المنصات الرقمية تُسرّع حركة اكتشاف النجوم الشباب في مصر

مسلسل "على باب العمارة" يستعين بوجوه شبابية لتقديم قصة كوميدية.
السبت 2023/09/30
مساحة أوسع للمزيد من الإبداع

تفرض منصات البث ضوابط جديدة على سوق الفن من أهمها وأكثرها إيجابية فسح المجال أمام المواهب الشابة للمشاركة في المسلسلات، مسهمة في خلق تنوع كبير في أسماء الممثلين بين عمل وآخر، وهو ما يرى فيه نقاد خطوة نحو انتعاش الفن في مصر وكسر حدة سيطرة النجم الأوحد والعائلات الفنية على السوق الذي أغرقوه بأسماء غير موهوبة وجعلوه يسقط في فخ التوريث.

القاهرة - لم يعد موسم رمضان الدرامي مفرخا رئيسيا للنجوم الشباب الذين برزوا من خلاله طيلة العقود الماضية، فقد تسارعت وتيرة ظهور الوجوه الشبابية في أعمال تعرضها منصات رقمية على الدوام، ما يسهم في تقديم مواهب خلال العام بدلا من اعتقاد ساد سابقا بأن عملية الإحلال والتجديد تتكرر كل عقد تقريبا.

تعتمد شركات الإنتاج التي تقدم أعمالها الدرامية بعيدا عن موسم رمضان على وجوه شبابية تتماشى مع عدم الرغبة في إنفاق ميزانيات ضخمة وصناعة مسلسلات تتوافق مع متطلبات المنصات الرقمية التي تنجذب نحو الأعمال القصيرة القائمة على محتوى القصة وليس اسم النجم، ما خدم الكثير من الوجوه التي تنتظر الفرصة.

تعرض منصة “واتش إت” المصرية بعد أيام أولى حلقات مسلسل “على باب العمارة”، ويشارك في بطولته عدد من الوجوه الشابة التي ظهرت خلال العامين الماضيين، بينها حاتم صلاح وآية سماحة، بجانب مواهب تظهر لأول مرة أمام الكاميرات، كما أن المسلسل يعد أول تجربة للمخرج الشاب خيري سالم.

تدور أحداث العمل حول عنايات التي تجسدها الفنانة الشابة غادة طلعت وتدخل في صراع كوميدي مع شقيقها عوض ويؤدي دوره الفنان حاتم صلاح بسبب الميراث، وتحاول طوال الوقت الإيقاع بينه وبين والده الذي يقوم بدوره الفنان محمد رضوان لتحصل على الميراث هي وشقيقتها وزوجها.

التنوع في أسماء الممثلين يرى فيه النقاد خطوة نحو انتعاش الفن في مصر وكسر حدة سيطرة النجم الأوحد
◙ التنوع في أسماء الممثلين يرى فيه النقاد خطوة نحو انتعاش الفن في مصر وكسر حدة سيطرة النجم الأوحد

يبدو الاعتماد على الوجوه الجديدة بارزا في مسلسل “على باب العمارة” الذي حظي البوستر الدعائي له بانتشار واسع على منصات التواصل، لكن المسلسل لا يشكل تجربة فردية لأن غالبية المسلسلات المعروضة على المنصات الرقمية مؤخرا مثل “ليه لا” الجزء الثالث، و"حدث بالفعل"، و”سفاح الجيزة” كانت شاهدة أيضا على تقديم وجوه جديدة.

أثنى الكاتب والسيناريست عبدالرحيم كمال على موهبة عدد من الأسماء عقب مشاركتهم في أعمال فنية مؤخرا، مشيرا في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى أن “ظهور عدد من الشباب والفتيات الموهوبين في عدد من المسلسلات والأفلام الجديدة يطمئن على أن مهنة الفن بخير، وأن التشخيص في مصر مهنة قديمة ومستمرة وقادرة على تقديم نماذج موهوبة كل يوم".

وذكر كمال عددا من النماذج في تدوينته قائلا "الفتاة اللي عملت دور الخادمة في فيلم 'وش في وش' هايلة ومحترفة وتخطف العين، عرفت اسمها دنيا سامي حاجة كده لوحدها، والفتاة اللي عملت صديقة العروسة المختفية في مسلسل ‘حدث بالفعل’ شاطرة وتلقائية اسمها بسنت حاتم ممتازة بجد، والولد والبنت اللي كانوا أولاد نيللي كريم في آخر مسلسل ‘ليه لا’، وأولاد وبنات غيرهم بيمثلوا بثقة وطبيعية تفرح".

وتسهم المنصات الرقمية في تغيير معادلات ترشيح الأسماء المشاركة في الأعمال الفنية، وتؤكد أن المواهب الحقيقية في طريقها لتأخذ مساحتها في الظهور مع الاتجاه لتقديم مسلسلات بجودة فنية عالية تتناسب مع قوة المنافسة بين المنصات العربية، مع اتجاه شركات الإنتاج للبحث عن أماكن تصوير ليست بحاجة إلى دفع أموال باهظة لتأجيرها، وتخلق واقعا يقنع المشاهدين، ما يتسبب في أزمات بين شركات الإنتاج وكبار النجوم من المشاهير.

