قصائد نزار قباني مغناة إحياء لمئويته في أوبرا دمشق

شاعر مختلف جعلته قصائده نجما في سماء الفن العربي.
الاثنين 2023/09/25
حفل يعيد طيف نزار إلى دمشقه

احتفى المشهد الثقافي السوري بمئوية نزار قباني الأولى. إذ شهد مسرح دار أوبرا دمشق حفلا غنائيا، قدمت فيه بعض القصائد التي صارت من ذكريات الجمهور العربي، بعد أن قدمتها قامات إبداعية كبرى في تاريخ الفن العربي سابقا وصارت من كلاسيكيات الفن العربي.

دمشق - ولد نزار قباني في مدينة دمشق عام 1923، وخلال خمسة وسبعين عاما من عمره الشخصي والإبداعي رسم موهبة شعرية توهجت بطموحات واسعة في التجديد الشعري، استطاع بها احتلال مكانة  كبرى في تاريخ الشعر العربي الحديث، وحمل خلالها العديد من الألقاب الشعرية.

نزار قباني طبع الشعر العربي بتجربته التي حملت منعطفات حادة وصدامات عنيفة مع المشهد الثقافي والأدبي السوري والعربي عموما. تميزت قصائده بالتجديد وقدمت نبرة شعرية متفردة، وهو أكثر الشعراء العرب وجودا في ساحة الغناء العربي. أول الأغاني التي قدمت له كانت للملحن والمغني المصري أحمد عبدالقادر الذي غنى له قصيدة من ديوان "أنت لي" في إذاعة دمشق عام 1953 حملت عنوان "كيف كان". ثم تتالت القصائد وكانت أشهرها "أيظن" مع نجاة الصغيرة التي قدمت عام 1960 ولاقت نجاحا كبيرا.

عبر سنوات طوال قدمت قصائده في العشرات من الأعمال، وبعض قصائده لحن أكثر من مرة، مثل قصيدته الشهيرة "إني خيرتك فاختاري" التي قدمها الفنان السعودي طلال المداح والعراقي كاظم الساهر والسوري عبدالرزاق محمد. وغنت من أشعاره قامات غنائية عربية كبرى منها أم كلثوم وفيروز وعبدالحليم حافظ وماجدة الرومي وفايزة أحمد وكاظم الساهر وأصالة نصري وخالد الشيخ وغيرهم. كما تعامل مع شعره ملحنون كبار مثل محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي والأخوين رحباني ومحمد سلطان ونجيب السراج وحلمي بكر وطلال المداح وغيرهم.

في ذكرى مرور المئوية الأولى على ولادته، قدمت الفرقة السورية للموسيقى الشرقية حفلا غنائيا لمجموعة من القصائد النزارية التي تعامل معها مجموعة من المبدعين العرب، بقيادة المايسترو عدنان فتح الله ومشاركة غنائية لكل من ديانا سعيد ورماح شلغين وسليفي سليمان وليندا بيطار وخلدون حناوي.

قباني طبع الشعر العربي بتجربته التي حملت منعطفات حادة وصدامات عنيفة مع المشهد الثقافي والأدبي السوري والعربي
◙ نزار قباني طبع الشعر العربي بتجربته التي حملت منعطفات حادة وصدامات عنيفة مع المشهد الثقافي والأدبي السوري والعربي

بدأ الحفل بتقديم أغنية "أيظن"، التي لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب للمطربة نجاة الصغيرة عام 1960. وهي قصيدة فيها حالة درامية متصاعدة، تبدأ من صراع عاشقة عاد إليها حبيبها، تروي تفاصيل ما يكون في داخلها من صراع بين الرغبة بالرجوع إليه أو الابتعاد عنه. قدمتها نجاة الصغيرة وحققت بها شهرة واسعة جعلت التجربة تتكرر مع قصائد أخرى للقباني، منها "ماذا أقول له" و"أسألك الرحيل". قدمت الأغنية في الحفل المغنية الشابة ديانا السعيد في حضور متزن وهادئ. المغنية الشابة لم تخرج عن عباءة أداء نجاة الصغيرة فقدمتها بحالتها الطربية الكلاسيكية.

