ميادين الاحتجاج تتجمع في بيان احتجاجي

في الوقت الذي تتقاطر فيه البيانات الاحتجاجية وتتكاثر كالفطر، في ظل الطواحين الإعلامية وشبه الإعلامية على السوشيال ميديا، والتي تتغذى من هذه المباريات حامية الوطيس في تحرير العرائض، تهيأ لنا أن ساحات الاحتجاج في تونس، قد نشرت بدورها، بيانا افتراضيا هذا نصه:
“نحن تجمع الساحات والميادين العمومية والمنصات الحقيقية والافتراضية في تونس، نرفع لرئيس الجمهورية هذه العريضة الاحتجاجية بقصد الاعتراض والتظلم على ما أصابنا من أضرار سببتها إضرابات ووقفات احتجاجية وفوضى اعتصامات عشوائية.
السيد الرئيس، نحن لسنا ضد التجمعات الجماهيرية التي بُنينا وصُنعنا لأجلها في عاصمتنا الحبيبة التي نفخر بها وتفخر بنا، لكن ما آلت إليه الأمور في الأسابيع الأخيرة فاق كل منطق، إذ عمدت جماعات تسمي نفسها بالمعارضة من إسلاميين وبعض الحزبيين وفلول النقابيين إلى إشغالنا كفضاءات عمومية وترفيهية نحو مآرب أخرى لا علاقة لها بالتعبيرات الديمقراطية.
السيد الرئيس، ما إن كدنا نتنفس الصعداء، ونتهيأ لتنظيف أنفسنا من فواضل تلك التجمعات لمواجهة عربات البيع العشوائي، حتى بتنا اليوم نواجه نوعا آخر من "التسويق العشوائي" للشعارات الجوفاء والصراخ السياسي
لقد قلنا كلمتنا في المطالب الشعبية الكبرى المتعلقة بكرامة المواطنين واستقلال البلاد ووجوب تطهيرها من رموز الفساد، منذ 14 يناير 2011 وما أعقبها من مسارات التصحيح المتتالية في ساحة الحكومة بالقصبة، إلى أن وصلنا إلى التجمع الجماهيري المساند لحركة 25 يوليو 2021 في ساحة باردو، قرب البرلمان الذي كانت تفتكه الجماعة الإسلامية وحلفاؤها.
السيد الرئيس، ما إن كدنا نتنفس الصعداء، ونتهيأ لتنظيف أنفسنا من فواضل تلك التجمعات لمواجهة عربات البيع العشوائي، حتى بتنا اليوم نواجه نوعا آخر من ‘التسويق العشوائي’ للشعارات الجوفاء والصراخ السياسي الذي لا يقول شيئا غير التشويش على المشهد الإصلاحي في البلاد.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتدت هذه الاستعراضات الكلامية التي ما أنزل الله بها من سلطان لتشمل أماكن ذات سمعة سيادية كالقصر الرئاسي الذي تجرأت النائبة السابقة في البرلمان المنحل ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، على الاحتكاك بسوره الخارجي مع بعض أتباعها لتقول تظلمها كما تدعي”.
بعيدا عن هذا البيان الافتراضي، وبالعودة إلى الواقع الذي أصبح أكثر غرابة وسخرية من الخيال، فإنه كان من الطبيعي أن تواجه هذه الحركة الرعناء بقوات الأمن ليتم اعتقالها وتقاد نحو التحقيق كما هو معمول به في أكثر بلدان العالم ديمقراطية وحرصا على صون حقوق الإنسان.
ويتزامن اعتقال موسي، الذي يعتبره “محامون وحقوقيون” تعسفا “حالة احتجاز دون سبب قانوني” مع دخول مجموعة من السياسيين التونسيين في إضراب مفتوح عن الطعام داخل السجن، احتجاجا على تمديد أوامر اعتقالهم، بالإضافة إلى أن عائلات المحتجزين في تونس ـ وغالبيتهم من ذوي القضايا الجزائية ـ قد بدأت اعتصاما مفتوحا للإفراج عنهم.. فما هذه المطالب المشطة؟ وهل أصبح سلاح “الأمعاء الخاوية” أشد فتكا من النصوص القانونية والحق العام؟
العالم الأوروبي لم يعد يكترث كثيرا للوائح حقوق الإنسان التي لا تتحرك إلا في المؤسسات البرلمانية كقوى ضغط على الحكومات التي تهتم بدورها لقضايا إستراتيجية وشركات اقتصادية مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط
وكانت حركة النهضة أعلنت أن 20 شخصية سياسية تخوض إضرابا عن الطعام تضامنا مع المعتقلين.
ومن بين الشخصيات التي أعلنت خوضها “معركة الأمعاء الخاوية” الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبدالسلام.
هذا واقع المعارضة التونسية اليوم ـ إلا من رحم ربي ـ من المسؤولين عن مواقفهم والمساندين لمسار التطهير ومحاربة الفساد، دون المزايدة باسم الموالاة للرئيس قيس سعيد، الذي يكره بدوره، المنافقين والانتهازيين والمصفقين، بدليل أنه لم يسع لتأسيس تيار يتشدق باسمه في البورصة السياسية على طريقة الناصريين أو القذافيين وغيرهم.
يبدو أن غربال الزمن قد فعل فعله منذ 25 يوليو 2021، وتبين السياسي والنقابي الوطني المسؤول، من ذاك الذي يتصيد في المياه العكرة ويتحين لحظة الانقضاض مستخدما كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة.
الأمر الذي غاب عن أذهان هؤلاء، هو أن العالم الأوروبي لم يعد يكترث كثيرا للوائح حقوق الإنسان التي لا تتحرك إلا في المؤسسات البرلمانية كقوى ضغط على الحكومات التي تهتم بدورها لقضايا إستراتيجية وشركات اقتصادية مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط.
البراغماتية الأوروبية الآن تجد الواقعية السياسية مع ما يرافقها من منافع اقتصادية هي الأقدر على تحقيق مصالحها، أما المسألة الحقوقية فكثيرا ما يختلط فيها الحابل بالنابل ويلعب فيها الانتهازيون أدوارهم باقتدار بات يخبو يوما بعد يوم، بعد أن ركب على مطالبهم الفاسدون والإرهابيون.