مخرجو السينما الشبابية يناقشون همومهم تحت مظلة مهرجان الغردقة

مهتما بمواهب وقدرات الأجيال الصاعدة، وفاتحا لهم نافذة على العالم، انطلق مهرجان الغردقة لسينما الشباب في دورته التأسيسية بعدد من التكريمات وعروض أولى لأفلام أخرجها شباب حالمون بمستقبل سينمائي يجددون فيه الفن السابع انطلاقا من تجارب الأولين.
القاهرة - منح مهرجان الغردقة لسينما الشباب في دورته الأولى فرصة لصناع السينما من جيل الشباب لمناقشة المشكلات التي تواجههم، في ظل ما تعانيه صناعة السينما من أزمات ترتبط بتراجع الإمكانيات المادية وشروط التصوير التي تُجهض بعض الأفكار وتحول دون خروجها إلى النور، وأزمات الرقابة التي تعوق تقديم أعمال إبداعية تتماشى مع طاقات الشباب، ما جعلها إبداعات لا يشاهدها أحد.
عقد المهرجان الذي يقام بمدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر، الأحد، ندوة بعنوان “الشباب والسينما المصرية” تطرق إلى معوقات تعترض صُناع الدراما والسينما من الشباب، وسط مشاركة فاعلة من طلاب جامعات يشاركون في المهرجان بأعمال فنية قاموا بتقديمها خلال فترة دراستهم ذات الارتباط المباشر بصناعة السينما.
تكمن ميزة المهرجان في أنه أتاح فرصة لتقييم الأفلام القصيرة التي ينفذها الطلاب ضمن أنشطتهم العملية برؤية فنية بعيدا عن البعد الأكاديمي، ويفتح المجال أمام اكتشاف مواهب تجد صعوبات في أن تُعبر عن نفسها مع اتساع قاعدة الأعمال الفنية التي يقدمها الطلاب وتعدد أقسام السينما في المعاهد الفنية الحكومية والخاصة.
انطلق مهرجان الغردقة لسينما الشباب في دورته الأولى، الخميس الماضي ويستمر حتى الأربعاء، ويرأسه السيناريست محمد الباسوسي وعبّر حفل الافتتاح البسيط على أحد يخوت مدينة الغردقة والمشاركة الضعيفة من نجوم الفن عن حاجته إلى المزيد من الدعم الحكومي والخاص كي يحجز لنفسه مكانة فنية تساعده على الاستمرارية.
تواجه المهرجانات الفنية المتخصصة في مصر مشكلات تدني التمويل الحكومي والرعاة من جانب الهيئات والشركات الخاصة، بالتالي فالاستفادة القصوى من وجود فعاليات تركز على هموم السينما الشبابية لن تتحقق بالشكل الأكمل في حال لم تكن هناك خطط تسويقية جيدة وأخرى لجذب أعمال سينمائية خاصة تحظى بقدر كبير من الجودة، لكن تواجه عقبات الوصول إليها وعرضها.
قال مدير مهرجان الغردقة قدري الحجار إن فكرة المهرجان جاءت بتلاقي فكرة لإقامة فعالية فنية في مدنية الغردقة السياحية على ساحل البحر الأحمر إلى جانب فكرة أخرى لتنظيم مهرجان يولي اهتماما بسينما الشباب وكيفية تقييم رؤى الأجيال الفنية الصاعدة، وعرض أفكارهم السينمائية في ظل غزارة المحتوى المقدم مع تعدد مسارات عرض الأعمال على منصات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المهرجان يستهدف فتح نافذة يمكن أن يطل عليها الشباب على العالم والتعرف على أفكار وإبداعات شبابية من ثقافات عربية وأجنبية مختلفة، وأن جميع الأعمال المعروضة في المهرجان التي بلغ عددها 80 فيلما إما أنها تناقش موضوعات شبابية أو يسهم في تقديمها شباب وخريجو معاهد فنية.
ولفت إلى أن طلاب الجامعات ساهموا في المهرجان بـ24 فيلما تتنوع في الأفكار والموضوعات المطروحة ولديها لمسة فكرية تعبر عن واقع القضايا المجتمعية التي تدور في فلكها الحياة اليومية للمصريين، وأن المهرجان شهد مشاركة واسعة من الشباب في محافظات مختلفة جاؤوا لتقديم أنفسهم والتعرف على ما يتم تقديمه من أعمال والبحث عن فرص يمكن أن تفتح لهم مجالات عمل مختلفة.
وينوي القائمون على المهرجان تدشين منصة تابعة للمهرجان لعرض أفلام خريجي معاهد وأقسام السينما بهدف تسويقها ومحاولة تعريف المنتجين بما يتم تقديمه من إبداعات ومساعدة الخريجين على توفير فرص عمل لهم مع اتجاه الكثيرين منهم للعمل بعيدا عن مجالات تخصصهم، ما يقود أيضا إلى خلق علاقة بين المهرجان والأجيال الصاعدة عبر تواجدهم بشكل مستمر في الفعالية وإثقالهم بالمهارات والخبرات المطلوبة وتعريفهم على الثقافات المختلفة وتقديم أعمالهم وتعريف الجمهور بها.
