سيول الفيضانات تكشف عن ثروة أثرية شرق ليبيا

تستعد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لإرسال بعثة علمية إلى شرق ليبيا لرصد وتقويم الخسائر التي ألحقتها فيضانات درنة والجبل الأخضر بالمواقع الأثرية المهمة. يأتي هذا القرار بعد صرخة الفزع التي أطلقتها كبيرة المحللين الليبيين في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني، بشأن الأخطار التي تتهدد المعالم الأثرية وخاصة في موقع شحات، حيث أكدت على ضرورة إرسال خبراء ومهندسين إلى هناك لفهم ما يجري ومنع المزيد من الضرر المحتمل للموقع، نتيجة انجراف جدران الحماية وقنوات تصريف المياه.
وحذرت غازيني من انهيار محتمل لموقع شحات الأثري، بسبب الفيضانات التي ضربت مناطق شرق ليبيا، فيما باشر الفريق المكلف من وزارة السياحة والصناعات التقليدية ومركز المعلومات والتوثيق السياحي وديوان المنطقة الشرقية، مهام تقييم وحصر الأضرار التي لحقت بالمواقع والمزارات ومرافق الخدمات السياحية، والناجمة عن عاصفة "دانيال" التي ضربت شرق ليبيا في العاشر من سبتمبر الماضي.
وأجرى الفريق لقاءات مع خبراء الآثار ومراقب آثار شحات، حول أبرز المستجدات بموقع شحات الأثري، والناجمة عن تدفق السيول داخل الموقع، حيث أوضح الدكتور أحمد عيسى، مسؤول إدارة وحماية التراث الليبي وعضو اتحاد البلديات الليبية الخمس المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، أن موقع شحات الأثري لم يتعرض لأضرار كبيرة نتيجة الفيضانات التي اجتاحت المنطقة.
وبين أن الضرر اقتصر على انهيار بعض الجدران الصغيرة، وتكدس الحجارة بموقع منطقة "أكوا أغسطس"، وهو ما أدى إلى صعوبة الحركة على مسار الجولان الرابط بين منطقة الفورم أعلى المدينة والمنطقة المقدسة أسفل الموقع، واختلاط مياه الصرف الصحي المتدفقة من قناة التصريف بوادي "بالغدير" بمياه نبع أبولو، موضحا أن الفريق الفني بمراقبة آثار شحات قام بإصلاح الخلل الحاصل في نبع أبولو بما ساعد المياه على استعادة نقائها المعهود.
وأضاف عيسى أن تدفق المياه داخل الموقع أدى إلى انجرافات وحفر أخاديد في الأرض أسفرت عن ظهور معطيات جديدة، تعزز قيمة الموقع العالمي وفق المعايير التي أدرج وفقها الموقع في قائمة اليونسكو، من بينها بروز قنوات لتصريف مياه الأمطار تعود إلى الحقبة الإغريقية، إلى جانب أساسات رخامية لمعلم مجهول يتطلب المزيد من الدراسات والبحث.
وكشف عن ظهور آثار جديدة في موقع أثري إغريقي قديم بالقرب من المدينة المنكوبة، وقال إن هذه الآثار ظهرت بشكل غير متوقع بعد انحسار مياه الفيضانات، داعيا إلى ضرورة تشكيل لجنة وطنية من الخبراء لتصنيف المعالم الأثرية الجديدة، ووضع خطة لترميم المنطقة.
ورجح مراقبون محليون أن يتم العثور على المزيد من الآثار التي جرفتها السيول أو التي كشفت عنها الفيضانات في عدد من المناطق، مشيرين إلى أن منطقة الجبل الأخضر تعتبر من أهم المناطق الثرية بالمعالم والقطع الأثرية التي تعود بالأساس إلى العهود الإغريقية والرومانية.
