الناقد أحمد قادم يقارب أسئلة النص الشعري في دار الشعر بمراكش

الحديث عن الحجاج في الشعر له ما يسوّغه في الحقل النقدي والفلسفي عند العرب نظرا لتأثيره الكبير في المتلقي.
الخميس 2023/11/02
النص الشعري له بلاغة جديدة

مراكش (المغرب) - أكد الناقد الدكتور أحمد قادم عميد كلية اللغة العربية بمراكش أن موضوع “النص الشعري وأسئلة البلاغة الجديدة” يقع في صميم أسئلة النقد الحديث اليوم على ضوء ما أحدثته “البلاغة الجديدة” من إبدالات على مستوى الخطاب النقدي. ولا يمكن الحديث عن أسئلة البلاغة الجديدة دون التركيز على قضايا الحجاج، بصفته جوهرا يسعى للوصول إلى الحقيقة.

وقدم الناقد قادم في درسه الافتتاحي الذي نظمته دار الشعر بمراكش مؤخرا وشهد مشاركة الناقدين عبدالفتاح شهيد ومريم الخلفاوي خلاصات أساسية تتعلق بمفارقات البلاغة "القديمة" والبلاغة "الجديدة"، معرجا على البلاغة الأرسطية والتي اهتمت بالخطابة والسفسطة، وتحديداتها ومفاهيمها، انتهاء بمقاربة تصورات بيرلمان للحجاج وبلاغة الإقناع.

وأثار قادم طرائق الجدل ومستوياته خصوصا حفرياته في التراث البلاغي والنقدي، معرجا على رؤى النقاد والبلاغيين القدامى مثل حازم القرطاجني، وصولا إلى كتاب بيرلمان حول البلاغة الجديدة. ودعا في محور “الإقناع بين الشعر والخطابة” إلى “ضبط المقومات الخطابية.. مع التركيز على مفهوم المراوحة بين المعاني الشعرية والمعاني الخطابية وطبيعة التعايش بين التخييل والإقناع”.

ولأن نظرية الحجاج أضحت من أهم المداخل التي يمكن التوسل بها لاستنطاق النصوص والخروج منها بخلاصات متعددة، خاصة تلك النصوص التي تتخذ من الإقناع غاية لها، ورغبة في تجاوز التصور الأرسطي القديم وإغراق البلاغة في البديعيات والمحسنات، تبدو الحاجة ماسة، في رأيه، إلى دلائل البرهان وليس إلى المحتمل.

الناقد أحمد قادم قدم خلاصات أساسية تتعلق بمفارقات البلاغة "القديمة" والبلاغة "الجديدة"
◙ الناقد أحمد قادم قدم خلاصات أساسية تتعلق بمفارقات البلاغة "القديمة" والبلاغة "الجديدة"

ولفت إلى أن أرسطو قد ميز قضية البراهين (التصديقات) إلى ثلاثة أنواع هي على التوالي: الإيتوس (Ethos)، الباتوس (Pathos)، واللوغوس (Logos). وتستند الحجة البرهانية إلى مقدمات يقينية وتبعا لذلك فنتائجها قطعية، والحجة الجدلية تستند إلى مقدمات مشهورة ولذلك فنتائجها احتمالية، وتقوم الخطابة على مقدمات مظنونة ونتائج اعتقادية وإقناعية، والسفسطة على مقدمات مشبوهة ونتائج مغلطة، بينما الشعر فيرتكز على مقدمات مخيلة ونتائجه تخييلية.

وهكذا يرى الناقد قادم أن الذي يجمع بين أقسام المنطق من منظور حجاجي هو أن هذه الأقسام تسعى لإنشاء الاعتقادات أو تثبيتها أو تغييرها لدى المخاطَب، لكن لكل قسم منها طريقته الخاصة ومنهجه المتفرّد، كما أن التنوع لا يلغي التراتبية بين أقسام المنطق؛ فالبرهان مثلا أقوى حجاجيا من الجدل. والجدل أعمق من الخطابة؛ لأن الفرصة تتاح فيه للمجادل للاعتراض على خصمه.

ولأن الشعر أقل حجية من الخطابة؛ لأن الإقناع بالتخييل يوحي بأن الناس خوطبوا بما غلطوا به. والحديث عن الحجاج في الشعر له ما يسوّغه في الحقل النقدي والفلسفي عند العرب، فقد نُظر إليه من زاوية قدرته على التأثير في المتلقي وجعله منصاعا لمقتضى القول.

