مرض تسعير الوقت!

معظم العلماء، يتفقون على أن فعل الخير مفيد لنا كما هو مفيد لمن ينتفعون به، وهو عادة يمكن تطويرها في أي مكان وزمان.
الخميس 2023/11/02
"ازدراء فعل الخير"

أصيبت إحدى صديقاتي الأفريقيات بمرض عصري اسمه “تسعير الوقت”، فكلما طلب منا مديرنا في العمل نوبات إضافية في الليل أو نهاية الأسبوع، سارعت إلى طلب العمل بدلا عن بقية الزملاء، وكل همها هو تحصيل أجر إضافي، إلى درجة أن بعض الزملاء لقبوها بـ”المرأة الحديدية”، لأنها لا تكل ولا تمل من العمل ولا تطلب فترات راحة أبدا.

المفاضلة بين العمل والترفيه هي في نظر زميلتي مفارقة غير مطروحة أبدا، لأن العمل لفترات أطول هو هاجسها الذي لا تستطيع السيطرة عليه، حتى وإن كان ذلك يأتي على حساب كل شيء في حياتها، بما في ذلك صحتها وعلاقاتها الزوجية، التي لا فرصة فيها للالتقاء والترقية وتبادل أطراف الحديث، فهي تعيش مع زوجها مثل الغرباء تحت سقف واحد.

الأسوأ من هذا كله أن زميلتي رفضت إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة شهر، وخيرت مواصلة العمل، وكل همها هو العمل أكثر فأكثر، للحصول على قدر أكبر من المال.

ربما يعيش الكثير من المهاجرين، هذا النوع من الحياة طوال أيام السنة، ومعظمهم عالقون داخل هذه الحلقة المغلقة من ساعات العمل الزائدة، وقلة أيام الإجازات. فنحن المغتربون نطمح دائما إلى تحقيق أكثر استفادة ممكنة من الغربة، ونبذل الكثير من الجهد ونقدم لائحة من التضحيات، في سبيل تحسين جودة حياة الأبناء والأهل والأقارب ونحاول إنقاذهم من بوتقة الفقر، وقد لا يفكر أغلبنا في حياته أو احتياجاته ومتعه الشخصية، بالقدر الذي يفكر فيه في مساعدة أهله.

لا يوجد من يعرف حقا لماذا تجعل الغربة البعض من المهاجرين مؤثِرين أكثر مما كانوا عليه في أوطانهم الأصلية! فهناك من يرى أن الإيثار ومد يد العون إلى الآخرين يشكل طبيعة فطرية في كل إنسان، بينما يشير آخرون إلى أن هذه الخصال ساعدت الأسر على الصمود في وجه الأزمات العالمية.

ونظرا لقلة توفر معطيات دقيقة وموفقة، لا تحظى تنمية المهاجرين للمجتمعات بالاهتمام اللازم، كما أنها تغيب بشكل شبه كامل عن الجدل والأطروحات المتداولة بشأن الإسهامات التي يقدمها المهاجرون لجعل أوطانهم التي ازدرتهم أماكن أكثر طيبة للعيش فيها.

على أي حال معظم العلماء، يتفقون على أن فعل الخير مفيد لنا كما هو مفيد لمن ينتفعون به، وهو عادة يمكن تطويرها في أي مكان وزمان.

لكن للأسف هناك ظاهرة أخرى سلبية بارزة تعرف باسم “ازدراء فعل الخير”، وعدم إبداء الامتنان والاعتراف بالجميل، وتقدير الوقت والجهد والموارد التي يستثمرها المهاجرون في سبيل رفاهية مجتمعاتهم الأصلية، إلى درجة أن البعض من الأقارب لا تعرف خدودهم حمرة الخجل، يبدون إحساسا فجا بالاستحقاق، ويطلبون معاملة خاصة أو مكافآت مادية أكبر، وغالبا ما يرفضون الاعتراف بجميل غيرهم عليهم.

تعترف زميلتي الأفريقية صراحة بأنها لا تلقى القدر الكافي من الاحترام والتقدير من أبنائها، فهم دائما يطلبون منها أموالا أكثر ويتذمرون ويتهمونها بالتقصير في حقهم.

لعل هذا يحيلنا على العبارة الشهير التي قالها يوما الفيلسوف الفرنسي فولتير، “الأفضل هو عدو الخير”.

18