حرب غزة تعيد لنقابة الصحافيين المصريين دورها كمنبر للحريات

القاهرة - تعددت الفعاليات والمبادرات التي نظمتها نقابة الصحافيين المصرية على مدار الأيام الماضية عقب اندلاع الحرب على قطاع غزة، ونظمت لأول مرة منذ سنوات وقفة احتجاجية على سلمها الشهير استنكرت فيها الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين، وأعلنت دعمها للشعب الفلسطيني، ما يرشحها لتكون منبراً للدفاع عن الحريات العامة مع تراجع هذا الدور بشكل لافت في السنوات الماضية.
وعبّر إقدام النقابة على رفع علم الدولة المصرية وعلم فلسطين بطول واجهة مدخلها، الذي ظل لسنوات تحت الإصلاح والتشييد، عن طبيعة الدور الذي تستهدف القيام به خلال الفترة المقبلة. وهو ما يشير إلى أن تحركاتها، التي تتفاوت بين التغطية الإعلامية المصرية المنحازة إلى الفلسطينيين وكشف ما يتعرضون له من انتهاكات وقيامها بإيصال أصوات شعبية مناهضة لما يجري الآن، باتت مقبولة ومطلوبة لدى أطراف مختلفة.
ونظمت نقابة الصحافيين المصرية الاثنين مؤتمرا رصدت فيه تجاوزات وأكاذيب الإعلام الغربي خلال تغطية الحرب على غزة، وتضمن أيضا الممارسات غير المهنية لبعض وسائل الإعلام الغربية التي وثقتها لجنة جرى تشكيلها مطلع هذا الأسبوع لكشف طبيعة المحتوى الإعلامي الذي ينخرط بشكل كبير في تغطية الحرب ويعمل لصالح أجندات سياسية متعارضة.
وتعقد النقابة المصرية الأربعاء لقاء مفتوحا مع السفير الفلسطيني في القاهرة دياب اللوح، ومن المقرر أن تصدر بشكل أسبوعي تقريرها الإعلامي بشأن التغطية الإعلامية الدولية للحرب في غزة، وتنسق مع نقابة الصحافيين في فلسطين ولبنان للأمر ذاته، ما يعبر عن حالة من النشاط المحلي والعربي تجعلها في بؤرة الأحداث لتعزز استفاقتها من الثُبات الذي ظل مهيمنا على المجالس السابقة انعكاساً على أوضاع داخلية شهدت تضييقا على الحريات العامة.
ما يعزز حضور النقابة في حرب غزة أن مجلس النقابة الحالي سجل مواقف سابقة إيجابية منذ الانتخابات الأخيرة التي عقدت في مارس الماضي، وأفرزت فوز الصحافي المعارض خالد البلشي، وتمكن المجلس من التعامل مع أزمة إضراب صحافي هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، ونجاحه في تحقيق استجابة لمطالب مكتب القاهرة. ونظمت النقابة فعاليات عديدة أعادت الصلة المقطوعة بين أعضاء الجمعية العمومية وبين نقابتهم.
ويؤكد صحافيون أن إبراز دور النقابة على المستويات المهنية والشعبية يخدم بشكل مباشر مجمل أوضاع الصحافة التي بدأت تتراجع خلال العقد الأخير، وأن استعادة الحيوية النقابية قد تكون لها انعكاسات على الأداء الإعلامي، شريطة أن تقوم النقابة بالدور ذاته في مواجهة أخطاء مهنية تقع فيها الصحافة المحلية، وتستعيد عمل لجان متابعة أداء الصحف.
وقال سكرتير عام نقابة الصحافيين جمال عبدالرحيم إن “النقابة تقوم بالأدوار المعهودة عنها منذ تأسيسها قبل أكثر من ثمانين عاما، ويرتبط النشاط الحالي بإرث قديم كانت فيه نقابة الصحافيين المصرية أول نقابة مهنية وعمالية تحظر التطبيع مع إسرائيل، ومازالت تصدر عقوبات بحق أي صحافي يخالف هذا القرار الذي يتم تجديد العمل به سنويا”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “فترة الخمول السابقة كانت استثنائية في تاريخ النقابة، حيث شهدت البلاد أوضاعا سياسية غير مستقرة، إلى جانب فترات الإغلاق الكلي بسبب انتشار فايروس كورونا، ما قاد بالتبعية إلى تراجع أدوار النقابة وعدم قدرتها على القيام بجهود فاعلة في أزمات محلية وعربية”.
