجهات الفعلية للسلطة وبين اللقاءات الشكلية التي تجمع من حين إلى آخر بين الرئيس تبون، وبعض قادة التشكيلات السياسية، مسافة طويلة تختفي بين ثناياها أزمة علاقة ودور كلا الطرفين، في بلورة الإجماع وبحث الخلافات المتصلة بالمواقف الكبرى، كما هو الشأن بالنسبة إلى الوضع في قطاع غزة.

لقد كانت حركة مجتمع السلم الإخوانية، ومعها 12 حزبا من مختلف التيارات والمدارس السياسية والأيديولوجية، أول المتحمسين للخروج إلى الشارع من أجل التعبير عن التضامن والدعم مع قطاع غزة، والتنديد بالعدوان الإسرائيلي الشرس، لكن السلطة تبقى متوجسة من خيار ترك المسألة للشارع لأنها لا تريد تكرار تجربة الحراك الشعبي.

بمناسبة وبغير مناسبة يستقبل الرئيس عبدالمجيد تبون، بعض قادة الأحزاب السياسية، لكن لا شيء يوحي بجدية حقيقية لدى الطرفين، فغالبا ما يكتفي هؤلاء بتوجيه عبارات الإطراء والمجاملة وبعض المفردات المستخرجة من لغة الخشب، الأمر الذي أضفى على تلك اللقاءات الطابع الشكلي بينما البلاد تغرق في أزمة علاقة عضوية بين الطبقة الحزبية والسلطة.

◙ انفتاح الرئيس على الطبقة السياسية يبقى محدودا، وغير كاف لإنجاز مواعيد انتخابية، والطبقة السياسية في حالة إفلاس أيضا، لأنها لم تستطيع فرض الأمر الواقع

ومنذ تقدم الرئيس تبون، لخوض غمار الانتخابات الرئاسية نهاية عام 2019، كمرشح مستقل، لاحت بوادر فتور بين الطرفين، خاصة وأن قناعة لدى السلطة تبلورت بشكل لافت، حول عدم حاجتها لأحزاب سياسية وبرامج حزبية ونشاط ميداني، ولذلك انكفأت تلك الكيانات ولم تظهر إلا في استحقاقي التشريعيات والمحليات الأخيرة، ثم عادت الى سباتها العميق.

خلال هذا الأسبوع استقبل رئيس الجمهورية، الرئيس الجديد لحركة “حمس” عبدالعالي حساني، ليكون بذلك خامس لقاء بين الحركة والرئيس، لكن كما انتهت اللقاءات الأولى، انتهى اللقاء الأخير على تحفظ حول تفاصيل اللقاء وكأنه تناول قضايا سرية، واكتفى رئيس حمس، بالإشارة إلى “طرح كل طرف لوجهة نظره حول عدة قضايا وملفات داخلية وخارجية”، دون أيّ تفاصيل أخرى لا عن طبيعة تلك الملفات ولا عن مضمون وجهتي النظر.

وإذا كانت القضية الفلسطينية هي القاسم المشترك بين جميع الجزائريين في شتى المواقع والمسؤوليات، إلا أن جفافا ظهر في الآونة الأخيرة بين قطاع من الأحزاب السياسية يريد النزول إلى الشارع لتأكيد العقيدة المتوارثة “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، وبين سلطة غير متحمسة لخيار الشارع، بسبب خشيتها من انفلات الوضع إلى احتجاجات سياسية مضادة لها، وركوبها أو اختراقها من طرف جهات معادية كما تروّج له في خطاباتها، وعندما لم يتح لها الأمر تحت أصوات الغاضبين، انخرطت عبر أذرعها الحزبية والمدنية في مسيرة شعبية نادرة ظهرت عليها بصمات التأطير مقابل عزوف القاعدة غير المهيكلة في تلك الأحزاب والجمعيات والمنظمات.

