باتيلي يهمل الانتخابات ويلتفت لإعمار درنة

الإعمار من ملف تقني محلي إلى قضية سياسية بأبعاد دولية.
الأربعاء 2023/10/04
لا حديث لباتيلي إلا عن درنة

اهتمام المبعوث الأممي عبدالله باتيلي المبالغ فيه بملف إعادة الإعمار في المناطق الليبية التي ضربها إعصار "دانيال" وتفاصيله السياسية والتقنية يثير استغراب المراقبين الذين يرون أن باتيلي يحاول التهرب من ملف الانتخابات التي تعتبر المهمة الرئيسية التي جاء من أجلها إلى ليبيا.

تونس - يبدو أن المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي بات يكرّس أغلب وقته وجهوده لمتابعة ملف إعادة الإعمار بدل الملف الجوهري الذي جاء من أجله والمتعلق بتنظيم الانتخابات.

ورغم إرجاع البعض اهتمام باتيلي بهذا الملف إلى وجود اهتمام دولي استثنائي بضرورة عدم ترك أموال الليبيين عرضة للنهب والإهدار من قبل شبكات الفساد المتغلغلة في مفاصل السلطة بمختلف مسمياتها السياسية والعسكرية، يرى مراقبون أن المبعوث الأممي يبدو كأنه يتهرب من ملف الانتخابات حيث اختار التعليق على موضوع إعادة إعمار درنة وتجاهل جلسة البرلمان التي انعقدت في نفس اليوم، وصادقت على قانون انتخابات جدلي لا يضمن إجراءها.

وبدل تكليف لجنة أممية بمتابعة الملف خاصة بعد مناشدة أهل درنة للأمم المتحدة بالتدخل، تولى باتيلي المهمة تاركا مهمته الرئيسية المتمثلة في متابعة ملف الانتخابات. وأعرب باتيلي الاثنين عن قلقه إزاء ظهور مبادرات محلية "أحادية ومتضاربة"، لإعادة إعمار مدينة درنة والمدن المتضررة من الإعصار الذي اجتاح المنطقة قبل نحو ثلاثة أسابيع.

وسبق لباتيلي أن دعا السلطات إلى إجراء تقييم مشترك لحاجيات الاستجابة العاجلة وإعادة البناء، وأن يرتقي القادة السياسيون إلى مستوى اللحظة وأن يعملوا يدا في يد من أجل تجاوز آثار المأساة. وتابع أنه أعرب عن أسفه لأن التنسيق بين المؤسسات في الشرق والغرب لم يكن على مستوى التضامن غير المسبوق الذي أبداه الليبيون من كافة المناطق تجاه إخوانهم وأخواتهم في درنة وغيرها من مدن شرق ليبيا التي اجتاحتها الفيضانات، مشددا على ضرورة أن تجتمع السلطات في الشرق والغرب من أجل إجراء تقييم مشترك لحاجيات الاستجابة العاجلة وإعادة البناء.

ريتشارد نورلاند: عقد مؤتمر لإعادة الإعمار في بنغازي سوف يكون أكثر فاعلية إذا تم إجراؤه بشكل مشترك
ريتشارد نورلاند: عقد مؤتمر لإعادة الإعمار في بنغازي سوف يكون أكثر فاعلية إذا تم إجراؤه بشكل مشترك

وبحسب أوساط ليبية مطلعة، فإن ملف إعادة إعمار درنة والجبل الأخضر تحول إلى مصدر تجاذبات داخلية وخارجية، وإلى مصدر للمساومات على مشاريع إعادة البناء وللمصالح التي يمكن أن يحققها المتنافسون على السلطة وعلى الثروة وعلى نهب المال تحت غطاء شرعية منعدمة أو منقوصة لهذا الطرف أو ذاك. كما أن الأبعاد السياسية للملف تتجه نحو إفراغه من مضامينه الاجتماعية والإنسانية .

ودعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة جميع المؤسسات الحكومية والأطراف الأساسية إلى جعل إعمار درنة ملفا للوحدة ولمّ الشمل بعيدا عن المناكفات والصراعات. فيما أعلنت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب تأجيل موعد انعقاد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار مدينة درنة إلى الأول والثاني من نوفمبر القادم بعد أن كان مقررا للعاشر من أكتوبر الجاري، وأعادت ذلك إلى أسباب لوجستية ومن أجل منح الشركات “الوقت اللازم لتقديم الدراسات والمشروعات الناجعة التي ستسهم في عملية اعادة الإعمار”، وفق رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر صقر الجيباني.