ونفى أن يكون دور النقابة الحالي ناتجا عن تنسيق مع أي جهة حكومية أو محسوبة على مؤسسات الدولة، لأن النقابات المهنية لديها أدوارها التي تقوم بها تعبيراً عن واقع المجتمع المدني، وللحكومات أدوار أخرى مختلفة، ويبقى التنسيق بالأساس مع نقابات محلية وأخرى على مستوى نقابات الصحافيين في عدد من الدول العربية واتحاد الصحافيين العرب.
ودائما كانت الاحتجاجات التي تنظمها نقابة الصحافيين المصرية على سلمها الشهير لدعم القضية الفلسطينية تشهد تضييقا من قبل جهات أمنية تخشى انفلاتها وخروجها عن إطار الحيز الأمامي لمدخل النقابة الذي ارتبط في ذاكرة المصريين بأنه وعاء للدفاع عن القضايا الحقوقية والحريات العامة والسياسية في فترات مختلفة، لكن الوقفات تراجعت ولم تكن حاضرة على مدار أكثر من خمس سنوات ظلت فيها واجهة المبنى تحت الإصلاح والتشييد.
وكان ستة أعضاء من مجلس نقابة الصحافيين ضيوف برنامج “المساء مع قصواء” الذي تقدمه الإعلامية قصواء الخلالي على فضائية “سي بي سي” المصرية مساء الاثنين، للحديث عن دور النقابة في توفير المساندة الإعلامية والشعبية للقضية الفلسطينية، وهو مؤشر على أن النقابة ستكون في صدارة حراك إعلامي مصري يستفيد من حالة الزخم المرتبطة بتطورات الأوضاع في قطاع غزة.
وأكد نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن بزوغ دور النقابة المصرية يرجع إلى أن المجلس الحالي استطاع أن يُعيد قدرا مهما من فاعلية النقابة الغائبة وتمكن من استعادة أدوارها التي تتمثل في حماية المهنة والدفاع عن حقوق الصحافيين والتعبير عن رأي الجمعية العمومية في القضايا ذات الطابع القومي والوطني ومن بينها القضية الفلسطينية، علاوة على ما تفرزه الأحداث اليومية من واقع يتطلب استفاقة مؤسسات المجتمع المدني للقيام بأدوارها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “توظيف سلم النقابة للتعبير عن مواقف محددة ليس هدفا في حد ذاته، لكنه دلالة على أن النقابة تحافظ على دورها كقلعة للدفاع عن الحريات العامة، وحشد التأييد للشعب الفلسطيني أمر طبيعي لأننا أمام حدث استثنائي، وكان من المهم التعبير عن موقف النقابة لأول مرة منذ سنوات”.
وأشار إلى أنه في الوقت الحالي لا يمكن النظر إلى النقابة على أنها تؤيد النظام أو تعارضه لأن الخطر محدق بالدولة وهناك مخاطر عديدة تحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسي واستخدم مصطلحات تشي بضرورة أن تكون هناك ردة فعل شعبية لدعم موقفه، لافتا إلى أن الأمن القومي خط أحمر وأن ما يحدث في غزة يهدد أمن واستقرار المنطقة ومن الطبيعي أن تتحرك منظمات المجتمع المدني وفي القلب منها نقابة الصحافيين لتقديم رسائل التعبئة والمساندة.
ويؤكد متابعون أن نقابة الصحافيين تبقى وعاء لحراك شعبي متوقع في الأيام المقبلة مع احتمال انفتاح الصراع الدائر على أوجه مختلفة، وأن النقابة بمجلسها الذي يتمتع بقدر من المعارضة ولدى قياداته مواقف مناهضة للاحتلال الإسرائيلي يمكن أن تستوعب فعاليات قد تنتقل إلى نقابات أخرى، لكن يظل البعد الإعلامي فيما تُقدم عليه نقابة الصحافيين مهمًا لتوصل رسائل إلى الرأي العام المحلي والدولي أيضا.
وقال نقيب الصحافيين خالد البلشي في تصريحات خلال إحدى الفعاليات التي نظمتها النقابة “في الفترة الماضية، ومع بداية العدوان على غزة، رأينا وجهًا آخر لكل القيم، وانحيازا سافرا لجيش الاحتلال على حساب الضحية، وإنكارا واضحا للضحية. والنقابة تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى، والحقيقة تعد قضيتها الأولى أيضًا، وكان لا بد من وقفة انتصار لقضية شعب محتل، والانتصار للقيم الإنسانية”.