الرئيس تبون، استقبل في مكتبه عددا من قادة الأحزاب، من مختلف المشارب السياسية والأيديولوجية، لكن ملامح الجفاء تبقى هي نفسها، خاصة وأن السلطة الجديدة في البلاد تريد تجاوز الطبقة الحزبية، إلى شريك هجين أولته كل الدعم والإسناد، وهو المجتمع المدني الذي حل ثانيا في انتخابات البرلمان، وإذ بدا صاحب ثقل في تمرير برامج الحكومة والدفاع عن برنامج تبون، والتأكيد على أنه لا خوف على خيارات السلطة، فإنه عجز عن تأطير أو توجيه المجتمع في القضايا ذات البعد الشعبي.

منذ مشاورات دستور نوفمبر 2020، إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا زالت السلطة تسير بمنطق “شاوره وخالف رأيه”، خاصة وأن العلاقة بين الطرفين لم تعد طبيعية إلى درجة أن الجلوس وجها لوجه مع الرجل الأول في الدولة، صار يشكل مكسبا لبعض الأحزاب والمستقلين، وأما التداول حول القضايا المطروحة فذلك شأن بعيد المنال، في ظل استحواذ السلطة على كل شيء.

غالبية الأحزاب كانت في صلب غضب الحراك الشعبي بسبب شراكاتها مع انحرافات السلطة السابقة، فهي بالنسبة إلى هؤلاء وجه من أوجه الفساد والابتعاد عن شرعية الشعب، وبالكاد تجاوزت الأصوات الداعية للرحيل، وجدت نفسها محل تجاهل من طرف السلطة التي كانت تحتمي بها، فوقعت في حالة من الارتباك، وحتى تلك التي كانت توصف بـ”أحزاب السلطة” لم تعد تعرف ماذا تفعل ولا كيف تتصرف.

◙ بمناسبة وبغير مناسبة يستقبل الرئيس عبدالمجيد تبون، بعض قادة الأحزاب السياسية، لكن لا شيء يوحي بجدية حقيقية لدى الطرفين، فغالبا ما يكتفي هؤلاء بتوجيه عبارات الإطراء والمجاملة

لم تخرج نتائج الانتخابات التي جرت عام 2021، عن دائرة تكهنات السلطة، لكن تغوّل الأخيرة واستفرادها بهوامش المناورة أذاب المعارضة كما ذابت الموالاة، ولذلك مرت قضية تفككها مرور الكرام، فباستثناء الكتل النيابية والمجالس البلدية والولائية، لم يعد للأحزاب شأن في البلاد، فلا رئيس يناور لكسب دعمها ولا حكومة تتفاوض لأجل كسب الأغلبية، ولا مكاسب في الأجهزة التنفيذية، النهج التكنوقراطي أفرغ المشهد من أيّ مفعول سياسي.

ويعكس تصريح عبدالعالي حساني، حول “تبادل وجهات النظر بشأن القضايا المطروحة”، دون الغوص في تفاصيل أخرى، حلّ الجفاء والفتور بين رمز الدولة الأول وبين أبرز مؤسسات التعددية، وكأن المسألة مجرد لقاءات شكلية لحفظ شرف ديمقراطية هي مفترق طرق، بين أن تستعيد زخمها ودور أطرافها، أو أن تصوغها الجهة المالكة وفقا لقانون القوة.

انفتاح الرئيس على الطبقة السياسية يبقى محدودا، وغير كاف لإنجاز مواعيد انتخابية، والطبقة السياسية في حالة إفلاس أيضا، لأنها لم تستطيع فرض الأمر الواقع، وهنا ربما يكمن سر المعادلة، وهو أن سبب إصرار السلطة على تطويع الأحزاب، نابع من علمها بأنها لا تملك قاعدة وشرعية شعبية، ولذلك فهي ترضى بما قسم لها بدل العودة إلى الشارع لوزن نفسها. ورغم ذلك ومن باب احترام قواعد اللعبة، لا توجد ديمقراطية دون أحزاب سياسية ومجتمع مدني.

8