بوسرحان الزيتوني: الشباب يدفعون بالمسرح إلى الأمام

"الفاتورة".. مسرحية مغربية مقتبسة عن نص أفريقي ينقد المجتمع.
الأربعاء 2023/10/04
المسرح لا يعيش إلا إذا تحرر من الآن وأطل على المستقبل

يزخر المسرح المغربي بالكثير من الطاقات الشابة التي يمكنها النهوض أكثر بهذا الفن، ومواصلة طريق الرواد واستلام المشعل منهم. ولكن هذا يتطلب روحا مغامرة بعيدا عن كل انتماء ضيق، وهذا ما يؤكده المخرج والمؤلف المسرحي المغربي بوسرحان الزيتوني، الذي كان لـ”العرب” معه هذا الحوار.

يقول المخرج والمؤلف المسرحي المغربي بوسرحان الزيتوني عن عمله الجديد إن "الفاتورة" مسرحية معدة عن نص الكاتب النيجيري تسارو وييا بعنوان "الراديو"، وهو أول نص مسرحي أفريقي يشتغل عليه بعد أن اشتغل كثيرا على نصوص برتولد بريشت أو نصوصه الخاصة أو نصوص مؤلفين مغاربة. ويضيف "عندما قرأت نص 'الراديو' أحسست بأنني أقرأ نصا منفتحا على حياة أفريقيا والأفريقيين، الحياة التي أعيشها رغم الاختلاف في التفاصيل والمنعرجات".

تقوم مسرحية "الفاتورة" على تشريح وضعية الفقر في مجتمعاتنا ومسلك الفقراء في مواجهة الحياة وما يتعرّضون له في بعض الأحيان من عنت وضيق وغش، وما يمارسه الفقير تجاه الفقير الآخر، وما يمارسه تجاه ذاته. واشتغل الزيتوني على النص "لاستنباته في تربة المغرب"، ناحتا في ما تختزنه ذاكرته من مظاهر الحياة، وخاصة في حياة الهامش وأحزمة البؤس وكذلك من حياته الشخصية والعامة.

حول الشخصيات الرئيسية في المسرحية ودور كل شخصية في القصة يقول "تعرض المسرحية جزءا من حياة صالح ومصلوح اللذين وجدا نفسيهما في حالة بطالة في فصل الشتاء، حيث لا يوجد عمل ولا توجد إمكانية للحصول على الطعام".

نقد المجتمع

◙ "الفاتورة" تقوم على تشريح وضعية الفقر في مجتمعاتنا ومسلك الفقراء في مواجهة الحياة وما يتعرضون له
◙ "الفاتورة" تقوم على تشريح وضعية الفقر في مجتمعاتنا ومسلك الفقراء في مواجهة الحياة وما يتعرضون له

صالح ومصلوح يعيشان في براكة يقيهما سقفها من الأمطار الغزيرة. صالح الذي رغم الفقر، يقضي وقت عطالته في صناعة آلة وترية لولعه بالموسيقى ورغبته في إتقان العزف والغناء، رغم أنه لا يتقن أيّا منهما. وصالح الشاب الذي هاجر للبحث عن وضعية أفضل فيجد نفسه بين أسنان العطالة والجوع. يقضي كلاهما واحدة من لياليهما، التي تعرضها المسرحية، تحت تهديد مستمر من طرف مسيو مسيكة صاحب البراكة لصالح لأداء ما تخلد بذمته من الإيجار.

في هذه الأثناء يزورهما ملاك ويبيعهما عن طريق المقايضة راديو ويزورهما بعدها مباشرة مملوك يطالبهم بتبرير المشتريات عن طريق تقديم فاتورة الشراء. يفطن صالح ومصلوح للعبة التي حاكها مالك/مملوك. فيواجهان التدليس لكن بتدليس أكبر، بأن يدعيا أنهما رجال أمن، فيسلبان مملوك الراديو وما بجيبه من أموال. هذا هو الإطار العام التي تتحرك فيه الحياة داخل العرض وعلى أساسه تتم صياغة الخطاب العام للمسرحية.