وقالت المنتجة الشابة نورا خليل إن المنصات الرقمية تقبل المساهمة في عرض المسلسلات من خلال القصة المكتوبة التي يقوم الكاتب بعرضها على المنتج ويقوم بدوره بتسويقها على المنصات المختلفة بعد الاستقرار على اسم المخرج، وتكون هناك ترشيحات عديدة للأسماء التي تجسد كل دور في العمل وثمة ترشيح أول وثان وثالث ثم الاختيار من بين تلك الأسماء وفقًا لعوامل مختلفة تتعدد بين القيمة الإنتاجية وأسماء الفنانين، وغالبا لا توجد ممانعات على اختيار وجوه شابه تحمل بذور المواهب الجيدة.

◙ مكاتب تسويق المواهب تأخذ في الانتشار والنشاط بمصر اعتمادا على الاحتياجات المتزايدة للاستعانة بالوجوه الشابة

وأوضحت في تصريح لـ"العرب" أن مكاتب تسويق المواهب تأخذ في الانتشار والنشاط بمصر في هذه الأثناء، اعتمادا على الاحتياجات المتزايدة للاستعانة بالوجوه الشابة، وأن هذه المكاتب تقوم بتصوير نماذج لمشاهد تمثيلية وعرض صور عديدة للوجوه الصاعدة وتقديمها لشركات الإنتاج للاختيار بينها.

كما أن العديد من شركات الإنتاج أولت اهتماما مؤخرا بالبحث والتنقيب عن النماذج الشبابية من خلال مسارح الجامعات أو المدارس التي لديها مسارح كبيرة وأنشطة فنية مختلفة، حال كانت الحاجة نحو اختيار وجوه صغيرة في السن.

وأشارت نورا خليل إلى أن شركات الإنتاج لديها ترشيحات لأسماء صاعدة سواء أكانت أقارب الفنانين أو أيا من المشاركين في صناعة العمل، والتركيز يتم من جانب مخرج العمل على الوجوه التي تساعد نجم المسلسل في إعادة تقديم نفسه والنماذج التي تحمل أساسيات الوقوف أمام الكاميرات، لأن اتساع قاعدة الاختيار وتعدد الوجوه الصاعدة سوف يؤديان إلى طفرة في الفن المصري.

ومن المتوقع أن تشهد أقسام التمثيل في المعاهد والكليات الفنية إقبالا على نحو أكبر من الطلاب في مصر حال كان هناك شعور بأن الواسطة التي هيمنت على اختيارات تصعيد الوجوه الشبابية تراجعت، وأن القيمة الأولى تبقى للموهبة وأن اهتزاز عرش بعض النجوم ممن احتكروا بطولة المسلسلات والأفلام المعروضة كل عام من شأنه أن يزيد حدة المنافسة ويسمح بإلقاء الضوء على النماذج الشابة.

◙ مسلسل يكشف عن مواهب جديدة
◙ مسلسل يكشف عن مواهب جديدة

وعلى الرغم من أن المنصات تسهم في إتاحة الفرص المختلفة أمام الشباب فإنها تُصعب عليهم مهمة تعرف الجمهور عليهم، فقد كانت مشاركة الوجوه الشبابية في أي أعمال يعرضها التلفزيون تساعد على تعرف الجمهور عليهم سريعًا، عكس المنصات الرقمية التي يتراجع عدد المشتركين بها مقارنة بالتلفزيون، لذلك فالوجوه الشبابية بحاجة إلى المزيد من الأعمال كي يتابعها الجمهور، ولا يكفي عمل واحد للممثلين الشباب.

وأكدت الناقدة الفنية صفاء الليثي أن الدراما المصرية بمساحتها العريضة وتعدد الشخصيات فيها فرصة مؤاتية لظهور الوجوه الشابة، ومنذ مسلسل "ليالي الحلمية" في التسعينات من القرن الماضي أضحت الدراما البوابة لغالبية الأسماء الصاعدة، كما أن زيادة أعداد المسلسلات المقدمة على مدار العام توجد فرصا عدة للشباب للمشاركة في أعمال مختلفة وتأدية أدوار متنوعة خلال فترة وجيزة.

ولفتت في تصريح لـ"العرب" إلى أن الشباب الذين يمتلكون مواهب أكثر قدرة على إمتاع الجمهور أكثر من النجم الواحد إذا وجدوا المساحة والكتابة الجيدة التي تساعدهم على تقديم أنفسهم، فالمسلسلات الطويلة أكثر قدرة على إبراز طاقات الشباب واختلاف المواقف التمثيلية التي يظهرون فيها، ما يساعد على تقييمهم سريعا.

وشددت الليثي على أن الوجوه الشبابية تتعرض للظلم أحيانا، لأن بعض شركات الإنتاج توقّع معهم عقود احتكار وقد يجدوا أنفسهم رهينة لأدوار محددة، ويقعوا فريسة للتكرار مع سعيهم للانتشار، وذلك يساعد على طمس مميزات عديدة أمام الكاميرات.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، استعان مسلسل “حضرة العمدة” الذي عرض في موسم رمضان الماضي بأكثر من 35 شابًا وفتاة من خريجي ودارسي المعاهد الفنية والمسرحية المتخصصة، جرى اختيارهم من شركة “مجموعة فنون مصر” للمنتجين ريمون مقار ومحمد محمود عبدالعزيز للمشاركة، إلى جانب 25 ممثلا في عمل قامت ببطولته الفنانة روبي.

14