 وقد لخّص حازم القرطاجني (684هـ) هذا المعطى في قوله المشهور “إن صناعة الشعر تستعمل يسيرا من الأقوال الخطابية”، كما أن الخطابة تستعمل يسيرا من الأقوال الشعرية، لتعتضد المحاكاة في هذه بالإقناع والإقناع في تلك بالمحاكاة. وهي دعوة منه إلى ضبط قوانين المراوحة بين المعاني الشعرية والمعاني الخطابية، واعتراف صريح بالبعد الحجاجي للشعر وإن كان المقصد تخييليا، ذلك أن قيام الشعر على مقدمات تخييلية لا يلغي المداخل التأثيرية التي تستهدف المخاطب وتسعى إلى جعله منصاعا للقول إلى جهة الانقباض أو الانبساط.

وتكفي هنا الإشارة إلى قدرة الشاعر على استغلال الالتباس اللغوي في توجيه العبارات توجيها حجاجيا ومنح الحجاج بالعواطف مساحة كبيرة ضمن الحيّز الإجمالي للنص، خاصة الحجج الباتوسية، وتوظيف القيم والحقائق بشكل حجاجي يقلّل من نوازع الاعتراض.

و”الكلام كله حجاجي”، مقولة طه عبدالرحمن لها ما يبررها، خصوصا عندما يستمد النص الشعري مقومات الخيال ومراوحته بين المعاني الشعرية والخطابية، لتبرز العلاقة الجديدة بين النص الشعري والحجاج من خلال إعادة النظر في قراءة الشعر من منظور البلاغة الجديدة.

وتناولت الباحثة مريم الخلفاوي ضمن فقرة تعقيبات موضوع النص الشعري والبلاغة الجديدة ضمن التركيز على مفهوم البلاغة الجديدة وآليات انتقال البلاغة من البلاغة الكلاسيكية إلى البلاغة الجديدة، إلى جانب تحديد تعريفاتهما ومفهوم الخطاب الحجاجي ومفهومي الشعر والتخييل.

◙ الباحثة مريم الخلفاوي فتحت نوافذ الاستقصاء عن آليات انتقال الشعر من الوظيفة الشعرية إلى الوظيفة الإقناعية وأسباب توافق النص الشعري مع الحجاج

وفتحت الباحثة نوافذ الاستقصاء عن آليات انتقال الشعر من الوظيفة الشعرية إلى الوظيفة الإقناعية وأسباب توافق النص الشعري مع الحجاج وعن إمكانيات تحليل الخطاب الشعري باعتماد الحجاج، وتعالقات النص الشعري بما هو تداولي وحدود إمكانيات الشاعر في التحكم في العواطف في الشعر، لتقدم في نهاية مداخلتها نموذجا تطبيقيا للمنهج الاستدلالي الحجاجي في الشعر.

أما الناقد والأكاديمي عبدالفتاح شهيد صاحب الاشتغال الجمالي للمعنى الأخلاقي والأنتروبولوجيا الثقافية، فرصد مشروع قادم الحجاجي، بدءا من "شعرية الإقناع في التراث النقدي والبلاغي"، وبلاغة الحجاج بين التخييل والتدليل، والتحليل الحجاجي للخطاب، إلى جانب بحوثه ودراساته العديدة حول: اللغة الشعرية وأسئلة التلقي، الإلقاء في الشعرية العربية، والإقناع الشعري والإقناع الخطابي في التراث النقدي والبلاغي.

ورأى أنه قد تشابكت أسئلة الشعر بأسئلة الحجاج، الشعر بصفته خطابا متحولا في مواجهة خطاب عقلاني وصارم بقواعده. فظل السؤال مفتوحا حول قدرة البلاغة الجديدة على ترسيخ قيم الحوار، وشعرية الإقناع وطرائقه في أنماط الخطابات. وما دام الحجاج لا يتعارض مع الخيال، وقدرة الأخير على بناء الصور، تتشابك أسئلة جديدة تهم بلاغة الرجحان والمحتمل، وأيضا طرائق الدرس البلاغي في إعادة النظر في قضايا تهم جوهر الشعر وكنهه.

12