عن التحديات التي واجهته أثناء كتابة النص المسرحي وكيف يتمكن من التغلب عليها يقول الزيتوني "إن التحدي الأكبر، خاصة في الإعداد والاقتباس والاستنبات، كان أن أجد المعادل والوقائع الأحداث التي أحياها وتلتقي مع الأصل في الجوهر وإن اختلف المظهر".

ويضيف "كنت أراقب العروض المسرحية التي تقدم بمراكش حيث أعيش الآن، وكانت عيناي تبحث عن طاقات شابة، تكون غير متأثرة بشهرتها أو تضع محاذير على مواقعها في الدراما المغربية، أو التي تخشى من حمل خطاب نقدي اجتماعي لا يقطع الأحداث عن أسسها ومسبباتها العميقة. وبالفعل وجدت الشخصيات الثلاث بين ممثلين شباب مندفعين، مستعدين للمغامرة. هكذا اخترت علال خوداري وفيصل كمرات وياسين تابعي واستعنت بخبرة الممثل القيدوم محمد بلمقدم".

ويخبرنا المؤلف عن رؤية معينة لشخصيات المسرحية أثناء اختياره للممثلين، فيقول “كل مخرج لديه تصورات مبدئية عن الشخصيات التي  يختار لأدائها ممثلا بعينه. لكن هذا التصور لا يلزمني خلال اشتغالي، فكثيرا ما تتعدل الصورة وفقا لما يستطيع الممثل منحه للشخصية أو تسبغه الشخصية على الممثل. شيء أساسي لا أجيزه إلا بالتوافق، هو أن يصوغ الممثل خارج التصور الأساس الصورة التي يرغب أن يظهر بها أمام الجمهور. الممثل عندي هو حامل شخصية لا قناة لتمثيل نفسه”.

المسرح والمستقبل

◙ التحضير لمشاريع مستقبلية قيد الإنجاز
◙ التحضير لمشاريع مستقبلية قيد الإنجاز 

في حديثنا عن الاستقبال الذي تحظى به مسرحية “الفاتورة” من الجمهور والنقاد والرسالة التي يرغب بتمريرها خلالها يقول “أدرك تماما أن هناك من ينتظر عرض المسرحية، لكن هل ستروق له محتوى وأداء، فذلك رهن بالعرض والذي سيبدأ سلسلة عروضه في مدينة سلا يوم السادس من أكتوبر الجاري، ثم بعد ذلك تنطلق الجولة في كل من القنيطرة والدار البيضاء ومراكش وتحناوت. وهذه دعوة من خلالكم للنقاد أن ينتقدوا تجربتنا وأن يقوّموا ما اعوجّ فيها وما تحتاج إليه إن لمسوا نقصا في المقترحات العامة".

ويكشف لنا المخرج والمؤلف بوسرحان الزيتوني عن مشاريع مسرحية مستقبلية يعمل عليها حاليًا حيث يقول "المشاريع الفنية لم أحسم فيها إلى حد الآن، أهتم في المرحلة المقبلة بطبع نصوص مسرحية: ‘جمرة‘ و‘حبال من رمال‘ وسيرتي الذاتية ‘عطر البداوة‘، وآمل أن أملك القدرة لإخراج مسرحية ‘العميان‘ لموريس ميترلنك".

◙ المخرج لا يخفي خوفه من مستقبل المسرح، في وقت تتزايد فيه الرغبة في كسب المال بأي وسيلة كانت

وحول مستقبل المسرح المغربي في ظل التغيرات التي يشهدها الاقتصاد الفني يقول "عشت دائما مؤمنا بقدرة الأجيال الشابة على الدفع بالمسرح إلى الأمام وسأظل. لكنني خائف من مستقبل المسرح، في وقت تتزايد فيه الرغبة في كسب المال بأيّ وسيلة كانت، ومنها الخضوع لنزعات سلطوية وإخضاع الإبداع لما تريده بعض المؤسسات التي لا تكون غاياتها دائما نبيلة. المسرح الذي لا يكون قلبه المجتمع لن يعيش أبدا".