وحول إعادة افتتاح موقع شحات أمام الزوار مجددا أوضح مراقب الموقع عادل بوفجرة أن فرق العمل بالمراقبة تعكف على دراسة الوضع الجديد وفتح المسارات وحفر قنوات لتصريف المياه وتهيئة الموقع قبل الإعلان عن فتح باب الزيارات مجددا، مشيرا إلى سرعة استجابة مراقبة آثار شحات لإنقاذ موقع نبع أبولو ومعالجة مشكلة المياه السوداء بشكل مستعجل، والعمل على وضع خطط لإخضاع المواقع المكتشفة للمزيد من الدراسات، وتعزيز قيمة الموقع العالمية، مع ظهور قنوات تصريف المياه القديمة، والتي تؤكد تفاعل الإنسان مع البيئة والمحيط.
وفي الأثناء شرع الفريق في عمليات المسح الميداني بداية من مدينة توكرة، والاطلاع على مرافق الخدمات السياحية بالمنطقة، والطريق الجبلي "عقبة الباكور"، وصولا إلى "بركة أم المخالي" في حوض الغريق المعروف محليا باسم "النطع" والواقع على مسافة 6 كيلومترات شرق مدينة المرج.
وقالت وزارة السياحة والصناعات التقليدية الليبية إن وادي الكوف، الذي يعتبر أحد أهم المزارات السياحية بمنطقة الجبل الأخضر، تعرض لأضرار واسعة نتيجة الفيضانات والسيول التي اجتاحت المنطقة الشهر الماضي، وأدت إلى انهيار وانجراف الطرقات، وعدد كبير من المباني في المدن والقرى والبلدات.
وبحسب الوزارة أسفرت السيول عن انجراف الطريق وجسر وادي الكوف القديم، وتغير مظاهر سطح مجرى الوادي، المتألف من الغطاء النباتي الكثيف المتمثل في أشجار الغابات شبه دائمة الخضرة، والنباتات الرعوية، وأشجار البلوط والجداري والعرعر والخروب والصنوبر، التي تعد مصدر إنتاج أصناف متنوعة من العسل، واختفاء الغابات وسط الوادي بمناظرها الخلابة. كما تجمع الركام الناتج عن السيول والفيضانات حول مصب الوادي بمنطقة جرجار التي تحوي شواطئ ومحميات السلاحف البحرية.
◙ مراقبون محليون يرجحون أن يتم العثور على المزيد من الآثار التي جرفتها السيول أو التي كشفت عنها الفيضانات في عدد من المناطق
ويعد وادي الكوف الواقع غرب مدينة البيضاء إحدى أهم المناطق السياحية في الجبل الأخضر، وهو محمية طبيعية، تغطي مساحة ثمانية آلاف هكتار، ويمتد على مسافة تناهز 54 كيلومترا، وينطوي على تكوينات ومناظر خلابة، وغطاء نباتي كثيف، وهو ما يشكل موائل للحيوانات البرية والطيور والزواحف، ويعتبر من المناطق الأكثر بروزا في إنتاج العسل.
وتم رصد حجم التلوث في مياه البركة نتيجة الفيضانات التي اجتاحت النقطة الأكثر انخفاضا في سهل المرج، واختلاطها بمياه الصرف الصحي، وأثرت على بيئة الموقع المتميز بالغطاء النباتي، والمصنف ضمن محميات الطيور المهاجرة والمستوطنة والحاضن للمناظر الطبيعية الأكثر بروزا في المنطقة.
وقد اتضح أن الشاطئ الرملي المصنف ضمن أراضي محمية وادي الكوف، ونقطة مهمة لتعشيش السلاحف البحرية، وأحد شواطئ الاصطياف، تعرض لزحف بقايا الأشجار والطين والطمي عقب تدفق السيول من وادي "جرجار أمه" نحو مصب وادي الكوف، وقد أسفر ذلك عن إزالة الغطاء النباتي الكثيف على طول مجرى الوادي، وتغير طبيعة المكان، وفقدان أحد أهم الشواطئ في بلدية الساحل خصائصه الطبيعية الجاذبة للمصطافين، إلى جانب شاطئ العقلة الواقع غربي "جرجار أمه"، الحاضن لأحد المواقع الأثرية المغمورة بالمياه.