كشف مدير المهرجان قدري حجازي عن صعوبات واجهها المهرجان قبل انطلاقه بسبب عدم الحصول على دعم مادي حكومي لإقامته، وعدم تجاوب منظمات المجتمع المدني في محافظة البحر الأحمر (جنوب غرب مصر)، وغيرها من المنظمات في محافظات أخرى لدعمه، ما جعل إقامته في الدورة الأولى تعتمد على الجهود الذاتية.
ويضم المهرجان ثلاث مسابقات، الأولى للفيلم الطويل: الروائي والوثائقي، والثانية للفيلم القصير، بالإضافة إلى مسابقة أفلام الطلبة. كما يمنح المهرجان “جائزة خضراء” لأحد الأفلام التي تتناول موضوعات عن الحفاظ على البيئة والتغير المناخي من الأعمال المشاركة في مسابقة الفيلم الطويل المسابقة الرسمية لأفضل فيلم يتناول قضية تتعلق بالبيئة والتغيرات المناخية.
يشهد المهرجان منافسة بين ثمانية أعمال على جوائز الفيلم الطويل “المسابقة الرسمية”، منها “مذكرات بولينا” من كرواتيا، و”قصة” من المغرب، و”أبناء رمسيس” من فرنسا، و”آخر السعاة” من العراق، و”الحراسة الليلية” من ألمانيا، إضافة إلى الفيلم الوثائقي “لست لقيطا” إنتاج لبناني – روماني مشترك.
وفي مسابقة الفيلم القصير، ينافس 20 فيلما، منها 9 أفلام أجنبية، بينها “صبيّان” من اليابان، و”الدراجة الثابتة” إنجلترا، و”لغة الخيال” سويسرا، و”آنا مورفوس” البرتغال، و”أضواء” سلوفاكيا، و”بيون بافيليون” الصين، و”لا تنس الشمبانيا” البرازيل.
ينافس 11 فيلما من الدول العربية، وهي “إبرة وخيط” من السودان، و”فوتوغراف” سوريا، و”العالم رائع” الكويت، و”عبد” الأردن، و”فتى الجمبري” اليمن، و”جالينا الموصل” العراق، و”المنيور” من سلطنة عمان، بينما يشارك فيلمان من السعودية هما “كبريت”، و”تجربة أداء”، وفيلمان من مصر هما “رسالة من مجهول”، و”ما يحدث في حياة نادين”.
وتضم مسابقة أفلام الطلبة 18 فيلما روائيا ورسوما متحركة ووثائقيا، بينها أفلام “اثنين ونص”، و”ممكن العب معاكم”، و”النهاية الأبدية السعيدة”، و”ليلة العرض”، و”ليلة”، و”دنيا تياترو”، و”مر السحاب”، و”مخاميخو”، و”موسى”، و”دخول مفاجئ”.
أكد الناقد الفني أحمد النجار، وهو أيضا أمين عام مهرجان الغردقة لسينما الشباب، أن ما يقرب من 99 في المئة من الأعمال المشاركة في مسابقات المهرجان من إنتاج شبابي، وأن مسابقات أفلام الطلبة تضمنت مستويات إبداعية جيدة للغاية وحظيت بإشادة لجان التحكيم، مع تسليط الضوء على المواهب الواعدة، والدخول معهم في نقاشات فنية بشأن رؤيتهم المستقبلية للإنتاج السينمائي.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن إدارة المهرجان فتحت الباب لاستقبال الأفلام المشاركة في المسابقات الرسمية إلكترونيا عبر منصتها الرقمية، كما أن التواصل مع بعض شركات التوزيع ساهم في الوصول إلى عدد جيد من الأفلام التي تتوفر فيها مواصفات فنية تؤهلها للمشاركة، وأن إدارة المهرجان نجحت في الحصول على عروض أولى من بعض الأعمال مثل فيلم “المستشفى” وهو فيلم روائي طويل من إنتاج مصري – سعودي.
وذكر النجار أن مهرجان الغردقة أو أي مهرجان مصري آخر لا يمكن أن ينافس مهرجان الجونة الذي ينطلق الشهر المقبل، والفوارق الهائلة في الإمكانيات تجعل المنافسة محسومة للمهرجان الذي يقام في منتجع الجونة القريب من الغردقة، كما أن الفعالية الحالية تتسم بالتخصص والهدف الرئيسي منها فتح طاقة نور للمواهب والمبدعين الذين يشقون طريقهم في إنتاج السينما.
وتجدر الإشارة إلى أن مهرجان الغردقة كرّم في دورته التأسيسية الفنان المصري هاني سلامة والفنانة السورية سلاف فواخرجي تقديرا لمشوارهما الفني، وقدم تكريما للمخرج الأرميني ديفان أفيتسان وهو فنان شامل عمل منتجا وكاتب سيناريو ومهندس صوت وهو حائز على عدة جوائز سينمائية وصل عددها إلى 20 جائزة، بينها أفضل فيلم روائي لفيلمه الأخير “بوابة إلى الجنة” التي حصل عليها من مهرجان أونتاريو السينمائي الدولي عام 2021.