ويتابع "قد لا أكون نموذجا أحق بأن يقتدى لأعطي نصائح للشباب، فأنا واحد من عشرات الكتاب والمخرجين الذين تعاقبوا على هذا المسرح، وإن كان لا بد من إرشاد عام للأجيال المقبلة فإن عليهم أن يعمقوا صلتهم بتاريخ مجتمعهم وبقضاياه بشكل أوثق، وأن يكونوا ذوي صلة بالعلم والمعرفة، متحررين من أيّ أيديولوجية تضيق أفق الرؤيا لديهم، وأن تتسم كتاباتهم بحس المغامرة والتجديد، فالمسرح لا يعيش إلا إذا تحرر من الآن وأطل على المستقبل”.

 

بوسرحان الزيتوني دراماتورج ومؤلف ومخرج مسرحي مغربي. قدم العديد من المسرحيات على مدى سنوات عديدة وحصل على جوائز متعددة في مهرجانات المسرح الوطنية والدولية. ومن أهم أعماله المسرحية:

  • "ليلة بيضاء" (1987) – تأليف وإخراج.
  • "المستقبل" (1988) – تأليف محمد تيمد وإخراج.
  • “الاغتصاب” (1991) – تأليف سعد الله ونوس وإخراج.
  • “لعب الدراري” (1993) – إعداده عن نص “ليلة القتلة” لخوسي تريانا، وأعيد تقديمه تحت عنوان “الريح” في عام 2006.
  • “السيبة” (2001) – تأليف محمد الطبعي وإخراج.
  • “ترانزيت” (2002) – تأليف محمد الطبعي وإخراج.
  • “خفة أرجل” (2004) – إعداده عن “الأم شجاعة” لبرتولد بريشت.
  • “حديث ومغزل” (2005) – تأليف سالم كويندي وإخراج.
  • إعادة كتابة “الريح” (2006) – عن مسرحية “لعب الدراري” عن ليلة القتلة لخوسي تريانا.
  • “جمرة” (2007) – تأليف وإخراج.
  • “يوليوس قيصر” (2009) – تأليف وليام شكسبير وإخراج.
  • إعداد وإخراج “واكل مخو” (2011) – عن مسرحية “المغفل” لموليير.
  • "أوسويفان” (2013) – عن برتولد بريشت وإخراج.
  • إخراج “جيل شو” (2017) – لفرقة فضاء القرية للإبداع.
  • إخراج “جروح” (2017) – بالتعاون مع محسن زوال وتأليف فؤاد ازروال لفرقة أريف الحسيمة.
  • إخراج “الرامود” (2017) – تأليف المسكيني الصغير لفرقة رواد الخشبة/بركان.
  • “بويا عمر” (2019) – تأليف عبدو جلال لفضاء اللواء للإبداع.
  • “السي والو” (2022) – تأليف عبدالاله بنهدار للنادي الفني المراكشي للكوميديا.
  • “مد يديك ألعشير” (2023) – اقتباس د. إبراهيم الهنائي لمسرح مراكش الثقافي.

وحصل على عدة جوائز في مهرجان المسرح الاحترافي بالمغرب، منها جائزة الإخراج المسرحي عن مسرحياته “ترانزيت” و”الريح” والجائزة الكبرى عن مسرحيته “جمرة”. كما نالت مسرحياته جوائز التشخيص وجوائز أخرى في مختلف المهرجانات. فضلا عن ذلك، قدم بوسرحان الزيتوني مساهمات كبيرة في المجال المسرحي الوطني والدولي والعربي، وقاد ورش تكوين مسرحي وشارك في العديد من المشاريع المسرحية الأخرى.

13