ورد المراقبون  تأجيل المؤتمر إلى وجود خلافات داخلية بين الفرقاء الأساسيين المتصارعين على القرار المالي والاقتصادي في البلاد، وإلى فقدان الحكومة التي تباشر عملها من بنغازي للشرعية الدولية التي تؤهلها لاستقبال ممثلين رسميين للدول والحكومات، ووجود جدل حاد بين القوى الداخلية والخارجية حول مدى الثقة التي تحظى بها السلطات الحكومية سواء في غرب البلاد أو شرقها لدى المجتمع الدولي، لاسيما وأن ليبيا تعتبر من بين الدول العشر الأكثر فسادا في العالم.

وكانت الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي قررت إنشاء صندوق لإعادة إعمار مدينة درنة ومناطق شرق البلاد المتضررة من العاصفة "دانيال"، وذلك بعد إعلان مجلس النواب عن رصد عشرة مليارات دينار (2 مليار دولار) كميزانية للطوارئ وإعمار المدن المنكوبة. وصادق أعضاء المجلس الثلاثاء على مقترح بإنشاء جهاز لإعادة إعمار كل المدن المتضررة.

وبعد أن كان موضوع إعادة إعمار درنة ملفا تقنيا يحتاج إلى دراسات فنية ومخططات علمية يشرف على إعدادها الخبراء والمهندسون الأخصائيون، جرى تحويله إلى ملف سياسي يخضع لتأثيرات الانقسام الحكومي والاجتماعي ولطبيعة الأزمة المتفاقمة في البلاد منذ العام 2011، وكذلك للتجاذبات الداخلية والخارجية حول مراكز النفوذ.

◙ ملف إعادة إعمار درنة كان ملفا تقنيا يحتاج إلى دراسات فنية ومخططات علمية جرى تحويله إلى ملف سياسي

وشهدت الأيام الماضية تبادلا للاتهامات بين مختلف الأطراف، لاسيما بعد نشر تقارير حول إمكانية اتجاه السلطات المحلية لطلب رفع التجميد عن الأرصدة الليبية الموجودة في المصارف الخارجية في ظل نقص الموارد المالية الكافية لإعادة الإعمار والتي قدرها الخبراء بما يتراوح بين 7 و12 مليارات دولار. وهو مبلغ ضخم رأى المتابعون للشأن الليبي أنه قد يتعرض للنهب المباشر في سياق تحالف قائم على الفساد بين سلطات غرب البلاد وشرقها، فيما حاول رئيس المجلس الرئاسي محمّد المنفي تلافي هذه الوضعية بالتأكيد على أن “السّلطات المنتخبة وفق دستور دائم، هي من تملك التّصرّف في هذه الأموال المجمّدة”، وفق تقديره، وهو موقف مدعوم من عدد من العواصم الإقليمية والدولية.

من جانبها، لمّحت واشنطن إلى أنها ستقاطع المؤتمر المزمع عقده، وأوضح السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند أن "عقد مؤتمر لإعادة الإعمار في بنغازي في العاشر من أكتوبر سوف يكون أكثر فاعلية إذا تم إجراؤه بشكل مشترك وشامل"، مبرزا أن بلاده ستواصل "العمل مع المسؤولين الليبيين في جميع أنحاء البلد ومع الأمم المتحدة لدعم برنامج إعادة الإعمار الذي سيثق به الليبيون"، داعيا إلى "تشكيل مثل هذه الهياكل الموحدة، بدلا من إطلاق جهود منفصلة".

وفي سياق التنسيق بين نورلاند وباتيلي والدول المتحالفة، أعلنت خمس دول غربية دعمها دعوة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن إرساء "آلية وطنية ليبية موحدة" للمضي قدما في جهود إعادة إعمار المناطق المتضررة من الفيضانات، وقالت بعثات المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا لدى ليبيا، في بيان مشترك، إنها تدعم دعوة باتيلي بشأن إرساء “آلية وطنية ليبية موحدة” بالتنسيق مع الشركاء المحليين والوطنيين والدوليين تكون قادرة على تقديم إغاثة شفافة وخاضعة للمساءلة تتجاوب مع احتياجات إعادة الإعمار؛ إثر كارثة الفيضانات.

اقرأ أيضا: 

إقالة الجراري تعيد الجدل حول فساد السفارات الليبية

4