أما الأغنية الثانية فكانت من الزمن الأحدث نسبيا، حيث قدم فيها رماح شلغين أغنية "مدرسة الحب"، وهي القصيدة التي لحنها وغناها الفنان العراقي الشهير كاظم الساهر، ورسم من خلالها وجودا خاصا جديدا في تلحين القصيدة الشعرية العربية من حيث خروجه على قالب الطقطوقة وشغله إياها بقالب موسيقي أوجد فيه صيغا موسيقية متعددة لكل مقطع شعري ما يناسبه كما أدخل آلات نفخية غربية في المقدمة الموسيقية. نجح شلغين في تقديم الأغنية وكان متفاعلا مع الفرقة الموسيقية وواثقا من تقديمه إياها بنجاح.

الأغنية الثالثة كانت وطنية وهي "أصبح عندي الآن بندقية" التي كتبها قباني عندما ولدت المقاومة الفدائية العربية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب وغنتها السيدة أم كلثوم ثم غناها بصوته. قدمت الأغنية سليفي سليمان، بوعي كامل لطبيعتها وحساسية مكانتها، فكانت صاحبة حضور جليل اتضح فيه تناغم أداء الفرقة مع المغنية سليمان وحققا معا حضورا قويا خاصة في المقطع الأخير الذي يتداخل فيه صوت الموسيقى والكورال والمغنية ليقول "طريقنا إلى فلسطين طريق واحد يمر من فوهة بندقية".

◙ قصيدة "قارئة الفنجان" تحتل مكانة خاصة في تاريخ الفن العربي عموما، كونها آخر ما قدمه الفنان الكبير عبدالحليم حافظ  قبل رحيله

الأغنية الرابعة كانت موالا دمشقيا، وهي تصدح بذكريات نزار عن تفاصيل دمشقية عاشها في المدينة الأحب إلى قلبه، والتي قال فيها شعرا وغزلا ما لم يقله في أي امرأة، وهي من ألحان الأخوين رحباني وقدمتها السيدة فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي في إحدى دوراته السابقة، وقدمت فيروز بعدها من شعر نزار قصيدتي “لا تسألوني ما اسمه حبيبي” و”وشاية”. كانت الأغنية طربية الملامح وطويلة نسبيا وهو الشكل الذي لا تقدمه السيدة فيروز إلا نادرا، وكان لحضور بيطار وتمكنها من أداء لون الغناء الكلاسيكي الطربي دور كبير في الوصول بالأغنية إلى وجدان الجمهور.

وتحتل قصيدة "قارئة الفنجان" مكانة خاصة في تاريخ الفن العربي عموما، كونها آخر ما قدمه الفنان الكبير عبدالحليم حافظ  قبل رحيله وكذلك لغرابة فكرة القصيدة التي برع نزار قباني في تقديمها وهو يتحدث عن قراءات في مصير عاشق تحكي عنها بصارة في فنجان. لحن القصيدة الموسيقار محمد الموجي في ثاني تعاون له مع نزار قباني وعبدالحليم حافظ إذ سبقتها قصيدة "إني أتنفس تحت الماء"، وحقق بها لحنا متميزا ما زال يتوهج رغم مرور زمن طويل على تقديمه. قدم الأغنية في الحفل خلدون حناوي، الذي لم ينغلق على محاكاة أداء الراحل عبدالحليم حافظ بل قدم شيئا من تكوينه،  فمعروف أن عبدالحليم مال في تقديم الأغنية إلى الأسلوب المساير لحالة الحزن والخوف الذي يتولد في قلب البصارة على مصير ذلك العاشق، فكان صوته كسيرا شجنا في المقاطع التي تتحدث عن نهايته المأساوية والتي تقول:

وسترجع يوما يا ولدي

مهزوما

مكسور الوجدان

وستعرف بعد رحيل العمر

بأنك كنت تطارد خيط دخان

حناوي، لم يذهب في تقديم حالة الحزن الكامنة في مضمون الشعر، بل قدم حالة طربية خالصة تميزت أحيانا بقوة الصوت والتزيينات التي خرجت عما قدمه عبدالحليم. فصنع حالة فنية خطرة لكنها لاقت استحسان الجمهور.

◙ بعض قصائد نزار بقيت خالدة في الأذهان ولحنت أكثر من مرة
◙ قصائد قباني غناها أشهر المطربين العرب

15